كتب قصائده ملتزما بالانتماء للإنسان..

أمل دنقل فى ذكرى رحيله.. بصيرة الشاعر على المواجهة والرفض

الثلاثاء، 21 مايو 2024 12:00 م
أمل دنقل فى ذكرى رحيله.. بصيرة الشاعر على المواجهة والرفض أمل دنقل
محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحل اليوم ذكرى رحيل الشاعر العربى الكبير أمل دنقل (1940- 1983) المعروف فى الأوساط العربية بشاعر الرفض، لكن وجب القول إنه لم يكن معارضًا لأجل المعارضة ولا ثائرا نزقا لا يعرف مفرداته ولا أدواته، فقط كان صاحب فلسفة ورؤية جعلته مميزًا لا يصالح ولا يتهاون فى الفن والجمال، ويقول "لا" حتى لو قال العالم كله "نعم"، ليعيش بيننا حتى الآن رغم مرور 41 عاما على رحيله.

كانت قصائد أمل دنقل ولا تزال من أقوى القصائد التى كُتبت لرفض الواقع بشكل جذرى، ربما تكون خفتت تدريجيا بعد موته مع دخول عصر القصيدة المستهلكة والأكثر قبولا على المستوى الشعبى، لكنه ظل باقيا، حتى عاد إلى بريقه خاصة بعد قيام ثورتى 25 يناير و30 يونيو، إذ أعيد اكتشاف أشعار دنقل من جديد وتحولت قصائده إلى رسومات جرافيتى تملأ شوارع القاهرة، وكأنه يتحدى الزمان مثلما تحدى الموت سابقا، فيذكر الدكتور جابر عصفور أن شعر "دنقل" فى السنوات الأربع التى استغرقها المرض لم ينطو على أى صورة من صور التضرع وإنما صور متعددة وعجيبة لِلتحدى والقوة غير العادية، وتحويل الموت الذي كان يعيشه فعلا إلى موضوع للتأمل.

ورغم أن أمل جاء من أقصى الجنوب، لكن يبدو أن أشعاره كانت مدنية مليئة بالمفهاهيم المدينة مثل الوطن والتعددية العرقية والثقافية، كما أنه كان على وعي كامل بالقومية، ويرى الدكتور جابر عصفور أن الإسكندرية قد ساهمت في جعل دنقل شاعرًا مدينيًا، فالإسكندرية قديمًا كان فيها جنسيات متعددة وكتاب أجانب من اليونان وإيطاليا، كلها أسباب شكلت وعي أمل دنقل وجعلت منه شاعرًا مدينيًا يغلب عليه الطابع المدني مع استمرار وجود بعض الرواسب المتأصلة بداخله نتيجة نشأته الريفية.

ورغم أن أمل دنقل كان مع التزام الشاعر، لكنه أيضا ضد إلزامه، وكان ضد أن يكون الشاعر منتميا إلى حزب سياسى أو جماعة سياسية، لأن الشاعر ليس بوقا لأحد، كما أن هناك تناقضا، فإذا كانت السياسة فن الممكن فالشعر هو فن المستحيل، السياسى أبدا يطالب بما يمكن تحقيقه، أما الشاعر فهو يطالب بما يبدو وكأنه مستحيل التحقيق، من هنا أغلب الشعراء الذين ينتمون إلى حزب أو تنظيم هم دائما أضعف الشعراء، فالشاعر يجب أن يملك حرية مطلقة كاملة، والتزام الشاعر ينبع من ضميره وفكره.

وهو ما يفسره جابر عصفور في كتابه "قصيدة الرفض.. قراءة في شعر أمل دنقل" بأن قصائد دنقل رغم أنها تبدأ بالسياسة إلا أنها تمتد إلى غيرها من المدارات الضاغطة للوجود الإنساني، فحسب مفهوم أمل للشعر بأنه “يجب أن يكون رافضًا للواقع دائمًا حتى لو كان هذا الواقع جيدًا؛ لأن الشاعر يحلم بواقع أفضل منه، وبناء على هذا ظلت قصائد أمل متوهّجة بالرفض السياسي الاجتماعي، كما أن نزعات الرفض لا تقتصر على الحياة المصرية وإنما بتعبير عصفور كانت تتخذ من النموذج السياسي الاجتماعي المصري مثالا لغيره من النماذج العربية على امتداد الوطن العربي.

فى النهاية، قال أمل وقبل يغادر دنيانا: "أنا لا أخاف من الموت على الإطلاق، ولكن ما هو نوع الموت؟ ليس الموت هو مفارقة الروح الجسد، هناك الموت غدرا مثل الجندى الذى أرسل به إلى الميدان دون أن تتخذ الاحتياطات لكى ينتصر، هناك الموت سأما ومللا مثل الحياة التى يعيشها الكثيرون فى المدن الصفيحية والميكانيكية الفارغة، هناك الموت تحسرا وعجزا مثل الموت الذى نمارسه يوميا.. لكن الموت بمعنى مفارقة الروح للجسد هذا لا يخفينى، بل أفكر فيه وجزء كبير من مقاومتى للمرض الموت، إذا كان قادما فليأت، ولكن على الإنسان أن يفعل ما يأمر به العلم فى مثل هذه الحالة والباقى على الله".









الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة