بيشوى رمزى

ترامب و"سوابق" الديمقراطيين.. معضلة الخطاب الانتخابى فى أمريكا

الخميس، 07 مارس 2024 01:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع إسدال الستار على الانتخابات التمهيدية، في الولايات المتحدة، دون مفاجأة تذكر، بعدما أسفرت عن تكرار للمواجهة السابقة في المعترك الرئاسي، في انتخابات 2020، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ، بين عدة سوابق، ربما رسم ملامحها الرئيس السابق، والمرشح الرئاسي دونالد ترامب، ربما أبرزها أنه الرجل الأول في تاريخ أمريكا الذي يخوض انتخابات الرئاسة لثلاثة فترات متتالية، ناهيك عن كونه أول من يفوز في الانتخابات التمهيدية على مستوى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لثلاثة مرات، باستثناء الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، والذي حكم البيت الأبيض لأربعة فترات متتالية، وهو ما يرجع إلى الظروف الدولية بين عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، واللتين شهدا الحرب العالمية الثانية.
 
ولعل استثنائية ترامب تمثل في الأساس جوهر المنافسة خلال الانتخابات المقبلة، في ظل العديد من المسارات، ربما أبرزها نجاح الرجل في بناء شعبيته الخاصة، بعيدا عن الحزب الذي ينتمي إليه أو يمثله، وهو ما بدا في قدرته على تحدي المناوئين له داخل منظومة الجمهوريين، وهم كثر في واقع الأمر، بينما نجح، بشخصه، في مزاحمة الحزب الديمقراطي، في الاستئثار بما يمكننا تسميته بـ"السوابق"، والتي طالما سعوا إلى الترويج لها، باعتبارها نقطة امتياز يتمتعون بها، على حساب خصومهم الجمهوريين، منها على سبيل المثال، ترشيح أول أمريكي من ذوى الأصول الأفريقية، لمنصب الرئيس (باراك أوباما)، ثم ترشيح أول امرأة في نفس المنصب (هيلاري كلينتون)، ثم اختيار أول سيدة في منصب نائب الرئيس (كامالا هاريس)، ثم امتدت الأمور نحو اختيار أول وزير دفاع أصحاب البشرة السمراء، ثم أول وزير مثلي الجنس، وغير ذلك.
 
والحديث عن "السوابق"، ربما يمثل في جوهره، أحد أهم نقاط القوة التي حظى بها الديمقراطيين، لسنوات طويلة، في ضوء قدرتهم على الترويج النظري لفكرة استيعابهم لكافة مكونات المجتمع الأمريكي، باختلاف أعراقهم، وأديانهم، وألوانهم وأجناسهم، وهو ما فتح الباب أمام أبناء مختلف الفئات المجتمعية، للتوحد خلف مرشحيهم، باعتبارهم يمثلون الكيان السياسي الذي يحمل قدرا من التعاطف معهم، وبالتالي فالانتصار له يمثل في ذاته انتصارا لهم، خاصة مع صعود نزعات من العنصرية بين الحين والآخر داخل المجتمع الأمريكي، ناهيك عن حاجتهم لممثلين عنهم داخل أروقة السلطة يمكنهم تقديم قدر من الحماية لهم.
 
إلا التجربة العملية ربما أثبتت أن النهج الديمقراطي القائم على الترويج لـ"السوابق" اتسم بقدر كبير من الإجرائية، بعيدا عن التنفيذ، وهو ما يبدو في عدة حقائق، منها أن العنصرية ضد "السود" على سبيل المثال لم تتراجع في عهد أوباما بل شهدت زيادة ملحوظة، رغم الخطاب الذي يبدو معتدلا، في حين أن قطاعا كبيرا منهم بدا داعما لترامب، سواء في الانتخابات الأخيرة، أو في الاحتجاجات التي تزامنت مع الإعلان عن خسارته لها، لصالح منافسه جو بايدن، ربما بسبب تحسن ملموس في أوضاع الاقتصاد، وانخفاض في معدلات البطالة، ناهيك عن تحقيق قدر من الاستقرار فيما يتعلق بالانغماس المباشر في مستنقع الحروب، عبر الانسحاب من العديد من المناطق المشتعلة في العالم، وهي الأمور التي لاقت قبولا كبيرا بين العديد من الفئات المجتمعية في الداخل.
 
وهنا يتضح أن ثمة علاقة تبدو عكسية بين الخطاب السياسي، سواء في صورته الكلامية أو الإجرائية، من جانب، والصيغة التنفيذية عبر تحويله إلى واقع على الأرض، في إطار المشهد الأمريكي، وهو الأمر الذي لا يقتصر في حقيقة الأمر على مجرد الأوضاع في الداخل الأمريكي، وإنما امتد إلى العلاقات مع الحلفاء، وتداعياتها على مستقبل القيادة الأمريكية للعالم.
 
فلو نظرنا على سبيل المثال، نجد أن خطاب ترامب تجاه الحلفاء في أوروبا اتسم بقدر كبير من العدائية، بينما اقتصر التنفيذ على آفاق محدودة ارتبطت عمليا بالإجراءات الحمائية، التي اتخذتها واشنطن فيما يتعلق بالتبادل التجاري، إلا أنه نجح إلى حد كبير في احتواء التهديد الذي تمثله روسيا لمحيطها القاري، عبر التقارب معها نسبيا والوصول نحو صيغة من شأنها تعزيز الحوار، ولو مرحليا، وذلك وبالرغم من انتقاداته المتواترة لـ"الناتو" والذي يمثل الكيان الدفاعي الرئيسي عن القارة العجوز، بينما كان الأمر معاكس لذلك بصورة كبيرة إبان حقبة بايدن، والتي عززت الحلف العسكري، بينما وضعت القارة تحت نير الحرب، لأول مرة منذ عقود طويلة، وهو ما بدا في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما حملته من تداعيات ضخمة على العديد من القطاعات الحيوية الاقتصادية، وعلى رأسها قطاع الطاقة.
 
وهنا يمكننا القول بأن تقييم المرشح ربما لا يقتصر على ما يدلي به من خطابات، حتى وإن بدت عدائية، تجاه فئة بعينها، وإنما بما سوف تسفر عنه من سياسات على الأرض، وما سوف يترتب عليها من نتائج، بعيدا عن "الشو" الإعلامي، والذي يعتمده قطاعا من الساسة، عبر إجراءات شكلية لا تنم في نهاية المطاف عن نتائج مجتمعية، وهو ما يعكس نجاح النموذج الذي قدمه ترامب، في مواجهة نهج "السوابق" الذي طالما تبناه الديمقراطيين، بل وتجاوزهم فيه شخصيا، بصعوده المثير إلى حلبة الصراع على مقعد الرئيس للمرة الثالثة، ليكون أول من يحقق مثل هذا الإنجاز في تاريخ أمريكا، إذا ما استثنينا فرانكلين روزفلت.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة