اليوم السابع فى موقع أكبر برنامج روسى لغزو الفضاء.. "المكوك بوران" نقل الحرب الباردة إلى خارج الغلاف الجوى وتوقف بعد رحلة واحدة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.. تفوق على نظيره الأمريكى والتكلفة حالت دون استمراره

الأحد، 17 مارس 2024 04:00 م
اليوم السابع فى موقع أكبر برنامج روسى لغزو الفضاء.. "المكوك بوران" نقل الحرب الباردة إلى خارج الغلاف الجوى وتوقف بعد رحلة واحدة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.. تفوق على نظيره الأمريكى والتكلفة حالت دون استمراره المكوك الفضائي الروسي بوران
سوتشي محمد أحمد طنطاوي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استمرت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية، لنحو نصف قرن تقريباً، كان السباق فيها على أشده نحو التسليح وامتلاك مفاتيح القوة، في أجواء سيطر عليها الصراع والتوتر السياسي، حتى وصل التنافس إلى خارج الغلاف الجوي، حيث سباق الفضاء، وإطلاق برامج ودراسات  تكلفتها مليارات الدولارات، بدأت مع العام  1976  لتطوير مكوك الفضاء "بوران"، تلتها عمليات متصلة من التطوير  والأبحاث والتجارب استمرت لسنوات، حتى 15 نوفمبر 1988، حين تم إطلاق المكوك بوران من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان، دون وجود طاقم على متنه، وقد  أكمل مدارين قبل العودة إلى الأرض، لكن المشروع العملاق توقف فجأة دون مقدمات.
 
المكوك بوران أحد أهم معالم سوتشي
المكوك بوران أحد أهم معالم سوتشي
 
"تكلفة المكوك بوران سوف تستنزف ميزانية البرامج الحالية"، كونستانتين فيوكتيستوف، صاحب تصميم مركبة فوستوك الفضائية، في رسالة من 19 صفحة، قدمها للزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف، منتقدا البرنامج، الذي وصفه بأنه سوف يقلص النفقات السوفييتية في علوم الفضاء، وطالب بوقفه، وهذا وفق ما ذكره موقع المتحف الوطني للطيران والفضاء.
 
بوران أثناء تجارب الإطلاق
بوران أثناء تجارب الإطلاق

بوران يفقد بريقه بعد انتهاء الحرب الباردة

على الرغم من أن العلماء الروس صنعوا مكوكاً فضائياً أكثر قدرة وأمانًا من المكوك الأمريكي "انتر برايس"، وفق التقارير العلمية التي رصدتها المواقع المتخصصة في الطيران وعلوم الفضاء، مثل موقع  NSS  المتخصص في الفضاء، إلا أنه بعد سنوات من التجارب والأموال الضخمة، حتى أصبح جاهزاً للطيران، كانت الحرب الباردة على وشك الانتهاء، وخسر المشروع الكثير من دعمه السياسي. 
 
الفترة الحرجة التي تلت إطلاق "بوران" بعام واحد، كانت لها تأثيرات سلبية على مستقبل هذا المكوك الفريد، وهذا البرنامج ضخم التكاليف، فقد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1989، في فترة كانت موسكو تحتاج إلى التعافي الاقتصادي، وتقليص النفقات، حتى لو كانت على حساب البرامج الأكثر  تطوراً، فالصراع السياسي السوفييتي الأمريكي، الذي جعل الحرب الباردة تنتقل بقوة إلى الفضاء، هو  ذاته الذي جعل بوران داخل العرض المتحفي، بالحدائق العامة، وأمام قاعات المؤتمرات، ليلتقط المارة، والزوار الصور بجواره، بعدما توقف إلى غير رجعة.
 
المكوك بوران يحتل مساحة ضخمة أمام مبني العلوم
المكوك بوران يحتل مساحة ضخمة أمام مبني العلوم

عاصفة الثلج مزار سياحي في سوتشي

في كل مرة أشاهد فيها  "بوران"، أمام  مركز "سيريوس" للعلوم والفنون في مدينة سوتشي جنوب روسيا يفتح شهيتي للكتابة، فالمرة الأولي كانت عام 2019، خلال زيارة لمعرض أتوم إكسبو، الذي يضم شركات الصناعات النووية في العالم، والثانية كانت قبل نحو 10 أيام، أثناء المشاركة في فعاليات مهرجان شباب العالم، فلم تتراجع قدرة بوران على الإبهار، ولم أستطع تجاوز  فكرة التقاط الصور إلى جواره والحديث عنه، والبحث في قصته للحصول على المزيد من التفاصيل.
 
محرر اليوم السابع امام المكوك بوران
محرر اليوم السابع امام المكوك بوران
 

بوران جزء من سباق التسلح 

بوران أو "عاصفة الثلج"، كما تعني ترجمته من الروسية إلى العربية، وفق اللوحة المنصوبة إلى جواره وتستعرض إمكانياته الفنية، قادر  على الذهاب إلى الفضاء لـ 10 مرات متتالية، دون الحاجة لتغيير محركاته، باختلاف سفن الفضاء الأمريكية وحيدة الاستخدام، التي يتم استبدال محركها بعد رحلة واحدة، ويمكنه نقل من 2 إلى 4 أفراد من الطاقم، و6 ركاب، و30 طنا من المعدات الإلكترونية الخاصة بالرصد والتصوير  والاستشعار  عن بعد، وقد استغرقت تجارب ما قبل الإطلاق الخاصة بـه  1600 يوم، أى ما يقرب من أربعة أعوام ونصف، ويبلغ طوله 36 مترا، وعرضه 24 مترا، وارتفاعه 16.3 متر، وفق ما رصده " اليوم السابع" في فيديو مصور  للمكوك "بوران".
 
في تقرير  لها عن بوران كشفت شبكة تلفزيون "سي إن إن" الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني أن تصميم المكوك السوفييتي جاء مشابهًا بشكل ملحوظ لتصميم المكوك الأمريكي "انتر برايس"، وهذا ليس من قبيل الصدفة، فقد كان الروس بحاجة إلى مركبة ذات أبعاد مماثلة لأنهم أرادوا أن تتناسب مع سعة الحمولة التي يخططون لإرسالها إلى الفضاء، كما قال مؤرخ الفضاء السوفييتي بارت هندريكس، في مقابلة مع الشبكة، وقد كان مكوك ناسا في الأساس عبارة عن شاحنة فضائية، مصممة لنقل شحنات كبيرة إلى المدار  بناءً على طلب البنتاجون، الذي خطط لاستخدامه لنشر الأقمار الصناعية العسكرية.
 
وأشار تقرير "سي إن إن" نقلا عن المؤرخ الفضاء السوفييتي بارت هندريكس، إلى أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية أراد استنساخًا بنفس القدرة كرد فعل على التهديد العسكري الملحوظ الذي يشكله المكوك الفضائي "انتر برايس"، ولو لم يطور الأمريكيون المكوك، ما كان الروس قد طوروا بوران، فقد كان الأمر مجرد جزء من سباق التسلح.
 
المكوك بوران أمام قاعة العلوم في سوتشي
المكوك بوران أمام قاعة العلوم في سوتشي

بوران أكثر أماناً من المكوك الأمريكي

وعلى الرغم من التشابه الكبير بين المكوك بوران، ونظيره الأمريكي انتر برايس، حتى في الطلاء باللونين الأبيض والأسود، إلا أن بوران كانت كفته أرجح، وظهرت اختلافات تجعله أكثر تميزاً عن مكوك ناسا، فلم يكن  لـ "بوران" أي محركات، وتم ربطه فقط بصاروخ أكبر حجمًا ومتكامل يسمى "إنيرجيا" مما أتاح له مرونة أكبر في إرسال الحمولات إلى الفضاء، إلى جانب أنه كان مزودا بمقاعد قذف للطوارئ لجميع أفراد الطاقم، بما يجعله أكثر أماناً، وهذا وفق ما ذكره أوليج كوتوف، رائد فضاء روسي، مع سي إن إن.
 
صاروخ الإطلاق انريجيا
صاروخ الإطلاق انريجيا
 

بوران من الفضاء إلى مخازن كازاخستان

اكتملت رحلة بوران الوحيدة بنجاح في 15 نوفمبر 1988، أي قبل عام واحد فقط من سقوط جدار برلين، وبعد فترة وجيزة من تلك المهمة، تم تعليق البرنامج، وألغاه الرئيس بوريس يلتسين، بنهاية المطاف في 30 يونيو 1993، وتم تخزين المركبة المستخدمة في الرحلة الأولى، في مبنى في ميناء بايكونور الفضائي في كازاخستان، ونتيجة التغيرات الشديدة في درجات الحرارة، انهار السقف في عام 2002 ودُمرت أجزاء عديدة منه، وتم الاحتفاظ بثلاثة نسخ من بوران  في المجمع المذكور، حتى تم توزيعها على العديد من المناطق في روسيا، من بينها النسخة التي رصدتها "اليوم السابع"، في مدينة سوتشي، ومازالت تحتفظ بحالتها الفنية بصورة جيدة جداً، وقد جذبت آلاف المشاركين في مهرجان شباب العالم لالتقاط الصور بجوارها، كأحد الشواهد الهامة على التطور الكبير في سباق الصعود إلى الفضاء خلال القرن الماضي، إلى جانب نسخة خارج روسيا في المتحف الفني للتكنولوجيا بألمانيا.
 
المكوك بوران وآثار التخزين والإهمال في قاعدة بايكنور كازاخستان
المكوك بوران وآثار التخزين والإهمال في قاعدة بايكونور كازاخستان
 
مع كل المعلومات المتاحة عن بوران باللغة الإنجليزية، والوثائق الفنية، التي تتحدث عن هذا البرنامج الفضائي الضخم، إلا أنه مازال يحوي العديد من الحقائق والتفاصيل السرية بخصوص توقفه المفاجئ، ولم يتم الكشف عنها بصورة كاملة، أو الإفصاح بها من قبل السلطات الروسية، حتى وإن كانت الدلائل تشير  إلى مشكلات تتعلق بالتمويل، ونهاية حقبة الحرب الباردة.
 
المكوك بوران في سوتشي
المكوك بوران في سوتشي

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة