دندراوى الهوارى

قصة «الله» عند المصريين القدماء.. الفراعنة استخدموا لفظ الجلالة نصا «4»

الإثنين، 13 مايو 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

دعونا نتفق على حقيقة جوهرية، أن المصرى القديم توصل إلى كيفية التكوين فى الموت والخلق والخلود والبعث والجنة والنار والحساب والعقاب التى تجسدت فى قوانين الخلق والدين.. وتوصل إلى هذه الحقائق مبكرا، هذه المعتقدات رسختها فيما بعد الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلامية، وهو ما أثار اهتمام العلماء والفلاسفة حتى كتابة هذه السطور، وما زالوا يبحثون فيما توصل إليه المصرى القديم تحديدا، بجانب معتقدات بعض الحضارات الأخرى مثل البابلية والأشورية والزرادشتية والإغريقية، بشكل عام، من غموض يتعلق بالأديان وارتباطها بالحياة!


ومن بين الحقائق الثابتة التى أجمعت عليها كل الحضارات واتفقت معها الأديان السماوية، هى قصة الطوفان، فالحضارة المصرية فى وادى النيل، وبلاد ما بين النهرين عند السومريين والبابليين.. ثم من بعد الفرس والإغريق والهنود، اتفقوا جميعا على قصة الطوفان، ورسختها الأديان السماوية لتضفى عليها المنطق المقدس.. وتمنح العظات والدروس فى صراع الإيمان والكفر والخير والشر والطاعة والعصيان والحق والعدل والواجبات والحقوق وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين.


ونحن فى سلسلة مقالاتنا عن إيضاح عبقرية المصرى فى التوصل لحقائق دينية قبل عصر الأسرات وما بعدها، مثل التوحيد والعالم الآخر والروح والحساب والعقاب والجنة والنار والصلاة والحج وتقديم القرابين، ورسختها الأديان السماوية، فإننا نبرز فى هذا المقال، أمرا مبهرا يتعلق بأن المصرى القديم ذكر الله بشكل صريح وواضح وجلى لا يقبل الشك، من خلال الأدب الفرعونى.


ومما يبعث على الدهشة فإن المصريين القدماء، كثيرا ما تحدثوا، ودونوا فى الأدب تلك القوة الخفية التى تتحكم فى مصائر الناس، فذكروا لفظ الجلالة «الله» بشكل صريح وواضح، وسنذكر عينة من نصوص ما كانوا يرددونه ويدونوه، وهى كالتالى: «ما يحدث هو أمر الله».. «صائد الطيور يسعى ويكافح ولكن الله لا يجعل النجاح نصيبه».. «ما تزرعه وما ينبت فى الحقل هو عطية من عند الله».. «من أحبه الله وجبت عليه الطاعة».. «الله يعرف أهل السوء».. «إذا جاءتكم السعادة، حق عليكم شكر الله».


هذه نصوص واضحة وضوح الشمس فى كبد السماء، تؤكد أن المصرى القديم كان يذكر الله، بشكل جلى دون لبس، على الرغم من أن بعض الباحثين فى التاريخ سواء أجانب أو مصريين يحاولون التأكيد على أن المقصود بالله الذى ذكره المصرى القديم، هو «إله الشمس» على سبيل المثال، أو «الملك» أو «الكا»، لكن فى العموم لا بد من التأكيد أن المصريين القدماء ساورتهم تلك الفكرة الغامضة والخفية عن الله وقدرته وجبروته، وهناك فقرة وردت فى كتاب قديم من كتب الحكمة تقول: «إن الله خفى ولذلك وجب على الناس تقديس صورته كبديل له»، هذا إذا كان المصريون قد قصدوا هذا فعليا، مثلما نفهمها نحن الآن.
الشواهد والوثائق الأثرية والتاريخية، تبرز بما لا يدع مجالا لأى شك أن المصريين القدماء سيطر على مشاعرهم وأحاديثهم العقيدة الحقة، ولو أنهم فى واقع الأمر تعلقوا أيضا بدينهم الموروث، وبقوا عبادا أمناء وأوفياء لآلهتهم.  


ذِكر الله فى أدبيات المصريين القدماء بشكل واضح وصريح، يتسق مع توصله إلى عقيدة التوحيد، والإيمان بإله واحد، الذى يتقاطع مع الشرك به، أى عدم الإيمان بعدة آلهة، عكس المجتمع الغربى، الذى لم يتوصل للتوحيد إلا حديثا، حيث صاغها الفيلسوف البريطانى هنرى مور «1614-1687 ميلادية» أى فى منتصف القرن السابع عشر الميلادى، ويشير هذا التوحيد فى التقليد الغربى إلى إله الكتب المقدسة، اليهودية والمسيحية والإسلام.


ورغم أن البحث عن الجذور القديمة للمعتقدات التوحيدية فى العالم القديم، يتربع على ما نادى به الملك المصرى أمنحوتب الرابع «أخناتون» على رأس من نادى بالتوحيد فى مفهومه الأشمل والأوضح فى التاريخ عبر عصوره المختلفة، ويتسق تماما مع التوحيد فى الكتب المقدسة، فإن هناك وثائق وشواهد أثرية وتاريخية، تؤكد أن المصرى القديم توصل للتوحيد قبل عصر الأسرات، حتى ولو كانت رسالة التوحيد التى تبناها أخناتون قامت على أنقاض عبادة الإله «أمون رع» الإله المهيمن فى ذلك الوقت، لكن يتبقى أن أخناتون لم يحاول أن يدمر معابده وتماثيله، وقرر التبشير برسالته وترك طيبة، وانتقل إلى تل العمارنة، حاملا رسالة تنادى بأنه لا إله إلا إله واحد فقط.

وللحديث بقية غدا إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة