معركة فقهية بسبب الدعاء لـ"مينا جورج" على أبواب الكعبة.. "الإفتاء": محمود شرعا.. والسلفيون يعتمدون على تفسيرات للنووى وابن كثير لتحريمها.. وداعية سلفى: لا يجوز الاستغفار لغير المسلم بالإجماع

السبت، 10 سبتمبر 2016 02:09 م
معركة فقهية بسبب الدعاء لـ"مينا جورج" على أبواب الكعبة.. "الإفتاء": محمود شرعا.. والسلفيون يعتمدون على تفسيرات للنووى وابن كثير لتحريمها.. وداعية سلفى: لا يجوز الاستغفار لغير المسلم بالإجماع الدعاء لمينا جورج داخل الحرم يثير جدلا فقهيا
كتب لؤى على – أحمد عرفة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع كل موسم حج، تندلع المعركة الدائمة حول جواز الدعاء لغير المسلم فى الكعبة المشرفة، بين جواز فعل ذلك، وهو الرأى الذى يتبناه الأزهر الشريف، وبين الرأى الآخر الذى يرفض الجواز، ويفتى بعدم جواز ذلك، وعلى رأسهم السلفيين، وبعضهم يضع شروطا حول الدعاء لغير المسلم فى الكعبة المشرفة، بينما يرى إسلاميون آخرون أن الدعاء لغير المسلم هو مقصد ينسجم ويتوافق مع مقاصد أخرى فرعية متعلقة بتحقيق الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى.

 

إعادة الحديث حول هذه المعركة بالتحديد خلال تلك الآونة، جاء بعدما تداول عدد من مستخدمى موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، صورة لشخص يحمل ورقة أمام الكعبة، وكتب فيها "مينا جورج ربنا يكرمك ويصلح حالك ويرزقك بالزواج الصالح".

 

تلك الصورة المنشورة على موقع "فيس بوك"، أحدثت ردود فعل متباينة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة أن الورقة بها دعاء من مسلم بأطهر بقاع الأرض إلى شخص يبدو من اسمه أنه يدين بالمسيحية.

 

دار الافتاء تجيز الدعاء لغير المسلم فى الكعبة المشرفة

 

دار الافتاء تذهب إلى جواز هذا الأمر، وأن الدعاء للمسلم وغير المسلم هو أمر جائز فى الشريعة الإسلامية، حيث يقول الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، الذى علق على تلك الصورة فى تصريحات لـ"اليوم السابع": "الدعاء للناس جميعا بالخير والهداية للحق والوقاية من الشرور شىء حسن يدعو إليه الإسلام".

 

ويؤكد أمين الفتوى بدار الإفتاء: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم، دعا لقومه وغيرهم ممن لم يؤمن بدينه بالخير والسعادة والهداية، فالدعاء للناس ممن يوافقك فى الدين وممن يخالفك فيه شىء محمود شرعا وعرفا".

 

وقال خالد الجندى، أحد علماء الأزهر الشريف، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، إن دعاء المسلم لغير المسلم من صفات أهل الإيمان والإحسان، وهو نوع من أنواع الدعوة إلى الله، وهو تأليف للقلوب وتنقية للصدور، وارتقاء بالإنسانية، وإزالة للأحقاد، وتوسيع لدائرة المحبّة.

 

ويرى الدكتور فؤاد عبد المنعم، عميد كلية العلوم الإسلامية جامعة الأزهر، أنه أمر مطلوب وهو أن يدعو المسلم لغير المسلم بالهداية فالنبى كان يقول اللهم اهد قومى فأنهم لا يعلمون.

 

وأضاف فى تصريحات لـ"اليوم السابع": "لم يقبل الرسول أن يطبق عليهم جبريل عليه السلام الأخشبين أو الجبلين بعد أن أذوه وأخرجوه للطائف، بل قال كيف تعذبهم وأنا فيهم رحمة للعالمين، عسى الله أن يخرج من ظهورهم من يعبده ويوحده".

 

السلفيون وفتاوى التحريم

 

السلفيون لديهم رأى آخر، فالتيار السلفى لديه عدة فتاوى حول الدعاء لغير المسلم سواء فى الحرم المكى أو غيره، أبرزها ابن عثيمين وغيرها من فتاوى الشيوخ السلفية.

 

ويعتمد بعض شيوخ السلفيين على حديث الإمام النووى حول الدعاء لغير المسلم، الذى يقول فيه الدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع، والصلاة على الكافر لا تجوز، وهو ما ذكره فى "المجموع"، كما قال فى تحفة المحتاج: "ويحرم الدعاء بآخرين لكافر، وكذا من شك فى إسلامه ولو من والديه".

 

ومن ضمن الفتاوى التى يعتمد السلفيون عليها، فتوى الشيخ ابن تيمية، التى قال فيها:"إن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنَّة والإجماع".

 

ولعل فتوى نشرت على عدد من المواقع السلفية، قالت نصا:"إذا طلبت منى امرأة غير مسلمة أن أدعو لها فماذا على أن أفعل؟ وجزاكم الله خيرًا".

 

وكانت الإجابة على السؤال بالقول: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد، فإن كان الدعاء فيما يتعلق بالمغفرة والرحمة والثواب فى الآخرة، ونحو ذلك فهذا غير جائز، قال النووى فى المجموع: وأما الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع. انتهى، أما الدعاء له بالهداية والدخول فى الإسلام فيجوز".

 

وفى أحد المواقع السلفية، وهو "ملتقى أهل الحديث"، جاء رد على طلب فتوى بشأن جواز الدعاء لغير المسلم قائلا: "لا يجوز، فيقول الله تبارك وتعالى فى سورة التوبة: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعده، وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه أن إبراهيم لأواه حليم".

 

ونهى الله تبارك وتعالى نبيه محمد عن الترحم لأمه ففى صحيح مسلم (976) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى).

 

من جانبه أفتى الشيخ محمود لطفى عامر، الداعية السلفى، بأنه لا يجوز الدعاء لغير المسلم فى مكة بصلاح الحال أو بسط الرزق، ولكن يجوز أن يتم الدعاة له بالهداية.

 

وقال لطفى عامر لـ"اليوم السابع": "لا يجوز الاستغفار لغير المسلم ولكن يجوز الدعاء له بأن يهديه الله، ولكن أن ندعى له ببسط الرزق أو غيره من الأدعية فهذا لا يجوز.

 

فتوى سلفية حول شروط الدعاء

من جانبه يقول سامح عبد الحميد، الداعية السلفى، إنه يجوز الدعاء لغير المسلم فى بعضا لحالات مثل الدعاء بأن يشفيه الله وأن يرزقه الزوجة والأولاد، وكذلك الدعاء له بأن يصرف الله عنه المكروه ونحو ذلك.

 

ويضيف لـ"اليوم السابع": "يجوز للمسلم أن يدعو لغير المسلم بأن يهديه الله للحق والصواب والخير، فهذا من الرحمة، والله عز وجل بعث النبى صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ولما دخل النبى صلى الله عليه وسلم على الصبى اليهودى الذى كان يخدمه وهو يجود بنفسه على مشارف الموت حرص على أن يُلقنه الشهادة، فلما نطق بها خرج عليه الصلاة والسلام مستبشرًا يقول: (الحمد لله الذى أنقذه من النار) رواه البخارى.

 

ويستطرد الداعية السلفى قائلا: "لا يجوز الاستغفار لغير المسلم ولا الترحم عليه إجماعًا، حيث لا يجوز الدعاء لغير المسلم بالمغفرة أو الرحمة ونحوهما من ثواب الآخرة".

 

واليهود كانوا يتعاطسون (أى يَدَّعون ويُمثلون العُطاس) عند النبى صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: "يرحمكم الله، فكان يقول لهم: "يهديكم الله ويصلح بالكم" أخرجه أحمد والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح".

 

ويتابع الداعية السلفى قائلا: "وقد نقل النووى الإجماع على ذلك، بل عد القرافى المالكى وابن علان الشافعى أن من الكفر الاستغفار للكافر إذا تيقن موته على شركه".

 

وفى صحيح مسلم: (استأذنتُ ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى)، قال النووى: "وفيه النهى عن الاستغفار للكفار".

 

لماذا يحرم السلفيون للدعاء لغير المسلم؟

من جانبه يشرح هشام النجار، الباحث الإسلامى، أسباب رفض السلفيين لقضية الدعاء لغير المسلمين، حيث يقول فى تصريح لـ"اليوم السابع" إن السلفيين لديهم حساسية حول هذه القضايا ويعتبرونها تنازلا فى الدين وهى ليست كذلك، فأمر اختلاف الدين لا يمنع التعايش بالحسنى والصحبة الطيبة والتعاون مع المختلفين معنا فى المعتقد.

 

ويضيف الباحث الإسلامى، معلقا على جواز الدعاء لغير المسلم قائلا: "الدعاء لغير المسلم توافق صحيح الإسلام وروحه وقيمه ومقاصده، فالإسلام جاء رحمة للعالمين وللناس جميعًا والرحمة تقتضى تحقيق السعادة والرخاء لجميع الناس على اختلاف عقائدهم وأديانهم، فضلًا عن أن هذا السلوك يتوافق مع المقاصد العليا للإسلام من تحقيق سلام المجتمعات وأمنها وتعزيز التعايش والتنوع الدينى والفكرى الذى أراده المولى جل وعلا لحكمة يعلمها".

 

ويشير الباحث الإسلامى إلى أن الدعاء لغير المسلم هو مقصد ينسجم ويتوافق مع مقاصد أخرى فرعية متعلقة بتحقيق الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وتفويت الفرص على النافخين فى نار الفتنة الطائفية لأهداف سياسية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة