عطر الأحباب.."فن الأفيش فى السينما المصرية".. كتاب مدهش يلخص حال مصر فى 216 صفحة..الفنانون اليونانيون هم أول من تصدوا لتصميم ورسم الأفيش فى الإسكندرية

الجمعة، 21 نوفمبر 2014 02:06 م
عطر الأحباب.."فن الأفيش فى السينما المصرية".. كتاب مدهش يلخص حال مصر فى 216 صفحة..الفنانون اليونانيون هم أول من تصدوا لتصميم ورسم الأفيش فى الإسكندرية افيش فيلم مطلوب زوجة فوراً
تحت إشراف : ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن العدد اليومى..

لو كنت مكان وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، لأصدرت قرارًا يقضى بأن توضع من هذا الكتاب الفريد المتميز عدة نسخ فى كل قصر ثقافة فى مصر، ولو كنت مكان وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبدالعزيز، لأمرت بتزويد كل مركز شباب فى مصر كلها بنسخ من هذا الكتاب المدهش الآسر.
أتحدث عن كتاب «فن الأفيش فى السينما المصرية» الذى كتبه وأصدره على نفقته الخاصة الشاب المهووس بالسينما سامح فتحى قبل أسابيع قليلة، وسأشرح لك فى السطور التالية سر إعجابى بهذا الكتاب المتفرد.

البداية البسيطة
منذ عرف المصريون لذة الذهاب إلى دور العرض مع مطلع القرن العشرين، وصناع السينما يتفننون فى اجتذابهم بكل وسيلة ممكنة، ولعل «الأفيش» كان أكثر وأهم الوسائل المتاحة للدعاية عن أى فيلم جديد، ولا غرابة فى أن المنتجين والمخرجين فعلوا ذلك أسوة بما كان يصنعه أهل السينما الأمريكية فى هوليود الذين ابتكروا فكرة الإعلان عن الفيلم فى الشوارع عن طريق الأفيش.

فى مقدمة هذا الكتاب يلاحظ المؤلف بذكاء أن «فن الأفيش فى السينما المصرية، شأنه شأن نظيره فى السينما العالمية، مر بمراحل وتطورات، بل منعطفات مهمة منذ أن ظهر وإلى الآن، فقد ظهر خلال تلك المراحل التأثر التام بالفن السينمائى الذى يدور فن الأفيش فى فلكه.. والمراحل التى انتظمت فن الأفيش أربع مراحل: الأولى مرحلة بداية الأفيش، والثانية مرحلة تطور الأفيش، والثالثة مرحلة ازدهار الأفيش، والرابعة مرحلة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة».

يرصد الناقد الشاب الدروب التى سارت فيها السينما المصرية منذ التأسيس، موضحا أن هذه الصناعة انطلقت فى الإسكندرية عدما استضاف مقهى «زوانى» أول عرض سينمائى فى مصر فى يناير عام 1896، أى بعد شهر واحد فقط من انطلاق أول عرض فى العالم وكان فى ديسمبر من سنة 1895 بباريس، ثم يحدثنا سامح فتحى عن أن الإسكندرية احتضنت أول مطبوعة سينمائية صدرت فى مصر كلها وكان اسمها «معرض السينما» للناقد والمؤرخ السيد حسن جمعة، وذلك عام 1924، وفى القاهرة صدرت مجلة «نشرة أوليمبيا للسينما الفوتوغرافية» عام 1926.

يقول المؤلف فى كتابه: «لعل الفضل فى صناعة الأفيش وفنه يرجع بالأساس إلى الأجانب من الجنسية اليونانية الذين لهم الفضل فى وصول فن الأفيش إلى غاية كبرى، حيث إن هؤلاء قد حملوا تلك الصناعة من بلادهم، وكانت لهم علاقة قوية بفنى التصوير الفوتوغرافى والرسم».

هنا يجب أن نتوقف لحظة لنتحدث عن دور الأجانب فى مصر، لا فى المجال السينمائى فحسب، بل فى كل النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، وهو أمر أسهم بشكل كبير جدًا فى إثراء الحياة المصرية، ولك أن تعرف أن محلات مثل جروبى وتسيباس للحلوى، ومحلات جاتينيو وصيدناوى وشملا وغيرها كثير.. أقول إن كل هذه المحلات أسسها الأجانب الذين وجدوا فى مصر مكانا نموذجيًا للعمل والاستثمار.
المثير أن الأجانب كانوا يتوزعون على مهن عديدة لم نكن نعرفها نحن فى مصر مثل الزنكوغراف، وقد تخصص الأرمن فى هذا المجال، ومثل الطباعة والصحف، وللشوام نصيب معتبر فى ذلك «لا تنس أن اللذين أسسا جريدة الأهرام شقيقان حضرا من بلاد الشام»، كما أن الإيطاليين هبطوا إلى الإسكندرية فى فترة الحرب العالمية الأولى وشيدوا بها استوديوهات ليصوروا فيها الأفلام كما ذكر المخرج الرائد محمد كريم فى مذكراته.

باختصار لا يمكن فهم النهضة المصرية التى انطلقت مع مطلع القرن العشرين حتى نهاية ستينيات القرن الماضى دون الانتباه جيدًا إلى دور الأجانب فى دعم هذه النهضة وتعزيزها، لكن من أهم الأمور التى نتجت عن وجود الأجانب فى مصر أن وجودهم رسخ عند الشعب مفهوم التسامح مع الآخر والتعامل معه بمنطق إنسانى فقط، فلا تعصب ولا تشدد، وكم رأينا من أفلام قديمة يظهر فيها الأجانب بملابسهم ولكناتهم وهم يعيشون آمنين بين المصريين، فلما غادر هؤلاء الأجانب مصر راج الفكر المتعصب وشاعت الآراء الكارهة للناس المغايرين.

نجوم الأفيش
بذل سامح فتحى مجهودًا شديدًا ليتوصل إلى أهم الذين صمموا الأفيش ورسموه، وأظنها المرة الأولى التى يذكر فيها سيرة ذاتية لفنانين طبعت «لوحاتهم بالآلاف» وعرضت فى جميع أنحاء البلاد ليراها المتعلم والجاهل والمثقف والفتاة والعجوز والصبى والطفل، أى كل فئات المجتمع وشرائحه، الأمر الذى يجعلنى أقول بيقين كبير إن الأفيش يمثل أول «لوحة تشكيلية» يتلقاها الإنسان المصرى فى العصر الحديث، بعد أن انقطعت الصلة بينه وبين التمثال واللوحة إثر انهيار الحضارة الفرعونية قبل أكثر من ألفى عام!
يستعرض كتاب «فن الأفيش» أسماء أبرز الرسامين مصحوبة بقبس من سيرهم الذاتية، ويحتفل بشكل خاص بالرواد، فنعرف أن الخواجة اليونانى نيقولا هو أول من أسس ورشة إعلان فى مصر كلها بالإسكندرية، وعلى «يديه تخرجت أجيال من الفنانين والرسامين، حيث أسس فن الأفيش اليدوى، وكانت مساحته صغيرة 90×60 سم، أى فرخ ورق، أو واحد فوليو بلغة اليونانيين، وكانت من مميزات هذا الأفيش الأولى أنه سهل اللصق على أى مساحة جدارية فى العاصمة أو الأقاليم».

مع افتتاح استوديو مصر عام 1935 وانتشار شركات الإنتاج السينمائى بالقاهرة انتقل فن الأفيش إلى العاصمة، كما نلاحظ أن المصريين بدأوا يلتحقون بورش الإعلان التى أسسها اليونانيون ويتعلمون منهم سر الصنعة، ولعل الفنانين راغب وعبدالرحمن هما أول من رسم الأفيش من المصريين، بعد أن أدركا سر هذا الفن على يد اليونانيين، ونجد أن راغب هذا هو من رسم أفيشات أفلام «يحيا الحب/ شاطئ الغرام/ قطار الليل/ سلوا قلبى»، وبالمناسبة كلمة أفيش هى كلمة فرنسية تعنى ملصق بالعربية وبوستر بالإنجليزية.

أما عبدالرحمن فرسم أفيشات أفلام «الجريمة والعقاب/ النمرود/ قلبى يهواك/ الهاربة/ ثمن الحرية/ غصن الزيتون/ الأشقياء الثلاثة»، أما الخواجة ديمترى اليونانى الأصل فكان منفذا لأفيشات عبدالرحمن، بعد أن كان منفذا لأفيشات «فاسيليو» الذى يعد من أفضل فنانى الأفيش من اليونانيين، وفاسيليو هذا هو من رسم أفيشات أفلام «الهوى والشباب/ إسماعيل ياسين فى بيت الأشباح/ موعد مع السعادة».
«حسن جسور.. شيخ طريقة صناعة الأفيش المصرى» هكذا ذكره سامح فتحى فى كتابه الآسر، وقد ولد فى عام 1925 وتخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1948، وتتلمذ على يد الفنان راغب، وهو من أهم الرسامين وأكثرهم غزارة وإنتاجا، ومن أشهر الأفلام التى رسمها جسور «أحمر شفايف/ بيومى أفندى/ أنا الماضى/ المنزل رقم 13/ ليالى الحب/ سمارة/ السفيرة عزيزة/ ثورة اليمن/ وكالة البلح».



يضم الكتاب أيضا أسماء فنانين متميزين فى رسم الأفيش منهم محمد عبدالعزيز ووهيب وأنور ومرتضى وناجى شاكر وسارة، الأمر الذى جعل المخرج الكبير الدكتور سمير سيف يقول بحق فى مقدمة الكتاب بعد الحفاوة بمؤلفه: «ورغم المعلومات العديدة التى يتضمنها الكتاب فإن أبرز ما فيه والذى يشكل عموده الفقرى هو حديثه عن فنانى الأفيش عبر مراحله المختلفة».

دلالات اجتماعية
عند تصفحك هذا الكتاب ستغمرك حالة من الحنين حين تقع عيناك على عشرات الأفيشات التى يضمها، وقد حرص المؤلف على أن تكون الأفيشات كلها بالألوان، والطباعة فاخرة، الأمر الذى جعله ينفق الكثير من ماله الخاص حتى يصدر الكتاب فى أبهى صورة، «أفتح هذا القوس لأوجه استفسارًا إلى وزارة الثقافة منطوقه: لماذا لم تقدم الوزارة على إصدار كتاب كهذا، بدلا من الملايين التى تنفقها على كتب وإصدارات بلا قيمة حقيقية؟.

أهم ما يمكن استخلاصه عند تأمل الأفيشات هو قدرتها على التعبير عن العصر الذى ظهرت فيه، فالكتاب يحتشد بأفيشات منذ عام 1933 حتى سنة 2012، جمعها المؤلف بأمواله الخاصة، وهى مدة زمنية طويلة توضح كيف تبدلت الأحوال فى مصر المحروسة، ففى الفترة من الأربعينيات حتى السبعينيات لم تكن هناك مشكلة فى أن يحتوى الأفيش على صورة نجمة نصف عارية، أو مشهد يصور قبلة حارة بين البطل والبطلة، إذ كان الجمهور العام يتعامل مع هذه الرسوم باعتبارها رسومًا، لا مشكلة فيها، وبعد انتشار الفكر المتعصب والآراء المخاصمة للفن خشى المنتجون والرسامون من تضمين أفيشاتهم صورًا من هذا النوع، فأحجموا عن ذلك، خاصة أننا شهدنا من يقوم بتغطية المناطق العارية فى الأفيش بالبوية السوداء!

على أية حال «فن الأفيش فى السينما المصرية» كتاب آسر متنوع يمكن قراءته من أكثر من زاوية، فهو كتاب يصلح للتاريخ والسينما والتشكيل والاجتماع، وأظنك أدركت الآن لماذا طالبت وزير الثقافة بإصدار قرار يقضى بوضع نسخ منه فى كل قصور ثقافة مصر، عسى أن يطالعه الشباب فيكتشفوا عظمة مصر من خلال السينما.






موضوعات متعلقة..

حازم حسين يكتب : عبدالمنعم إبراهيم.. صانع الحلوى الكوميدية و"فتافيت السكّر"..27 عامًا على رحيل أكثر فنانى الضحك أناقة ولطفا

محمد محسن أبو النور يكتب: الطراوى يحتفى بالمرأة ويعيد اكتشاف فتاة الجنوب..لوحاته تضج بالرقة والعذوبة والألوان الطازجة

محمد غنيم يكتب : آثار منسية على شاطئ الإسكندرية..عثر العلماء على 64 سفينة غارقة عام 2001











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة