رنوة العمصى تكتب: فى مديح الخسارة

الإثنين، 23 مارس 2015 11:00 ص
رنوة العمصى تكتب: فى مديح الخسارة الكاتبة رنوة العمصى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تقول لى (ودعونا نسميها ليلى) إنه على أن أتعلم كيف أنتصر، كيف أربى لنفسى أظافر، ولا بأس من أن أغطيها بطلاء بلون أنثوي، على أن أبقيها حادة بما يكفى. أن أضع الأهداف أمام عيني، أرسم الطريق والخطة، أسير عليها، أخوض معاركًا حتى أصل، وأنتصر.

ليلى، تقضم أظافرها، لكنها تملك أسلحة أخرى أكثر فتكًا..
وعدا أسلحتها، كنت أخجل أن أقف أمام منطقها الواثق، خطواتها المحسوبة، ونتائجها الحتمية، نجاحاتها التى لم تأتِ بها الصدفة، لأقول لها: وما الضير من الخسارة يعنى ؟ وماذا لو أننا مهزومون وسعداء؟ المهزومون طيبون ووادعون.

أن تخسر شيئا يعنى أنك لم تعد مشغولا بالحفاظ عليه فى خزانة قلقك، أن تربح شيئا يعنى أن خزانة انشغالك زادت رفًا إضافيًا عليك تفقده كل صباح، وابتلاع قلقك من فقدانه على وسادة أرقك كل مساء. الانتصار يعنى أنك على قمّة ضيقة للغاية، عليك أن تبقى قدميك مكانهما فلا تفقد توازنك لتتعثر وتسقط. المهزوم لديه حرية القفز والركض والتشقلب أيضًا، القاعدة شاسعة والهزيمة متسع. الانتصار يجلب الرعب، والحسد، والأعداء، أما الهزيمة، فتجلب التعاطف والأمل، والعناد..

ثم ما يعنى أن تكون مهزوما، يعنى أن الحياة استنفدت معك حيلتها الأسوأ وأنها إن حاولت أن تفاجئك، فليس لديها سوى الأفضل!

إننى أحب خطاب تنحى الزعيم جمال عبد الناصر إثر هزيمة 67 أكثر من سواه، كان مهزوما ووسيما، وصادقًا، ومتجردًا من جبروته، ينظر إلى عدسة الكاميرا من أسفل لا من أعلى، ضامًا ذراعيه إلى صدره كما لو فى صلاة، هادئًا، مهادنًا لخسارته، وإلى الجحيم كل الحسابات، لست أنا من يقول، ولكن الشعب المهزوم عن بكرة أبيه عندما خرج إلى الشارع متشبثًا بزعيمه، المهزوم الجميل هو من قال.

أحب حسن داوود عندما تحدث بلسان أمه فى روايته "لعب حى البيّاض" قائلا: "ربنا، سبحانه وتعالى، أعطى لكل مخلوق شيئًا يحمى به نفسه. أعطى البقرة قرنين لتنطح بهما كل من يأتى ليؤذيها. وأعطى النحلة إبرتها التى تؤلم حتى أكبر الأجسام. وأعطى القطة مخالب، والجروة أنيابًا.. الله سبحانه أعطى لكل مخلوق من مخلوقاته شيئا يحمى به نفسه، إلا أنا، فقد خلقنى هكذا بلا مخلب ولا إبرة ولا شوكة."

أحب حتى بطل بوكوفسكى فى روايته "مكتب البريد" الذى عندما اكتشفت صديقته الثرية، التى كانت تؤويه وتطعمه وهو عاطل بلا عمل، أنه يغازل زوجة ميكانيكى شابة تسكن فى الشقة الخلفية، ويتودد إلى راقصة تعرِّ تسكن فى الشقة الأمامية، طردته من المنزل، ومنعته من الاحتفاظ بالكلب، قال بلا مبالاة المهزوم معدوم الخيارات، وعديم الندم: "للتو فقدتُ ٣ نساء وكلب". فقط، أعنى فقط!

أحب هؤلاء أكثر من أبطالنا الذين يفهمون كل شيء ويعرفون كل شيء، يدهشون الجميع ولا يدهشهم أحد، أحب الساكنين فى الهوامش الذين يعرفون أن اللعبة كلها تدور حول خسارة كل شىء، إما شيئا شيئا، أو دفعة واحدة، وأعرف والباحثون عن اللذة، يعرفون جيدًا، أن للخسارة لذة لا تشبه سواها، ثمة غواية ما فى أن تكون مسيحًا، هكذا مشدود إلى الصليب، أحدهم يقتص منك، فيتحول إلى وحش، فيما تقف أنت هناك، محولًا فشلك إلى أسطورة، أمهات يبكينك، وآخرون يسجلون حكايتك، فتصبح على ضعفك وقلة حيلتك فى أسوأ الأحوال محبوبًا وفى أفضلها قدّيسًا!

ولو أننى لم أخسر ليلى من جملة ما خسرت، كنت سأعلمها كيف نلتذ سوية بخسارة ما.. لكنها إذ غادرت تركت لى لوحدى اللذة كلّها.


موضوعات متعلقة..
- رنوة العمصى تكتب: لماذا أكتب؟


- " Proxy" قصيدة لـ"رنوة العمصى"











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة