إسلام بحيرى

إسلام الفقهاء سبب تخلف المسلمين.. وإسلام الشريعة يؤسس لقواعد اليسر والحرج

التشدد فى الفقه الإسلامى والتأثير اليهودى

الخميس، 04 يونيو 2009 09:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ المحرمات فى القرآن قليلة جدا.. والشريعة الإسلامية رحبة ولا تخلف وراءها إنسانا مبرمجا

لا شك أن جانب العقيدة والتوحيد كان الهدف الأسمى لكل الديانات القديمة مما قبل اليهودية, ثم فى مرحلة لاحقة انتقلت الديانات مع نزول الوصايا فى الألواح على النبى «موسى» إلى منحى مواز للعقيدة، ما تبلور فى وقت لاحق باسم الشريعة, والشريعة فى أى دين هى أوامر ونواه وعبادات ومعاملات تمثل التطبيق العملى لحقيقة التوحيد, بمعنى أن إظهار التوحيد لله انتقل إلى مرحلة التعبد بشريعة هذا الإله مما كان يستوجب بداهة نتيجتين هامتين, الأولى أن الله بداهة لا يريد الحرج والعنت والضيق لعباده من خلال التعبد بهذه الشريعة لأن مرمى وهدف نزول الشرائع ليس لذاك, والثانية أن الله لم يرد من عباده التعبد بالشريعة كغاية فى ذاتها بل هى وسيلة لهداية هذا الإنسان نفسا وروحا ومجتمعا.

ولكن بنى إسرائيل مع بدايات تلقى أول شريعة مكتوبة ظهرت فيهم حماقات كثيرة، لكن أكبر حماقتين مؤثرتين فى طريقة التعاطى والتعامل مع مفهوم الشريعة كانتا تتمثلان فى «التشدد وتوليد الأسئلة فى الأمر الواحد»، أو بمعنى مقارب هو الولوج فى تفاصيل العموم للشريعة، مما يجعل كل أمر فيها يتجزأ لآلاف الأوامر فينتج منه فى خلاصة الأمر شريعة مضاعفة، بمئات آلاف الأحكام التابعة واللاحقة للحكم الواحد, ما يؤدى بالضرورة إلى تقييد وتكبيل وضيق بالغ فى التعبد بهذه الشريعة ما قد يخرج الإنسان منها بالكلية.

وقد قص علينا القرآن للتدبر ألوانا من هاتين الحماقتين, ففى قصة البقرة الشهيرة الواردة فى سورة «البقرة» أمرهم الله على لسان «النبى موسى» أن يذبحوا بقرة وهو أمر إلهى على عمومه لا يحمل تفصيلا متعنتا, بل يحمل أمراً إلهياً يسيراً, فكان الواجب عند أهل العقل أن يذبحوا أى بقرة, ولكن الحماقة الأولى والكبرى ظهرت فبدأو عملية «توليد الأسئلة» الغبية, فيخبرنا القرآن عن سؤالهم الأول: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِىَ», ثم تلاه الثانى: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا», ثم الثالث: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِىَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا», ولا شك أن الأسئلة المتولدة عن هذه الأسئلة جائزة عند هؤلاء الحمقى مثال كيف نذبح؟ وبم نذبح؟ وباستخدام أى يد نذبح؟ ومن أين نذبح البقرة؟ وهنا يكون نتاج الحماقة الأولى الحماقة الثانية وهى «التشدد» حيث أصبح ما فعلوه دينا موازيا لمن بعدهم, ولو كان هؤلاء قد ذبحوا أى بقرة وبأى شكل لنجوا ونجا مَن بعدهم.

لذا فإننا نجد التعقيب القرآنى على ذلك الحمق، يؤكد أن «توليد الأسئلة» لم يكن بغية الاطمئنان على كيفية تنفيذ أوامر الله, بمعنى أن «توليد الأسئلة» لا ينم أو يعبر عن زيادة تقوى, بل عن جهل وحمق وقلة إيمان فيقول الله: «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ», لكى يؤكد رب العزة أنه بعد كل ذلك كانوا على وشك عصيان الأمر كله لولا أن تداركهم العقل قليلاً.

وفى هذا السياق جاءت الآيات الكثر عن بنى إسرائيل تنعى عليهم الجهالة والتشدد, فقال الله: «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِى إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ» آل عمران 93, وقال: «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ» النساء 160, وقال: «وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ» الجاثية (16-17), وعلى ذلك استمر اليهود فى التضييق المطلق بدءاً من قصة البقرة وحتى شرائع يوم السبت, فلنا أن نعرف أن يوم السبت عند اليهود يحرم فيه تقريبا كل شىء إلا التنفس ففى يوم سبتهم: «العمل بكل أنواعه حرام، فالزراعة حرام والصناعة حرام والتجارة حرام - إشعال النار للأكل حرام - إشعال النار للتدفئة حرام - نقل وتحريك الأشياء من مكانها حرام - الكتابة أو حمل الأقلام حرام - أعمال البناء حرام - تجهيز الطعام حرام - إنفاق النقود أو تسلمها حرام - السفر حرام - وحتى المشى أكثر من ميل ونصف حرام وبعض الطوائف لا تعده بالميل ولكن بعدد الخطوات».

إذن ماذا خلف هذا التشدد الجاهل, خلف وراءه تدينا بغيضا كريها أو ما نسميه «تدين الإنسان الآلى» كل حركة بحساب، كل لفتة بعقاب كل شىء مشكوك فيه حتى يستبين عكسه, وكل شىء حرام أصلا حتى نتأكد من حليته.

هل تعدت هذه المفاهيم للشريعة الإسلامية؟
اهتم القرآن وكما هو الحال فى تراتبية الدين، أولا بتنقية العقيدة من الشرك والكفر فى مكة بتأكيد عقيدة التوحيد, ثم بدأت الشريعة فى تبيين مراد الدين فى الأرض من هداية الإنسان للخير، وإقامة المجتمع الفاضل من خلال إعلاء القيم الإنسانية الكبرى كالحق، والعدل والخير والرحمة والإحسان والأمانة والصدق, هذا هو هدف الدين وروح الشريعة, ولذا نجد رب العزة يخط ويحدد فى آياته السماحة والبساطة فى هذا الدين، فنجد العبادات الخمس الكبرى فى الإسلام بسيطة وقليلة، كما نجد الأمر والنهى فى القرآن دائما ينحى بناحية صلاح المجتمع، والتأكيد على القيم العليا: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» النساء 58, «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» النحل 90, وكذا نجد المحرمات فى القرآن قليلة ومحددة جداً, إذن نحن أمام شريعة رحبة لا تضييق فيها ولا عنت ولا حرج, وبالتالى لا تخلف بأى حال وراءها إنساناً آلياً مبرمجاً ومقيداً بقيود حمقاء كما فعل اليهود بدينهم وأنفسهم. وقد حددت آيات القرآن صفتين وسمتين حاكمتين لشريعة الإسلام فى كل زمان ومكان:
الأولى: اليسر:
فنجد رب العزة وصَّف هذه الشريعة التى أنزلت على المصطفى بوصف وخط مطلق لها موجها الخطاب نحو المقارنة بتشدد وضيق بنى إسرائيل فقال: «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ» الأعراف157, وهذه الآية ألمت بالوصف الجامع المانع لهذه الشريعة التى جاءت لتضع عن أتباعها الإصر والأغلال والسلاسل - التشدد الأحمق - الذى وضعه بنو إسرائيل على تابعى شريعتها.

الثانية: رفع الحرج والمشقة:
وتلك الصفة المطلقة للشريعة إنما تستوضح وتتأكد من المفهوم الذى أسس له القرآن عن معنى ومظنة الحرج فيقول الله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» المائدة6, وهنا يؤسس القرآن لمفهوم الحرج وحدوده فى شرع الله, فبعد ذكر فرضية التطهر بالماء, ثم ذكر فرضية بديلة عند فقْد الماء وهى التيمم, يعقب رب العزة فى نهاية الآية وكأنه تبرير أو تفسير - وهو غنى عنهما لعباده أن فرضية الغسل والوضوء أو التيمم قبل الصلاة قد يظن بهما مظنة الحرج والتضييق, فيبين رب العزة أنها وسيلة لغاية التطهر: «وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ», وهو ما يؤكد أن تلك العبادات البسيطة جدا قد عدها الله قريبة من الحرج والتضييق, ما يدلل أن دأب الشريعة وخطها هو الابتعاد التام عن الحرج والضيق.

وعلى ذلك المنوال نجد أفعال وأقوال النبى صلوات الله عليه على ذات اليسر والرحابة والبعد عن التشدد, ويكفى أن نجد النبى فى الحديث الصحيح الذى أخرجه البخارى وغيره (887) يقول:»لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ», وهنا نجد من النبى تأسيسا لمفاهيم اليسر حيث يعتبر - رفقا بأمته - أنه لو فرض عليهم التسوك -تنظيف الأسنان - قبل كل صلاة لكان ذلك مشقة عليهم, رغم أن التسوك فعل بسيط جداً لا يمثل أى مشقة, فهذا القرآن وهذه سنة النبى يؤسسان لقواعد عقلية بديهية عن ماهية الحرج والمشقة فى شريعة الإسلام, فإذا كان التيمم والسواك قد يظن بهما الحرج والمشقة فماذا عما فوق ذلك, ولذا فإننا لم نجد حيدة عن هذا المنهج اليسير فى العصر التالى للنبى والذى كان يعج بكبار فقهاء الصحابة, ولكن المأساة بدأت فصولها بعد انقراض عصر كبار الصحابة حيث تسللت الحماقتان اليهوديتان الشهيرتان «توليد الأسئلة والتشدد» لتضربان فى عمق العقل المسلم حين خرج الفقهاء عن السمتين اللتين أسسهما القرآن والسنة كصفة للشريعة «اليسر ورفع الحرج», فانساق الفقهاء من خلال توليد الأسئلة فى تفصيل عموميات الشريعة وتحديد الدقائق اللاحقة لها وبها, ما خلف شريعة جديدة موازية لشريعة الله وهى الأحكام الفقهية التى خرجت فى كثير من أبوابها عن خطّى وصفتى الشريعة وبعدت فى اتجاه عكسى عنهما.
إذن ماذا ترتب على ذلك التحول المضاد؟

ترتب عليه مضار كارثية, حيث تركب العقل المسلم منذ عصور الفقهاء وحتى يومنا على منهاج الفقه المتعنت الضيق, وابتعد العقل المسلم قسرا عن منهاج الشريعة اليسير البعيد عن الحرج والمشقة, وكان ذلك إيذانا بتعطيل العقل المسلم وإعاقة حياته الاجتماعية, حيث تقيد المسلم عنوة فى دين الفقهاء بـ«تدين الإنسان الآلى» ذى الصبغة اليهودية المذمومة فى القرآن وأصبحت التفاصيل وشيطانها واجبات وفروعا وبات المسلم لا يتحرك ولا يخطو ولا يعمل ولا يسافر ولا يتَّجر إلا بفتوى وأمست الدنيا كلها فى نظره شبهات تقترب من الحرام, فهلك العقل المسلم وأهلك مجتمعه.

ومن هنا يبرز السؤال القديم الشهير, هل الإسلام سبب تخلف المسلمين؟ ومن هنا تبرز الإجابة أيضا بالنفى والإيجاب, حيث يجب التفرقة والفرز بين إسلام الشريعة وإسلام الفقهاء, فأما إسلام الفقهاء الذى نعيشه فنعم كان السبب المباشر والرئيس فى تخلف المسلمين بلا ريب, أما إسلام الشريعة الذى توارى خلف الحجب المظلمة فى كتب الفقهاء فهو الذى كان وما يزال مؤهلا أن يختصر مسافات التخلف التى عطنت العقل المسلم خلال أربعة عشر قرنا, وهو الذى كان وما يزال قادرا أن يمثل الصورة الحقيقية للشريعة الخاتمة بسمتها ونعتها وصفتها النقية.

ولنعطى مثالا عمليا على فرق الضد بين اليسر ورفع الحرج فى تطبيقات القرآن والسنة وبين عتامة وحماقة الأحكام الفقهية فى أبواب لا تحصى, نضرب المثل بباب الطهارة وهو الباب الأول والأكبر دائما فى كل كتب الفقهاء, رغم أن ذكر القرآن للطهارة لم يتعد آيات قليلة تتسم بعموم يسير وترنو دوما لرفع أى حرج, فنجد القرآن يخاطب العقلاء بقوله: «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا» هكذا بمنتهى التجرد لأن العاقل فقط هو الذى لن يتساءل عن معنى الغسل ولا كيفيته ولا وقته ولا طقوسه ولا تبعاته كما فعل اليهود فى قصة البقرة, حيث يعلم العاقل أن الغسل إنما هو وسيلة للطهارة المرجوة فى الدين وليس غاية فى ذاته يقف فيه المسلم حائرا بطقوس وفروض وفروع تهلك النفس والعقل والبدن, فباب الطهارة وفروعه هو الدليل الحى على مخالفة إسلام الفقهاء المعنت الضيق لإسلام الشريعة اليسير الرحب.

لذا سننقل ثلاث فتاوى فقط من آلاف الفتاوى المماثلة من بنك الفتاوى الخاصة بالطهارة على أكبر موقع إسلامى على الشبكة العنكبوتية »الشبكة الإسلامية« وهذه الفتاوى تطبع وتوزع فى كتب مجانية, لأنها تمثل أحكام الطهارة على المذاهب الأربعة التى ما زال المسلم المعاصر يسأل ويجاب تبعا لها, كما أننا بشكل مواز سنطلع منها على ما يملأ ويشغل العقل المسلم المأزوم لنؤكد الإجابة عن سؤالنا أن إسلام الفقهاء سبب تخلف المسلمين.

الفتوى الأولى:
«السؤال: ما حكم أننى كنت أسير فى الشارع، فتنجست قدمى بماء مجارى ولكننى ظننتها فى البداية ماء طاهراً، ثم دخلت وصليت فى مسجد كبير جامع وقدمى كانت مازالت مبلولة، فنجست كل مكان بسجاد المسجد ثم بعد ذلك عند العودة تيقنت من أنها ماء مجارى، فما العمل بالنسبة لسجاد المسجد المتنجس علما بأن هذا المسجد بعيد عن بيتى، ولا أجرؤ أن أخبر أحدا بهذا من إدارة المسجد؟
الإجابة: إذا تحققت من كونك قد وضعت رجلك على فراش المسجد، وهى ما زالت مبللة بالنجاسة المتيقنة فقد تنجس ذلك الموضع الذى أصابته النجاسة فقط، وبإمكانك أنت بنفسك تطهير ذلك الموضع بصب الماء الطهور عليه. وإن التبس موضع النجاسة فلا يطهر الفراش إلا بغسل جميعه، ولا يجوز السكوت على هذا الأمر خوفاً من المشرفين على أمر المسجد فيمكنك أن تبين لهم الأمر إذا لم يمكنك تطهير النجاسة بنفسك».

فهذا المسلم المعاصر تملأ عقله الوساوس والترهات, وهذه هى الإجابات الحمقاء الخرقاء ترد عليه من دين الفقه، بأنه لو تأكد أن الماء الذى وطأته قدماه هو من المجارى فعليه أن يرجع ليغسل سجاد المسجد كله بالماء, ليهلك نفسه وبدنه والمسجد معا, هذا ما يدور بخلد المسلم المعاصر, يفكر أيغسل المسجد كله أو يتحسس الأماكن التى خطى عليها, هذا هو الجنون والمشقة التى خلفها إسلام الفقهاء, فأين ذلك من يسر إسلام الشريعة الذى يعتبر الوضوء والتيمم حرجا، ويصنف فرضية السواك قبل كل صلاة فى مصاف المشقة المظنونة.

الفتوى الثانية:
«السؤال: كان بيدى أعزك الله شىء من المذى وذهبت إلى السيارة وقمت بقيادتها، وعندما رجعت غسلت يدى وتوضأت، وبعدها جلست أفكر فى كل شىء لمسته من باب وثوب ومفتاح ومقود سيارة قبل أن أغسل يدى بأنها قد تنجست وأنى كلما لمستها مرة أخرى فإنى سوف أتنجس.
الإجابة: فإذا كان المذى الذى فى يدك لا يزال رطبا حينما لمست الأشياء التى ذكرتها، ومن ثم حصل انتقاله إليها، فالواجب عليك غسل الأشياء التى انتقل إليها، لأن المذى نجس يجب غسله إذا طرأ على محل طاهر.

وهنا نجد اكتمال الحمق والجنون فى هذه الإجابة فالمفتى أخبر الرجل أن عليه أن يغسل كل شىء لمسه مثلما ذكر السائل من باب وسيارة ومفتاح وثوب, رغم أن المذى هذا جزء تابع للمنى وإفراز نابع منه ولكن الحمقى فى كتب دين الفقهاء حكموا أن المذى نجس, فهل يقول عاقل أن يغسل رجل كل ما لمسته يداه من أدوات وأثاث وماذا لو لم يتوقف الحد عند الباب والسيارة والمفاتيح, وهل يمكن تصور التدمير الذى تحدثه تلك السفاهات على العقل المسلم لينشغل بذاته وبدنه فى وسوسات لا نهاية لها، وهل المطلوب من هذا العقل بعدها أن يفكر ويبدع ويطور ويخترع، وهو مطالب أن يغسل بيته ومكتبه وسيارته وأوراقه، لمجرد أن يداه لامست ما أفهمه الفقهاء أنه نجاسة, فهل يمكن أن ينكر علينا أحد بعد ذلك قولنا إن إسلام الفقهاء سبب فى تخلف المسلمين؟
الفتوى الثالثة:
«السؤال: هل الفراش بعد الجماع يعتبر نجساً لأنه قد تصل إليه بعض الإفرازات كالمذى وهو نجس وإن كان كذلك هل يجب غسله فى كل مرة؟ وهل تنتقل النجاسة من الفراش إلى ملابس الشخص الطاهرة أثناء النوم عليه لأنه قد يعرق فى كثير من الأحيان وتصبح ملابسه رطبة؟ أثناء فترة المداعبة دائما ما تتنجس اليد بالإفرازات وتكون اليد فيها لزوجة بسبب الإفرازات، أو العرق فهل لمس الأشياء باليد ينجس هذه الأشياء كمقبض الباب مثلا هل يجب غسل هذه الأشياء.

الإجابة: أما لو تحقق وصول المذى إلى الفراش، فإن ما أصابه ينتجس ويجب غسله حينئذ إن كان يراد للصلاة, وإذا عرق الإنسان وابتلت ثيابه من العرق، فإن لامست عين المذى المحقق الذى على الفراش فإنها تتنجس، واليد إذا تنجست فعلاً من نحو مذى، فإن ما تلاقيه وهى مبلولة يتنجس، وإن كان الذى أصابها إنما هو منى أو إفرازات مهبل، فإنها لا تتنجس بذلك.

وهنا نجد ذات الجنون يتكرر فالرجل يسأل عن المذى قبل المعاشرة الزوجية، فيجيبه المفتى حسب دين الفقهاء أن عليه أن يغسل فراشه بالماء بعد المعاشرة الزوجية ثم لو نام عليه وتعرق ولامس العرق المذى فعليه أن يغسل ثيابه، ويغتسل ثم بعد المعاشرة الزوجية فإن يده لو لامست الباب أو الهاتف مثلا وبها هذا المذى فعليه غسل الباب والهاتف, وعلى هذا فإن الرجل مطالب إذا كان يريد الطهارة بأن يذهل ذهنه فى التركيز أثناء العلاقة الزوجية فى التفرقة بين المنى والمذى ،ثم عليه بعد الانتهاء من اللقاء أن يغسل المضجع كله ثم ملابسه كلها، ثم يغسل نصف البيت لكى يكون طاهرا بعدها, فإن لم تكن هذه الأفعال جنونا إذن فليس فى الدنيا جنون.

وهكذا لا تمثل هذه الفتاوى إلا نقطة فى بحر من آلاف مثلها, ولا يمثل السائلون إلا رقما من ملايين المسلمين الذين دخلوا فى أتون تلك الأمراض النفسية الوسواسية، ولم يخرجوا مرة أخرى, فهذه أمثلة حية ومعاصرة على ما خلفه الفقه البائس القديم الذى ما زال المسلمون يتجرعونه علقما يمرر حياتهم, رغم أن دينهم الحق وشريعتهم الأصل لم تأمر بذلك ولا نصفه ولا عشره, ولم ينقل إلينا أحد أن النبى - معاذ الله- أو الصحابة كانوا يغسلون بيوتهم ويغسلون طرقات المدينة طلبا للطهارة, حيث كان اليسر النبوى ما زال بين ظهرانيهم, ولكن الصبغة اليهودية المتعنتة والمتشددة إنما بدأت مع عصور الفقهاء الذين انشقوا على القواعد الذهبية فى التيسيير القرآنى والنبوى, فاختلقوا دينا فقهيا موازيا ومواريا خلفه دين الشريعة, لذا سنخصص فى المقالات القادمة تعقبا على تفصيل هذه الأحكام الخاصة بالطهارة لنكشف الغثاء الذى من خلاله انتزعت هذه الإجابات الخرقاء السابقة.

حيث لا ريب أن هدف دين الشريعة لم يكن يوما أن ينشغل العقل المسلم بذاته وينغلق ويتمحور حول نفسه ليل نهار, ولم يكن يوما هدفه الأكبر التفرقة بين المذى والمنى وأنواعهما كما يُرغى ويُزبد الفقهاء فى كتبهم, ولم يكن يوما هدفه إعنات وإهلاك المسلم بدنا وعقلا بذريعة أن طريق الجنة مفروشة بالأشواك, بل كان الدين قرآنا وسنة يهدف فى كل حين لإعلاء القيم الكبرى وهداية النفس الإنسانية ومحاولة السعى لإقامة مجتمع فاضل, فكفانا أربعة عشر قرنا من التخلف بفضل إسلام الفقهاء حتى بات المسلمون خارج الزمن والتاريخ, كفانا خجلا يفطر القلوب من هذا الفقه الذى يطالب المسلم بغسل البيوت والمكاتب والطرقات سعيا للطهارة, فى حين تتضافر جهود الأمم الحرة المتقدمة لإتمام تطويرات المحطة الفضائية الدولية لتكون فتحا جديدا للإنسانية, كفانا من هذه الأحكام المسماة خطأ أحكام الطهارة رغم أن أكثر ما فيها هو عين النجس الذى وجب على العقل المسلم أن يتطهر منه.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة