مقدمات الكتب.. ما قاله مارك ريدلي في مفتتح "كيف تقرأ داروين؟"

الأحد، 28 أبريل 2024 07:00 ص
مقدمات الكتب.. ما قاله مارك ريدلي في مفتتح "كيف تقرأ داروين؟" كيف تفرأ داروين
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل معًا قراءة مقدمات الكتب، فهي تكشف الكثير عن عقل المؤلف ودواعي تأليف ومن ذلك مقدمة كتاب "كيف تقرأ داروين" من تأليف مارك ريدلي، ونعتمد على الطبعة الصادرة عن "هنداوي" من ترجمة نهى صلاح  مراجعة هبة عبد العزيز غانم؟

يقول الكتاب:

مقدمة

كيف يمكننا قراءة داروين؟ كان داروين شخصية تاريخية أحدثت ثورة في علم الأحياء، كما تردَّد صدى تأثيره في جميع جنبات الثقافة الحديثة، ولم يقتصر على علم الأحياء، بل امتد ليشمل الفلسفة والعلوم الإنسانية واللاهوت وهندسة البرمجيات والأدب والفنون التشكيلية.

لذا من المنطقي أن نتناول العلاقة بين ما كتبه داروين وبين الموضوعات المهمة في الفكر الإنساني، كان داروين أيضًا صاحبَ عقلٍ فذ؛ لذا فمن الرائع أن نقرأه بصرف النظر عن تأثيره التاريخي، يمكنك قراءته وكأنك تُجري معه محادَثةً خاصة، لقد كان يتسم بسعة الأفق، وكان لديه طَوال الوقت تقريبًا أشياء مبتكرة وملهمة يقولها.

إنه لمن دواعي سرور المرء أن يتواصل مع عقلية كهذه، وسرعان ما تتعرف على الطريقة التي كان يفكر بها؛ كان يحب جمع كل الحقائق التي يستطيع جمعها، من مجموعة مذهلة من المصادر، وكان يحب وضع نظريَّة عامَّة مجرَّدة تفهم معنى الجوانب الأساسية للموضوع الذي يتناوله، وكان يتعامل مع جميع الصعوبات بأمانة فكرية منقطعة النظير.

يوُعَد داروين كاتبًا غزير الإنتاج، فهو لم يكتب واحدًا من أكثر الكتب تأثيرًا في كل العصور، ألا وهو "أصل الأنواع"، فحسب، بل كتب أيضًا مجموعة كبيرة من الكتب الأخرى حول موضوعات متنوعة، مثل الشعاب المرجانية ومحار البرنقيل وديدان الأرض وزهور الأوركيد، بالإضافة إلى كتاب رِحلات يستند إلى رحلته على متن سفينة البيجل، وأيضًا سيرته الذاتية.

لقد خصصتُ معظم المساحة هنا لكتاب "أصل الأنواع"؛ ومن ثَم أعطيت اهتمامًا أقل مما كنت أتمنى لبقية أعماله، وناقشتُ أيضًا ما يُعَد على الأرجح ثانيَ أشهر كتاب له، وهو كتاب "نشأة الإنسان"، كما أخذت عينة من كتاب "التعبير عن الانفعالات" لأُبيِّن فكرته الأساسية.

داروين
 

هل يتعين علينا قراءة مؤلفاته من وجهة نظر تاريخية أم علمية؟ من الناحية العلمية، كان داروين مصدر إلهام لعدد هائل من الأبحاث، وكان تأثيره يفوق أي شخص آخر، وقد أضاف العلم الحديث كثيرًا من الاكتشافات اللاحقة لأصغر ملاحظة من ملاحظات داروين، وأظن أن القراء سيرغبون في فهم أفكار داروين استنادًا إلى السياق الزمني الذي كُتبت فيه، ومعرفة ما إذا كانت نظرياته تُعتبر صحيحة بعد ١٥٠ عامًا من الدراسات اللاحقة.

بالنسبة إلى القراءة "التاريخية" لداروين، هدفي هو الولوج لعقل داروين لفهم طريقة تفكيره، ومنهجي المفضَّل هو السير على خُطا الفيلسوف والمؤرخ آر جي كولينجوود، الذي اقترح أنه يتعين علينا السعي لفهم الأسئلة التي يطرحها الناس، قد لا تكون الأسئلة التي تدور في خلدهم واضحة، ولكن إذا تمكنت من اكتشافها، فستميل بقية أعمالهم إلى أن تصبح أكثر منطقية، وعندما نواجه سيلًا من الأدلة التي تدعم أفكار داروين، والتي أُخذت من مجالات مختلفة مثل الزراعة والجوانب الأقل استكشافًا في مجال التاريخ الطبيعي، فعلينا أن نتساءل عن السؤال الذي طرحه داروين على نفسه وحاول الإجابة عنه. وعندما نرى حجة مجردة، فعلينا أن نتساءل عن السؤال الذي تهدف هذه الحجة إلى الإجابة عنه. بهذه الطريقة، يمكننا أن نفهم ما كان يفكر فيه الناس في الماضي. تُجبرنا طريقة كولينجوود على الانخراط في القراءة بشكلٍ فعَّال، والبحث عن المعنى في النص بدلًا من القراءة بطريقة سلبية على أمل استيعاب شيء ما.

لن يرغب العديد من القراء في فهم أفكار داروين في سياق الزمن الذي كان يعيش فيه فقط. فأفكار داروين أكبر بكثير من أن تُترك لتناول المؤرخين فحسب. كما أنه مؤثر بشكلٍ كبير في يومنا هذا؛ لذا أفضِّل أيضًا أن أقرأ له من منظور حديث. على سبيل المثال، بات فَهمُ داروين التفصيلي للوراثة الآن مرفوضًا عالميًّا، وحل محلَّه علمُ الجينات. ومع ذلك، أيَّد ما نعرفه حاليًّا عن علم الجينات والحمض النووي (دي إن إيه) أفكار داروين الرئيسية، وأظن أنه كان سيَسعد بهذه التطورات. وعليه، فمن المنطقي بالنسبة إلى معظمنا أن نفهم أفكار داروين التطورية من منظور علم الجينات بدلًا من تناولها من منظور نظريات داروين المتعلقة بالوراثة.

بالنسبة إلى القارئ الحديث، يحظى داروين بميزة هائلة تجعله متفوقًا على كل كاتب علمي عظيم آخر، وعلى العديد من الكتاب العظماء الآخرين عمومًا. فهو ليس مهمًّا فحسب، بل تَسهل قراءة أعماله أيضًا. لقد كتب للقارئ العادي في عصره، كما أن كتاباته تحتوي على قليل من التفاصيل الفنية ولا تحتوي على الرياضيات. إذا حاوَل غير المتخصصين قراءة أعمال كوبرنيكوس أو نيوتن أو أينشتاين؛ ففي الغالب أنهم لن يفهموا كثيرًا مما يقال رغم بذلهم جهدًا كبيرًا لمحاولة الفهم. وبالمثل، ثَمة العديد من العلماء الأحدث الذين يتمتعون بأهمية بلا شك، إلا أن أقلية من الخبراء فقط هم من يمكنهم فهم أبحاثهم. يكاد داروين يكون استثناءً فريدًا في ذلك. فقد كتب في وقت كان فيه جمهور عريض من المتعلمين المهتمين بالمسائل العلمية الكبرى. وقد كان العلماء الأوائل يميلون إلى التعمق في التفاصيل التاريخية. أما العلماء الأحدث فيميلون إلى التعمق في التفاصيل المتخصصة والفنية. ومن ثَم، لا يمكن لمعظمنا استيعاب الأفكار العلمية الكبيرة إلا من خلال كُتاب يقدمون شروحًا تعليمية أو كُتاب يعملون على تبسيط العلوم لعامة الناس. ومن الممكن أن يكون هؤلاء الكُتاب بارعين للغاية، ولكنهم لن يعادلوا أبدًا القراءة من النص الأصلي مباشرة: وفي حالة كتاب "أصل الأنواع" لداروين يمكننا فعل هذا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة