إسلام بحيرى

إذا كان قد حدث.. فما حال المسلمين ونحن نجد نساء مسلمات يتقلبن عاريات فى مضاجع الدجالين؟

هل كان رسول الله (ص) رجلاً مسحوراً

الخميس، 23 أبريل 2009 10:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄لا وجود حقيقيا فى العهد النبوى لشخص من «بنى رزيق» يدعى لبيد بن الأعصم الذى قيل إنه وضع السحر فى بئر «ذروان»
◄ الحوار «المقترض» بين النبى وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حول الواقعة فيه تناقض واضطراب
◄نحن أمام واقعة غير ثابتة عن النبى بالكلية.. ونُسبت لشخص مجهول الأثر والديانة كما أنها رويت بعلل قادحة كثيرة فى النص أهمها مخالفته القرآن الكريم ومفهوم العصمة

يقول الفقيه الحنفى «أبوبكر الجصاص» عن حديث سحر الرسول الذى أخرجه البخارى ومسلم: «ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام» أحكام القرآن (1/49), فى حين نجد «ابن حجر» فى دفاعه المألوف عن ذات الحديث فى البخارى يقول: «وإنما يكون من جنس الخاطر، يخطر ولا يثبت، فلا يبقى على هذا للملحد حجة» فتح البارى (10/264).

وهكذا وصف «الجصاص» واضعى الحديث بالملحدين, ووصف «ابن حجر» منكرى ذات الحديث بالملحدين أيضا, وذلك التنابز إنما هو بالأساس صراع حول إخراج البخارى ثم مسلم للحديث وليس على أصل الحديث, فقد كان من المفترض تمييز الأحاديث الضعيفة عند كل المحدِّثين على سواء، إما ببيان علل السند، أو بالاستيثاق من سلامة المتن النص -, وكان من البدهى أن يغنى فساد أحدهما عن الآخر, فلو كان النص فى ذاته فاسدا، لما تطلب ذلك أن ننظر فى الإسناد, ولو كان الإسناد معلولا لما استوجب قبول النص من أصله, ولكن الذى فعله أغلب المحدثين هو استثناء البخارى ومسلم من ذلك, فأعملوا قاعدة، وأغفلوا الأخرى فأصبحت سلامة السند عندهما هى السبيل لمعرفة سلامة النص, ولم يصبح شذوذ ومخالفة النص سبيلا لرفض السند, ومن هنا تكرست البلية وعظمت البلوى.

وحديث سحر الرسول، أحد الأحاديث التى مثلت أزمة متوارثة بين العقلاء وبين المقدِّسين, لذا سوف نقرأ متن الحديث بعناية ثم ننظر لسنده, مع الاعتبار أننا سنتماشى مع المفهوم السائد والمتوارث عن معنى السحر لنرى الدليل على بطلانه فى مقام النبوة, ثم سنفرد مقالا منفردا يختص بالمقصود القرآنى لمعنى السحر.

نص الحديث عند البخارى: «عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ سُحِرَ حَتى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتى النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً قَالَ وَفِيمَ قَالَ فى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ قَالَ وَأَيْنَ قَالَ فى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فى بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَتْ فَأَتَى النَّبىُّ البِئْرَ حَتى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ هَذِهِ البِئْرُ الَّتى أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلا أَيْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانى وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرَّاً».

وقد أخرجه البخارى فى سبعة مواضع من كتابه - كما سنبين لاحقاً - نستطيع أن نخرج من مجموعها بعدة نتائج مفترضة:
أن النبى سحر وأن السحر أثر فى عقله.
أن الذى قام بذلك رجل من «بنى زريق» يقال له «لبيد بن الأعصم».
أن هذا «اللبيد» وضع السحر فى بئر تسمى «ذروان».
أن هذه البئر دفنت وردمت بعد اكتشاف النبى للأمر.
أن النبى جاءه اثنان من الملائكة ليخبراه بسبب علته وسبيل دوائه.

علل النص فى ذاته:
أولاً: لن نتوقف هنا على معنى السحر الذى أثر فى عقل الرسول حيث سنفرد له بعد هذه النقاط.
ثانياً: من هو الشخص الذى بزعمهم - قام بعمل السحر للنبى؟
فإذا نظرنا فى روايات البخارى السبع لوجدنا اضطراباً كبيراً فى معرفة كنه هذا الشخص, ففى روايته الأولى «كتاب الجزية» لم نجد له ذكراً, ثم فى الثانية «كتاب بدء الخلق» نجد ذكر اسمه فقط, ثم فى الروايات الثلاث التى أخرجها فى «كتاب الطب» نجد ذكره فى الأولى يأتى من قول أم المؤمنين عائشة: «رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ يُقالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ», ثم فى الثانية نجده مدرجا من قول الراوى: «لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً», ثم فى الثالثة نجده مرة أخرى من قول أحد الملكيْن بتعريف آخر: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِىُّ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ», ثم فى الروايتين الأخيرتين فى «كتاب الأدب» جاء من قول أم المؤمنين: «وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ», ثم فى «كتاب الدعوات» نجد ذكره من قول الملكيْن: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، أما الرواية التى أخرجها مسلم بسندين فنجد ذكره من قول أم المؤمنين بتعريف جديد: «سَحَرَ رَسُولَ اللهِ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، وباستعراض الروايات التى ذُكر فيها «لبيد بن الأعصم» عند البخارى ومسلم نجد أنفسنا أمام مأساة متكاملة توضح مدى اضطراب النص بشدة فى تحديد هوية هذا الشخص الذى من المفترض قيامه بعمل جلل ضد مقام النبوة, فعند البخارى هو تارة: «رجل منافق من بنى زريق وكان حليفاً لليهود», وتارة يكون يهوديا: «لبيد اليهودى من بنى زريق», ثم نجده فى رواية «مسلم» من قول أم المؤمنين مؤكدة أنه: «يهودى من يهود بنى زريق», وهذا المعنى عند «مسلم» يؤكد أن هناك الكثير من اليهود غيره من بنى زريق, أى من مجموع يهود بنى زريق.

إذن وبجمع روايات البخارى ومسلم، نجد أننا لسنا فقط أمام نص مضطرب, بل نحن أمام كارثة نصية, فالطفل الصغير يعلم أن يهود المدينة كانت ثلاث قبائل فقط «بنو النضير», «بنو قريظة», «بنو قينقاع», إذن فبالقطع والجزم لا وجود بأى شكل ليهود من بنى زريق, لأن اليهود ببساطة هم «بنو إسرائيل» ونسلهم فى الثلاث قبائل المذكورة نسلا مُنسَّباً - بالنسب الثابت-, لذا فإن الزعم إن «بنى زريق» وهم عرب عاربة قحطانية وبطن من أكابر بطون الخزرج أنصار النبى كان منهم يهودا هو زعم فاحش الخطأ, فالروايات تزعم أن الملائكة أقرت بأنه «اليهودى» وأن أم المؤمنين وهى العالمة بقبائل الأنصار تقول: «يهودى من يهود بنى زريق», وكأنهم كثر، ولم يكن فى بنى زريق يوما يهودى واحد, وقد حاول «ابن حجر» الخروج من هذا المأزق الكبير فقال: «ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودى نظر إلى ما فى نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره» فتح البارى (10/263), وهذه محاولة غير مقبولة فمتى قيل لمنافق حليف لليهود أنه منهم وينسب لدينهم, فذلك لا يستقيم لغة ولا شرعاً لأن الرواية عند البخارى تقول بالتعريف «اليهودى من بنى زريق» وذلك ما لا يمكن معه القول إنه منافق ولا حليف لهم, بل هذا تعريف فصيح لديانته الثابتة, ولو ترخصنا وصدقنا ذلك فما حال رواية مسلم التى جاء فيها النص أكثر دقة فقال: «يهودى من يهود بنى زريق» وهذا يدل على أن اليهود فى بنى زريق كثيرو العدد, فلو كان ما أراد «ابن حجر» صحيحاً من أنه وصِف بذلك لنفاقه, فلماذا وصف قومه باليهود, ولا يشك عاقل أن «بنى زريق» من كبار أنصار النبى, إذن المشكلة مستعصية الحل ولم يستطع «ابن حجر» الخروج من المأزق فتركه هكذا عالقا مخافة أن يرد الحديث, وحتى لو أغفلنا الدليل الصريح من النص واعتبرناه منافقاً - وهو خطأ - فأين اسمه فى الروايات التى حددت المنافقين الظاهرين، لأنه لم يعد بعدها من الذين يبطنون النفاق, وكل هذه علل كبيرة تهدم النص وتبين ركاكة صنعه.

ثالثاً: لو أغفلنا كل ذلك ونظرنا فى نسب «لبيد ابن الأعصم» إلى بنى زريق, فأين ذكره من «بنى زريق» فى كتب التاريخ والأنساب إبان العهد النبوى, فكل المراجع التى ذكرت المفصل من حياة النبى فى المدينة لم تذكر ولو طرفا من بيت أو نسب فى «بنى زريق» يقال له «الأعصم» فنجد فى «نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب» لأحمد بن على القلقشندى وغيره, تفصيلا لكل بطون بنى زريق فى المدينة دون ذكر لاسم «الأعصم» أو ابنه «لبيد» ولا ذكر لإخوة ولا آباء ولا أبناء, إذن فنحن أمام رجل مجهول الديانة ومجهول النسب, وهو ما يوجهنا لنتيجة، تكاد تكون حتمية, أننا أمام شخصية مختلقة, فلا وجود حقيقى فى العهد النبوى لشخص من «بنى زريق» ولا غيرهم يدعى «لبيد بن الأعصم».

رابعاً: تصرح الرواية فى آخرها أن النبى أمر بدفن وردم البئر, وهنا يجب النظر لعدة حقائق, فالبئر المعروفة باسم «ذروان» هى بئر تخص بنى زريق, ومعروف للعاقل كم هى ندرة وشح موارد المياه إبان العهد النبوى فى المدينة, وقد كان ردم بئر يعد مصيبة كبرى فى ذاك الوقت, فكيف تم ردم مورد يعتاش ويقتات عليه «بنو زريق»، وهم حلفاء النبى ولم يسأل القوم عن سبب ذلك، لأن المفترض فى الرواية أن النبى لم يرد إخبار الناس بالواقعة, وكيف لم تأت رواية واحدة عن آحاد الناس فى المدينة، كتوثيق للحدث أن النبى قد أمر بدفن بئر «ذروان»، حتى ولو كانوا لا يعلمون السبب, ما يؤكد أن البئر - وهى موجودة إلى يومنا فى المدينة كأثر مطموس - لم تدفن فى عهد النبى، ولكن الشواهد تدل على دفنها فى عصر لاحق ولعله فى وقعة «الحرة» التى أكدت الأخبار أنه قد ردم فيها الكثير من الآبار فى المدينة، وهو ما يؤكد أيضا أننا أمام واقعة غير ثابتة عن النبى.

خامساً: يتناقض ويضطرب النص بشدة فى الحوار الذى من المفترض أنه دار بين النبى وبين أم المؤمنين عائشة حول استخراج السحر, ففى روايات البخارى السبعة، نجد العجب, فقد ذكر هذا الحوار فى ستة مواضع, ففى رواية «بدء الخلق» ذكر أن أم المؤمنين سألت النبى استخراج السحر فرفض النبى بقوله: «لا أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانى اللهُ», ثم فى روايات «كتاب الطب», نجد فى الثالثة أن النبى رفض الاستخراج, ولكن الرواية الرابعة جاءت بنص صريح يخالف كل ما سبق، فصرحت بالاستخراج: «فَأَتَى النَّبيُّ البِئْرَ حَتى اسْتَخْرَجَهُ.. قَالَ فَاسْتُخْرِجَ», إذن نحن أمام نص يؤكد أن النبى استخرج السحر ولم يرفض, ما دفع البخارى لتسمية عنوان الباب فى صيغة سؤال فسماه «هل يستخرج السحر», أما الرواية الخامسة نجد النبى يعاود الرفض لاستخراج السحر, وفى الرواية السادسة فى «كتاب الأدب»، نجدها تصرح بالاستخراج: «فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ فَأُخْرِجَ», وفى الرواية السابعة نجد أن الرسول يعاود رفض إخراج السحر.

وهنا يتجسد من جديد الاضطراب الظاهر فى النص, فالسؤال بسيط, هل رفض النبى إخراج السحر أم أمر بإخراجه؟ ونحن أمام روايات متناقضة عن ذات الواقعة وذات الحوار, لأنه لا يمكن الجمع بين الشىء وعكسه، كما تنص القواعد المنطقية, وقد حاول أيضاً «ابن حجر» الخروج من هذا المأزق: «وقال ابن بطال.. والنظر يقتضى ترجيح رواية سفيان لتقدمه فى الضبط» الفتح (10/273), وهذا يعنى أنه يقبل ضمنا ضعف ألفاظ باقى الروايات التى أخرجها البخارى، ثم ذكر بعدها «ابن حجر»: «إن الاستخراج المنفى فى رواية أبى أسامة غير الاستخراج المثبت فى رواية سفيان، فالمثبت هو استخراج الجف والمنفى استخراج ما حواه» الفتح (10/273), وهذا كلام يخرج عن نطاق اللغة والفهم السديدين, لأن سؤال أم المؤمنين كان عن استخراج واحد لشىء واحد وهو السحر، والنفى من النبى كان إجابة لذات السؤال بلا ريب, وأمر الإخراج كان بضمير الغائب موجه للسحر, فما الضابط اللغوى الذى يجعلنا نقول إن استخراج الجف هو غير استخراج السحر، رغم تصريح النبى فى رواية عدم الاستخراج برفضه استخراج السحر, مما يبين أن شارحى البخارى لم يستطيعوا أن يهتدوا لحل فى ذلك الاضطراب العضال الذى أصاب النص.

مخالفة النص لصريح القرآن:
وهى العلة الأساس التى تؤدى بالعقلاء أن يردوا النص بلا منازع, فقد صرحت الروايات- المردودة - باختلاف ألفاظها بتأثير السحر على عقل رسول الله فقد جاء: «سُحِرَ النَّبىُّ حَتى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ», وأيضاً: «سُحِرَ حَتى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتى النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ».

وذلك المفهوم من صريح النص، إنما هو بمثل ما قاله الكفار والمشركون على سيد الأنبياء والمرسلين نيلا من شأنه, وقد وصف القرآن قائلى هذا القول على النبي: «إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا» الإسراء (47/48), فهذا قول الحكيم العليم يصف من قالوا إن النبى مسحور بأنهم ظالمون وضالون, فكيف الالتفاف حول صريح كلامه سبحانه فى كتابه, وكيف جاز لمن أضله الله على علم، أن يقول ذلك على سيد الأنبياء، مقلدا فى ذلك لما اتهمه به الكافرون, أما الآية الثانية وهى المهيمنة على كل سمت النبوة بالعموم, وهى آية العصمة: «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» المائدة (67), وهذه العصمة إنما هى جاءت فى سياق تبليغ الرسالة ومقام النبوة, والعصمة هنا متعدية، لأن تصديق القول الزائف بسحر النبى إنما هو طعن صريح فى أصل القرآن بلا شك، حيث مكث حسب الروايات الكاذبة ستة أشهر على ذات الحال, فكيف استجاز التراثيون لأنفسهم أن يقبلوا رواية السحر, ولا يردوها بداهة لمخالفة وتضاد نصها للصريح الثابت فى القرآن عن النبوة والتبليغ والعصمة, ولو نظرنا فى ذلك لقول «ابن حجر»، وهو يجمع كل الأقوال ليدافع بها عن النص, ولأن الكلام أطول من أن ينقل فسنختصره فى نقاط, فينقل «ابن حجر» أنه لا يمكن أن يؤثر ذلك على عقله الذى يبلغ الرسالة, ثم قال إنه يجوز أن يمرض النبى بأمراض الدنيا، وأن تسلط السحر إنما مثل المرض, ثم قال إن التخييل المقصود، كالذى يحدث للرجل فى المنام من تخيله للمعاشرة, ثم قال إن ذلك مما يثبت أن السحر لم يتسلط على تمييزه ومعتقده بل على جسده وجوارحه, وأن بعضهم قال إنما المعنى أنه لم يجد النشاط المعهود عند إتيان نسائه، فكأن السحر كان لمنعه من الإتيان والمعاشرة» (الفتح 10/264-265).

والحقيقة أن كل ذلك الالتفاف باطل لا يصح منه شىء, فصريح الرواية لا يدل على كلمة مما نقله «ابن حجر», فكيف لا يؤثر السحر على عقله فى التبليغ، إن كان أثر على عقله فى حياته، وهل يعقل أن النبى يمتلك عقلين أحدهما للدنيا والآخر للدين, وأما من ساوى بين السحر وبين تعرض النبى للمرض فقد أخطأ عن عمد، لأن المرض ليس فيه تسلط من إنس ولا جن، وليس من إيذاء البشر, وأما من قال إنه مثل الذى يراه الرجل فى منامه، فهذا كلام لا يصدر من عاقل، فلو كان كذلك فلماذا اشتكى النبى من ذلك, وأما من قال إنه لم يؤثر على عقله، فأين ذلك فى الرواية وهى تصرح بتأثر النبى بالسحر بزعمهم -, وأما الذين قالوا إنه أثر على جسد النبى، فأين ذلك فى الروايات التى تزعم أن الأذى إنما كان فى عقله الشريف، حيث يتخيل الشىء يفعله ولم يفعله, فهل يقول عاقل إن التخيل كان بالجسد, وحتى لو أصابتنا الغفلة وقلنا بذلك فهو أيضا قول ينال من مقام النبوة، فلو أثر السحر حتى على جسده رغم مخالفة ذلك لنص الروايات - لكان ذلك أيضا نيلا من مقام النبوة وتصديقا لقول الكافرين, وأما من قال إنما هو منع من المعاشرة، فأين نجد ذلك فى الرواية من لغة أو عقل، هل منع المعاشرة يسمى فى اللغة تخيلا، فالرواية تقول إنه يتخيل إتيان زوجاته ولم يأتهن, وجملة «لم يأتهن» هذه عائدة على التخيل, لأن الأذى فى تخيل واعتقاد أنه أتاهم وليس الأذى فى أنه لم يأتهن.

سند الحديث:
أخرج البخارى الحديث فى سبعة مواضع بستة أسانيدن كلها ترجع لراو واحد وهو «هشام بن عروة»ن إذن فالحديث فى نهاية أمره حديث آحاد لا يفيد يقينا فى الأمور الاعتقادية, ويُرد ويُترك إن خالف الثابت من القرآن الكريم, كما أن هشام بن عروة لما روى الحديث، رواه بعد أن اختلط ودلس, كما أقر رجال الجرح والتعديل, فقد كان صدوقاً فى المدينة فلما ذهب للعراق بدأ يدلس ويروى عن أبيه ما لم يسمعه منه بالعنعنة أى بقوله «عن أبى», ولم يصرح بالسماع بمعنى قوله «حدثنى أبى», ومعلوم أن المدلس لا تقبل روايته إلا إذا صرح بالسماع وقال «حدثنى», وقد نقم على هشام رواياته فى العراق الإمام مالك: «كان مالك لا يرضاه، فقد حكى عن مالك أشد من هذا» هدى السارى (471), وقد ورد عن مالك فى «تاريخ بغداد» قوله عن روايات هشام بالعراق، أنه كذب فيها (1/223) والقصد هو التدليس, وحديث السحر عن «هشام بن عروة», رواه فى كبره للعراقيين, والدليل على ذلك أننا لا نجد ذكرا لتلك الواقعة فى كتاب «الموطأ» للإمام مالك، وهو الذى صاحب «هشام بن عروة» قبل التدليس عمراً طويلاً فى المدينة، فلو كان هشام رواه بالمدينة مسنداً لأخرجه «مالك» فى كتابه.

أسانيد البخارى ومسلم:
جاءت كل أسانيد البخارى الستة عن عراقيين، إلا فى سند واحد عن مدنى: فالأول (3175) جاء عن «يحيى بن القطان» وهو بصرى عراقى, والثانى (3268) والثالث (5763) جاءا عن «عيسى بن يونس», وهو كوفي, والرابع (5765) جاء عن «سفيان بن عيينة» وهو كوفى, والخامس (5766) جاء عن «حماد بن أسامة» وهو كوفى, والسادس (6063) جاء عن «سفيان بن عيينة» وهو كوفى, والسابع (6391) هو السند الوحيد الذى جاء عن «أنس بن عياض» وهو الراوى المدنى الوحيد للحديث، وذلك لا يغير شيئا فيه فقد «عنعن» ولم يصرح بالسماع, ما يؤكد أنه سمعه منه بعد الاختلاط والتدليس, ولم يسمعه فى رواياته المسندة أو حتى المرسلة التى أخرجها «مالك» لهشام قبل التدليس, وإلا كان هشام قد صرح فيه بالسماع.

وقد جاءت كل الروايات بالعنعنة إلا رواية «يحيى بن القطان» والظاهر أن الخلط فيها جاء عن شيخ البخارى «محمد بن المثنى» فقد قال فيه النسائى: «لا بأس به، كان يغير فى كتابه» لأن التعويل على الرواية الأصل عند البخارى على «ابن عيينة» وقد جاءت بالعنعنة فى الروايتين وليست بالسماع.

أما إسناد مسلم (2189) فمداره على اثنين من رواة الكوفة هما «عبدالله بن نمير» و«حماد بن أسامة» وجاءت أيضا بالعنعنة عن «هشام».وليس معنى ذلك تضعيف كل روايات هشام بن عروة فى العراق، ولكن القصد هو رد وتضعيف ما قام الدليل من صريح القرآن والسنة الصحيحة على خلافه.

إذن نحن أمام واقعة غير ثابتة عن النبى بالكلية, نُسبت لشخص مجهول الأثر والديانة, ورويت بعلل قادحة كثيرة فى النص، أهمها مخالفته القرآن الكريم ومفهوم العصمة, والرواية المتصلة، السند فيها عند البخارى ومسلم هى آحاد، ولم يخل سندها من العلل التى بيناها من تدليس الراوى, أفلا يدفع كل ذلك عقلا ونقلا، أن نرد هذه الرواية المكذوبة, ونعود لنؤكد كما بينا بتوسع فى مقالنا «البخارى ومسلم بشر يصيب ويخطئ» أن رد روايات أخرجها البخارى ومسلم لا يعد طعنا فى كل ما أخرجاه بل هو رد ما ثبت الدليل بخلافه, وقلنا ودللنا أن رد روايات من كتابيهما، إنما هو أمر فعله كثير من السلف والمعاصرين بلا غضاضة وأن ذلك لم يكن هدما للسنة، ولا طعنا فى الدين, فليس فى الإسلام أنصاف آلهة ولا سدنة مقدسين ولكن الإسلام فيه بشر، يجتهدون فيصيبون أحيانا، ويجتهدون فيخطئون أحايين أخرى، كما أخبرنا النبى, والمؤسف أن المعنى فى تلك الرواية المردودة يتخطى مفهوم العصمة والتبليغ ليساعد على تأصيل فكر الخرافة والدجل عند المسلم, فإذا كان السحر أثر على النبى فما حال المسلم من آحاد الناس إذن, وها نحن نجد رجال المسلمين يضربون حتى الموت بدعوى علاجهم من السحر, وها نحن نجد نساء المسلمات يتقلبن عاريات فى مضاجع الدجالين، بدعوى معالجة سحر العقم, وها نحن بفضل ثقافة الدجل فى طليعة الأمم المتخلفة, وكما قلنا سابقا, يا أسفى، فقد أصبحت الخرافة جزءا من الدين، وباتت العقلانية خروجا عليه.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة