سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 أغسطس 1931.. الشيخ على عبدالرازق لطه حسين: بلادنا لم تنضج بعد ليشتغل فيها أمثالك بالعلم.. وماذا يصيب الكون لو شىء دمر كل الكتب ورفع العلماء إلى السماء؟

الثلاثاء، 08 أغسطس 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 أغسطس 1931.. الشيخ على عبدالرازق لطه حسين: بلادنا لم تنضج بعد ليشتغل فيها أمثالك بالعلم.. وماذا يصيب الكون لو شىء دمر كل الكتب ورفع العلماء إلى السماء؟ على عبد الرازق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تفجرت معركة كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبدالرازق، وشهدت طرده من «هيئة العلماء» بعد محاكمة له عقدتها «الهيئة» برئاسة شيخ الأزهر فى 12 أغسطس 1925، وفى عام 1926، تفجرت معركة «الشعر الجاهلى» لعميد الأدب العربى طه حسين، ولسنوات طورد من النيابة ومجلس النواب والصحافة.
 
جمع الاثنان صداقة وثيقة مستمدة من العلاقة العميقة بين طه حسين وآل عبدالرازق، يذكرها عميد الأدب العربى فى سيرته «الأيام»، وإذا كان الاثنان بكتابهما اجتمعا على محاولة السير ضد التيار السائد وقتئذ، فإن الخطابات المتبادلة بينهما تحتوى على معان عميقة، حسبما نجد فى خطاب طويل كتبه «عبدالرازق» إلى «حسين» فى 8 أغسطس، مثل هذا اليوم 1931، وفقا للجزء الأول من «أوراق طه حسين ومراسلاته 1925- 1945»، إشراف ودراسة «الدكتور أحمد زكريا الشلق والدكتور محمد صابر عرب».
 
كتب «عبدالرازق» خطابه من الإسكندرية، حيث كان يقضى صيفه مع زوجته فى منزل استأجره، بينما كان طه حسين يقضى إجازته الصيفية فى باريس، وبلغ الخطاب درجة عالية من الإثارة فى نصفه الأخير، حيث يقول نصا: «سألت مرة بعض الإخوان ماذا يصيب الكون لو أن الله أرسل فى لحظة واحدة شيئا يدمر كل ما فى المكاتب العامة والخاصة من كتب قديمة وحديثة مطبوعة ومخطوطة، فلم يترك كتابا ولا صحيفة؟ أفهل يرجع ذلك بالعالم إلى الوراء، وهل يغير من نظامه شيئا؟ والآن، أوجه إليك هذا السؤال، وأزيد فيه لو أن الله جمع أولئك العلماء وأعنى فطاحلهم- وفطاحل العلماء عندكم هم المنقطعون للعلم لا يريدون غير العلم- فرفعهم إلى السماء فى لحظة واحدة، أو خسف بهم الأرض، حتى لم يبق فوق ظهرها كتاب ولا عالم من أولئك العلماء، أفترى هل يضطرب لذلك شىء من نظام الكون، وتنحط درجة من هذا التمدن الحاضر، أم يمضى كل شىء فى طريقه قدما كأن لم يحدث حادث، ولم ينقص من الدنيا عنصر من عناصر كمالها وبهجتها؟ وهل يتعطل سير المراكب أو التراموايات أو البوابير أو الأتومبيلات أو الطيارات، وهل تتأثر أثمان القطن وأسعار البورصة، وهل تسقط وزارة أو تتغير حكومة، أم ماذا يحصل فى الأرض أم فى السماء؟».
 
«إن غاية ما يمكنكم أن ترفعوا إليه قدرة هذا العلم أن تجعلوه حشيشا كالذى يحرقه الحشاشون، أو دخانا يدخن، أو أفيونا يبتلع، أو خمرا تشرب، وغاية ما تصل إليه دور الكتب أن تكون غرزة أو قهوة أو خمارة، وغاية أولئك العلماء - وإياهم أعنى - أن يكونوا فى طبقة ملوك الشاى وأهل الكيف البارعين نطاردهم ونقاومهم وننابذهم، فإذا ما نالهم أذى بكينا عليهم وقلنا: كانوا جمال الأرض ومظهر التجليات الفنية، غذاء الأرواح كما بكت الجارية العجوز عمر بن أبى ربيعة، لأنه كان أمير الغزل وشاعر التشيب والنسب».
 
«فأما السياسة فأقل شأنها فى مصر أن ترفت عمدة أو تعينه، وأن تقدم موظفا أو تؤخره، وأن ترهب حاكما أو تؤمنه، وأن ترضى أناسا أو تغضبهم، فإذا ما ارتقت عن ذلك شيئا فشركات تنشأ، وقناطر تبنى، واحتكارات تعطى، ومشروعات، أعزك الله قد تفيد الناس وتفيدنا نحن على كل حال، فإذا ما ارتقت عن ذلك فثمت من النعيم والملك الكبير ما تعرف وما لا تعرف، وما تفهم وما لا تفهم من لذة غيرة مرة».
 
«وبعد، فأنت تشك كثيرا فى أن الرعاية السياسية مخصبة منتجة، فهلا شككت كذلك فى أن الجهاد العلمى مخصب أيضا ومنتج؟ وهلا تأذن لى أن أشك أنا ذلك الشك، وأن أستعير بعض عبارتك وطريقتك فى التدليل، فأشفق عليك من زعامتك العلمية، فهى ثقيلة شاقة لا تخلو من مرارة، وربما شككت كثيرا فى خصبها وإنتاجها لا لأنك عاجر عن أن تأتى بالمعجزات وتغيير الحال بين مشرق الشمس ومغربها، بل لأن بلادنا لم تنضج بعد ليشتغل فيها أمثالك بالعلم، فمثلك إنما ينتج بشرطين، الأول: أن يشتغل فى بلد حر حقا يحب الحرية كما يحب الحياة، ويحرص عليها كما يحرص على الهواء والماء، ولا تزال أمام مصر مسافة بعيدة جدا يجب أن تقطعها قبل أن تبلغ هذا الطور، الثانى: أن يشتغل فى بلد بلغ الرشد وجاوز الصبا، وما زلنا والحمد لله فى العلم أطفالا وصبيانا، فلو تركت العلم لأصحابه وصرفت نفسك عن هذا النحو من اللعب المضنى إلخ إلخ، وأرانى قد أطلت ولما أبلغ من القول ما أريده، ودون أن أبلغ المراد مسافات أخرى طول قصار ومتعبة مريحة، وخفية واضحة، أو لعلى قد بلغت بك الغاية من حيث تدرى ولا تدرى.. فإذا كنت لا تدرى فتلك مصيبة، وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم، ففكر فى هذا وسأفكر فيه أيضا حتى إذا التقينا إن شاء الله فقد ننتهى إلى قرار».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة