نبيل عمر

حتى لا نعود إلى الوراء!

السبت، 17 ديسمبر 2011 04:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ثمة تصور ساذج بأن انتخاب برلمان جديد ورئيس جديد وتنقية دستور 1971 من مواد فاسدة منحت رئيس الدولة سلطات واسعة، شبهة مطلقة، يعنى أن النظام القديم قد سقط وانتهى أمره إلى الأبد، وأن نظاما بديلا قد حل محله.

هذه خدعة، لو تجرعناها ونحن نبتسم ونرقص أمام صناديق الانتخابات فسوف نصاب بتسمم حاد فى مستقبلنا، تسمم يعود بنا إلى النظام القديم بأسرع مما نتصور، بتفاصيل أخرى ووجوه مختلفة، لا أكثر ولا أقل.

تغيير النظام يعنى نسف كل القواعد والقوانين التى كانت «تنظم» حياة المصريين من أول الحب إلى الحرب، فالنظام باختصار هو أداة لإدارة طاقات البشر وثروات الوطن، ونحن نريد نظاما يرفع من كفاءة هذه الطاقات: تفكيرا وعملا وإبداعا وابتكارا، ويضاعف ناتج هذه الثروات تصنيعا وتوزيعا بعدالة، لتكون مصر محلا للسعادة لكل مواطنيها.

والنظام القديم لم يكن مجرد دستور ينحاز فى سلطاته إلى رئيس الجمهورية أو يغلب السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية، ولم يكن حزبا حاكما فاشيا أو تزويرا لإرادة الشعب فى الانتخابات أو قمعا فى مطاردة معارضيه.. كل هذا صحيح، لكن النظام القديم كان بنية متكاملة من الأفكار والرؤى الحاكمة والثقافة العامة والأدوات التنفيذية، بنية مقامة على قواعد وقوانين منتشرة فى كل أطراف المجتمع وشرايينه وجهازه العصبى والنفسى، ولم تكن مقصورة على رأسه ولا قلبه.. وإذا اكتفينا فقط بالانتخابات العامة والدستور، فكل ما سوف يحدث هو نقل الامتيازات الهائلة من قلة حاكمة سابقة إلى قلة حاكمة جديدة حتى لو زاد عددها قليلا، ومن الحزب الوطنى ورجاله الكبار إلى حزب أو حزبين جديدين ورجالهما الكبار، مع توزيع الهبات والعطايا والمناصب على «أتباع» هؤلاء الحكام الجدد والمنافقين لهم.
والمصيبة أن إعادة إنتاج النظام القديم تجرى الآن على قدم وساق باسم إرادة الشعب الطيب، وبشعارات عن العدالة التى يحصرها البعض فى زيادة الدعم وتلبية المطالب الفئوية وتحسين خدمات الصحة والتعليم، ولا يراها تخلصا من الفقر والامتيازات.

صحيح أن إرادة الشعب هى الفيصل فى الاختيار، وهى السطة الأعلى فى البلاد، وهى القانون الأصلى الذى يجب أن يحترم وننصاع له، لكن هى إرادة مرهونة بـ«ظروف» فى غاية التعقيد والتشابك، وتحت ضغط مؤثرات عنيفة ومغرية فى الوقت نفسه، وفى بيئة ينشب الارتباك والاضطراب والمخاوف أظافرها فى رقبة الناس وفى أعصابها، وهى تشبه الظروف والضغوط التى أوصلت «الزعيم النازى هتلر» إلى سدة الحكم فقاد ألمانيا إلى الدمار والخراب، وكذلك تلك التى دفعت برئيس متواضع القدرات والملكات هو جورج بوش الابن إلى زعامة أكبر دولة فى العالم، فورطها فى حروب وتوسعات ضربت اقتصادها فى مقتل وأوقعها فى مشكلات كثيرة لم يجدوا لها حلا بعد.

باختصار.. إن الشعوب فى ظروف خاصة - حتى لو كانت متقدمة - يمكن أن تخدع وتختار ما قد يصيبها بأضرار بالغة.. وهذا حدث فعلا وليس مجرد دعاية سوداء.

لكن فى كل الأحوال لا بديل عن احترام إرادة الناخبين، إذ لا تملك المجتمعات غير «صندوق الانتخابات» فاصلا فى الاختيارات.

لكن مصر فى تلك اللحظات الصعبة الفارقة هى فى حاجة إلى «ضمير» عام، ضمير وطنى يعمل على «التوافق والمشاركة»، وليس المغالبة والتفوق، على الحوار والتفاهم والتواصل، وليس التفرد والانفراد والوصايا، خاصة أنه لا فصيل سياسى حتى الآن قدم لنا تصورا عن كيفية حل مشكلات المصريين المستعصية، فالتخلف فى مصر يكاد يكون ساحقا ماحقا: فى التعليم والصحة والبيئة والصناعة والزراعة والسكن، فالعشوائية ضاربة فى كل شىء تقريبا، وكل الأحزاب والأطياف منشغلون بالحديث والشجار عن النقاب والمايوه والشواطئ والخمور وشرعية التعامل فى البورصة والمجلس الاستشارى وفتح ميدان التحرير والمطالب الفئوية والتكالب على السلطة والمكاسب السريعة.

لكن أين مصر الوطن من كل هذا؟!
لا شىء.. فهل يمكن أن نصنع «وثيقة شرف» نلتزم بها جميعا ونوقف هذه الحروب الفارغة والمعارك الوهمية ونشارك جميعا فى بناء وطننا بالرغم من اختلافات الرؤى والأفكار والتوجهات كما حدث فى الولايات المتحدة بعد الثورة الأمريكية، وفى اليابان ودول شرق آسيا والبرازيل؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 5

عدد الردود 0

بواسطة:

fpf lwv

فلتقل خيرا او تصمت

كلامكم الكتير دة هو الي وصل البلد لهذة الدرجة

عدد الردود 0

بواسطة:

ibrahimhamdy

فلتصمت ولا تقل خيرا ولا شرا

عدد الردود 0

بواسطة:

thetruth

الحقيقه

عدد الردود 0

بواسطة:

دينا قنديل

صوت العقل

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmad abdelaziz

الاخوان والسلفيون

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة