محمد جمعة عبدالهادى موسى يكتب: قارئ النقود التراثية وكلمة لابد منها

الأحد، 08 نوفمبر 2015 04:02 م
محمد جمعة عبدالهادى موسى يكتب: قارئ النقود التراثية وكلمة لابد منها نقود تراثية - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن قراءة النقوش الأثرية، وما نُقش على النقود المعدنية من كتابات ورسوم، لهى من أشق وأصعب المهن التى يمارسها باحث ومُحقق وخبير؛ فقارئ النقود التراثية قد يمكث شهورًا أمام عملة معدنية واحدة تعود إلى عصر ما، يكشف ما نقش عليها ويحلل ما ورد على ظهرها ووجهها.

وتتجلى أهمية قراءة النقود فى الوصول إلى المعرفة العلمية لما نقش عليها من كتابات، وأثر تحليل هذه الكتابات فى تغيير مسار قضايا علمية وتاريخية فى غاية الخطورة تقع مسئولية صحتها على عاتق قارئ النقود نفسه.

لذا فإن قارئ النقود هو من أنفس الباحثين فى مجال الدراسات التاريخية الأثرية لجليل عمله وطبيعته من صبره وجهده؛ فالنقود والعملات الإسلامية التى تعتبر جزءًا من التراث الثقافى الإسلامى مسئولا هو عن البحث فيها واستكشاف عوالمها المُختلفة؛ التى ترتبط بجوانب مُهمة فى حياة المُجتمع التى سادت فيه، واعيًا لأهميتها فى تحديد زمن الممالك والأقطار ونوع الحكم فيها، كما تُسهم فى كتابة التاريخ بشكل مُحكم إلى حد كبير.

ولا غَرْو أن ذلك يحتاج إلى جهد باحث فريد، وعقل مُفكر كبير، وبصيرة مُحقق نشيط ؛ لكى يصل إلى القراءة الصحيحة لهذه النقود؛ لأنه عمل يُمكن أن نطلق عليه "العمل المؤسسى" الذى يؤسس للحقائق التاريخية التى تقوم عليها دراسات أخرى كثيرة .

ولما كان المقال هنا مُتعلق بقارئ النقود نفسه وتاريخ تعامله معها بشكل خاص، تبين أن تاريخ النقود بشكل عام يقوم بالأساس على القارئ نفسه وتاريخ النقود بشكل مُنفصل لا يأتى إلا بعد تدوينات القارئ لعملة معدينة واحدة وأرشفته لها .

والمُطلع على ببيلوجرافيات الرسائل الجامعية التى قدمت لدراسة النقود فى عصر ما سيتجلى له من خلالها فضل أولئك الذين مكثوا سنوات طويلة أمام هذه العملات، لكى يخرجوا ما كتب عليها ويوثقوها، ويقومون بأرشفتها وإخراجها للباحثين، إن لم يكن أحد هؤلاء الباحثين قد قام بهذا العمل الشاق نفسه.

وقد تجلت مكانة قارئ النقود التراثية فى ضوء أعمال العالم الجليل والخبير فى قراءة المسكوكات الإسلامية الأستاذ الدكتور محمود عرفة محمود أستاذ التاريخ الإسلامى ومناهج البحث بكلية الآداب جامعة القاهرة، حينما أدلف عُملة معدنية نادرة تعود إلى العصر الطولونى فى مصر خلال عهد خماروية بن أحمد بن طولون، والعجيب أنها ضربت فى دمشق.

وأمام صعوبة قراءة العملة نفسها، كانت المواجهة أيضا فى صعوبة حل لغز ضربها فى دمشق، رغم وجود دور الضرب للعملات بمصر فى ذلك العصر. لقد كان عملا شائكًا شاقًا نابعًا من التلهف وراء قراءة هذه العملة قراءة صحيحة، كى يتم تفسيرها تاريخيًا، فكل حرف بها قد يغير مسار حدث تاريخى إذا قُرأت على الوجه الصحيح أو الوجه غير الصحيح، فكلا الوجهان مسئولا عنهما ذاك الباحث والقارئ للنقود التراثية.

وتأتى مُمارسة قارئ النقود لهذا العمل وذكره الصعوبات التى قد تواجهه فى قراءتها، هو فى حد ذاته تأريخ لجهوده فى البحث عن النقود فى العصور الإسلامية المُختلفة.

وإذا أردنا أن نعلم ذلك الجهد الكبير الذى يقوم به قارئ النقود، سنعلمه حينما نتأكد أن له حياة خاصة منذ تاريخ بداية اشتغاله بهذا العمل والبحث والدراسة فى ضوء ما يحتاجه من علوم مساعدة له تعينه على قراءتها.

أضف إلى ذلك ترحاله إلى الأماكن التى تحتوى على النقود، وكيف يصرح له بالدخول إلى هذه الأماكن، وكل هذا يشكل له عبأ كبير وتعب مُضنى، فضلا عن الاكتشافات الأثرية عن النقود، وتتبعه لها، وما يصاحبه فيها من قصص وأشكال من ألوان الحياة العلمية خلال تعامله مع النقود، والتى سينتج عنها الأسرار التى اكتشفت من خلال قراءة النقود وغيرت وجه حقائق علمية بعينها، وجل هذا يتجلى بلا شك فى أضواء وروائع حول علمه ومعرفته للنقود التراثية.

لعل ذلك الموضوع يكن تلميحـًا لجهود الباحثين فى تاريخ المسكوكات بشكل خاص، للبحث فيه، والتأريخ لعلمهم وعملهم النبيل والرائع، الذى أسهم بشكل واضح فى إعداد التقارير والمضامين التاريخية عن أحداث كان الفضل فى الفصل فيها يعود إلى قارئ النقود التراثية.
* باحث ماجستير، فرع التاريخ الإسلامى، كلية الآداب – جامعة القاهرة









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة