عفاف عبد المعطى تكتب: إنصاف المبدعين

الأحد، 22 أكتوبر 2017 11:00 م
عفاف عبد المعطى تكتب: إنصاف المبدعين الدكتورة عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
  سُئل الكبير نجيب محفوظ عن أكثر شىء أعاقه وأثر فيه عبر عمره المديد، قال الزمان، فلم يؤثر فى محفوظ سوى الزمن، بمعنى أن تواتر الأزمان قد يُنسينا من عاشوا فيها خاصة أننا فى العالم الثالث بلاد تمحى ذكراتها وهويتها عمدا ويفرغ أصولها المعرفية والتاريخية والثقافية بكل السُبل، ومن هنا تأتى أهمية مجموعة الكتب الأخيرة التى قدمها المثقف الكبير شعبان يوسف، والذى أعتبره مؤرخ العصر الثقافى الحالى، وقد أرساه الواقع فى هذا الوضع رحمة بالقراء والنقاد وكل مريد للمعرفة.
 
 ومنذ ظهور كتاب "لماذا تموت الكاتبات كمدا؟ والذى أسس فيه شعبان يوسف لمجموعة من النساء المبدعات فى حقب تاريخية مختلفة وعرف بهن بصورة أكثر شمولية وذاع شيوع الكتاب وكثرت النقاشات حوله بين مؤيد ومعارض، إلا أن ظهور مثل هذه الكتب به أكبر فائدة للباحثين والدارسين، خاصة فى المراحل الجامعية العُليا، وكذلك للباحثين عن حقب إبداعية متباينة، ثم أتبعه الكاتب شعبان يوسف بكتاب "ضحايا يوسف إدريس" وما فى هذا الكتاب من أسرار ومعلومات موثقة كفيلة وحدها بأن تسجل حقبة كبيرة من حياة مصر السياسية والاجتماعية والفنية والأدبية لما يربو عن النصف قرن، فيوسف إدريس هذا القوى ذائع الصيت الذى طعّم موهبته بالترويج الهائل لها فملأ السمع والبصر العربى لسنوات طويلة أظهر الكتاب مدى الانحسار الذى وقع لمعظم مجايليه من المبدعين والكتاب، وقد عرفنا بين دفتى الكتاب أسماء كتاب ونصوصهم لم نكن نعرفهم من قبل وتلك أهمية هذا النوع من الكتب. 
 
ثم على النهج نفسه يأتى كتاب "المنسيون ينهضون" عن إصدارات مؤسسة بتانة، والذى يطرح شعبان يوسف عبر صفحاته قضية شديدة الأهمية، وهى نصوص لم تكن المكتبة العربية تعرف عنها أو عن أصحابها شيئا أو تعرف القليل، فمن وحيد النقاش الكاتب الذى سبح عكس الاتجاه، مرورا بمحمد كامل حسين المحامى رائد الرواية البوليسية وضحية رجال عبد الحكيم عامر (بما فى الكتاب من تقديم لصورة حقيقية لجزء من تعسف الدولة الناصرية التى كانت تحكمها أهواء رجل الدولة الثانى عبد الحكيم عامر وقوة رجل المخابرات المجحف صلاح نصر الذى تتبع المبدع كامل حسين ووفر من جهاز المخابرات (الذى كان قد حل كل المشكلات ضد مصر لذلك تفرغ لكامل) من يتتبعون خصوصيات حياة المبدع حتى طلقوا زوجته منه وأودعوه مصحة نفسية "تحركت المخابرات لتتخذ هذا الموقف، وكان واحدا من الاتهامات فى قضية انحراف المخابرات، وكى يحاول صلاح نصر الرجل القوى فى دولة جمال عبد الناصر أن يجد مبررات واسعة لما اتخذه من إجراءات ضد كامل حسين قال إنه لا يكف عن الحديث عن زيجة عامر ببرلنتى فى الجلسات العامة، وهذا من شأنه أن يعمل على تشويه عامر وبالتبعية فكل ما ينال المشير عامر من تشويه فسوف يصيب الدولة المصرية فى مقتل" (ص171) وطبعا الإطاحة بمبدع كبير بهذه الصورة ثم فصل زوجته عنه ما يكفى بإشانة دولة بأكملها "فالرجل الذى شوهوا سمعته وخطفوا زوجته ثم أدخلوه مستشفى بهمن للأمراض النفسية كلها أمور تنتمى لعوالم اللامعقول فما ارتكبه لا يستدعى تحريك ترسانة المخابرات العامة من أجل قطع لسانه وحبسه (ص172) .
 ثم يأتى الحديث بين ثنايا الكتاب عن عباس علام الأديب والمسرحى وقصة عشقه للدراما ثم صلاح ذهنى أحد شهداء القصة القصيرة وكذلك ضياء الشرقاوى القصاص الذى رحل مبكرا تاركا إنتاجا غزيرا وسط تجاهل نقدى مُطلق. ثم رجال الشعر الجميل منهم حسين شفيق المصرى أو أبونواس العصرى وحكاياته واللغة الدارجة المهدورة عمدا فى الأجواء الرسمية و كذلك محمد يوسف المستبعد بأمر الغربة ومحمد مهران السيد موظف السكك الحديدية الذى دخل ساحات الشعر الواسعة انتهاء بـ حسن فتحى الباب شاعر جيل الرواد . 
 
كعادة كتب شعبان يوسف فاض الكتاب بالكثير من الحكايات الخاصة والطريفة التى تكشف الكثير من عمر مصر الإبداعى عبر أبطاله من المبدعين، فمن أجمل فصول الكتاب ما ظهر فى الجزء الخاص بالكاتب النوبى محمد خليل قاسم صاحب رائعة "الشمندورة" فالأمر لا يتعلق بقاسم وحده، بل بقضية وطن بأكمله حينما يضطر أبناءه من الجنوبيين الى التهجير والانحسار والانكسار للروح والاحلام وترك كل ما يحملونه من ذكريات ومحبة لمنطقتهم ووطنهم النوبة ومن ثم كتابة مأساتهم او محاولة الوصول مع الدولة المصرية لوضع حد لمأساة أهل النوبة الطيبين، الكتاب يتحدث بالفعل عن قاسم لكنه تشعب إلى الكتاب النوبيين عامة وقضيتهم التى لم تحسم منذ بناء السد العالى وصرخاتهم لحث الدولة على إنصاف قضيتهم ومن ثم أهاليهم، ولعبت رواية الشمندورة للكاتب والأديب الراحل محمد خليل قاسم دورا كبيرا فى شحذ همم وطاقات جيل كامل من الأدباء النوبيين مثل يحيى مختار، إدريس على، وإبراهيم فهمى واستطاعوا أن يعبروا عن هموم "النوبى" التائه فى بلاد الشمال (ص141) .
 
ومثلما فعل يحيى حقى فى إنصاف الكتاب المبدعين الذين عانوا –مثل شباب كل جيل فى دولة العجائز العاجزين- من حرب ضروس كان يقودها الكتاب الراسخون فى مواجهة الأدباء الشباب، أقرر أن إنصاف "حقى" يأتى مثله إنصاف كتاب "المنسيون ينهضون " فلكل كاتب حكاية خاصة أو عامة لها علاقه بحياته أم بمجمتعه، وقدم المثقف الكبير شعبان يوسف تلك الحكايات فى صياغة فنية سلسلة شائقة تمتع قارئها وتحمل مدلولها على إدانة المجتمع الذى يعلى أقواما ويخفض آخرين ليس لأسباب مقنعة أو حقيقية بقدر ما هى أهواء شخصية وسيطرة وتأبيد جيل لنفسه ولحوارييه وهو النسق المعتاد فى مصر منذ أكثر من نصف قرن وهو المناخ نفسه الذى تعيش فيه الأمم المتخلفة التى تهمش الحقيقى وتقتل الشاب فى سبيل بقاء الكاهن العجوز فى مكانه لأطول زمن ممكن حتى لو كان ذلك على حساب تشويه ورحيل أجيال كامله من الشباب. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة