لا يمكن أن تصفه إلا بأنه بطل خارق، يشبه أبطال الروايات، لكنك تذكر أنك لم تقرأ عن بطل بهذه المواصفات فى أيا من روايات الخارقين، فمهما أبدع المؤلف فيما تعرض له البطل لن يفقده من الحواس ما فقده هشام، ولن يكسبه من الإرادة ما تجده عند هشام، قد تتخيل لظرف مررت به أفقدك شخصا أو جانبا من صحتك أو وظيفتك أنك أتعس الناس وأقلهم حظا وأكثرهم صبرا إلى أن تلتقى بـ"هشام نادى" ابن محافظة الفيوم.
هشام شاب كان فى السنة النهائية من جامعته يستعد بكل أنفاسه لاستقبال أيام سعيدة فى حياته العملية، لكنه تعرض لحادث أصابه بالشلل الرباعى وأفقده 80 % من حركته، وجعله يتعرض لـ8 أعوام عجاف فى سريره لا حول له ولا قوه، بين آلامه الجسدية وآلام روحه بعدما أصبح فاقدا للأمل رافضا لما تعرض له ورؤيته لمستقبله ضبابية، وزاد حزنا ببلاء آخر بوفاة لوالدته، لكنه وجد نورا فى قلبه أنبته الله له كزرع فى الصحراء، وكعين زمزم لهاجر، فتذكر أنه أن كان بلا أيدى ولا أقدام فما زال له عقل ولسان، ووجد من جهاز الكمبيوتر نافذة يمكن أن يطل بها على العالم مستخدما لسانه فى الكتابة والبحث والتدريب والتعليم، فأصبح بعد 7 سنوات باحثا تاريخيا مميزا لديه أسلوب للسرد لا يشبهه فيه أحد، ومؤلفا للعديد من الكتب، ومنسقا لكتب المؤلفين، ولديه خبرة فى برامج المونتاج، ولديه صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى يطل منها على 40 الف متابع، وحصل على الدكتوراه الفخرية وتم تكريمه من قبل عدد من المؤسسات والكيانات المختلفة.
هشام-يتحدى-ظروف-مرضه
يقول هشام نادى فى حديثه لـ"اليوم السابع"، إنه فى عام 2008 كان فى السنة النهائية بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الفيوم، وكان مفعما بالحياة ويحب التنزه والخروج مع أصدقاءه ولديه العديد من الأحلام والطموحات، وتعرض لحادث وأصيب بشلل رباعى فأصبح لا يتحرك جسده كاملا فيما عدا دماغه وحراس السمع والابصار والكلام، فقدميه لا يتحركان، ويديه لا يتحركان، وعموده الفقرى لا يمكنه التحكم به.
ولفت هشام، إلى أن هذا الحادث جعله يجرى العديد من العمليات الجراحية، وكل ما فعلته به أن أبقته هذه الجراحات على قيد الحياة، فلم يتغير شئ فى وضعه الحركى، وهو ماأصابه بصدمة قضى على أثرها8 سنوات من عمره فى غرفته بين آلامه جسدية من الحادث وما تبعها من إصابات يحاول التغلب عليها بالمسكنات، وما بين حالته النفسيه التى إستطاع فيما بعد أن يفسرها من خلال قراءاته فى علم النفس بأنها مراحل نفسيه أولها يكون الإنكار وبعدها يكون الرفض ثم الإكتئاب وبعدها المساومة وآخرها تكون القبول بالأمر الواقع والتسليم به والتفكير فى المستقبل بما بقى له من قوة، خاصة أنه كان مر لآلام مضاعفة بسبب فقدانه لوالدته فى هذه الفترة.
هشام-ابن-الفيوم
وأكد هشام، أن أسرته بدأت مساعدته فى قضاء وقته فى غرفته بتشغيل شاشة الكمبيوتر له لسماع أفلام ومسلسلات وحلقات برامج، وهنا جاءته فكرة إستخدام "الماوس" الخاص بالكمبيوتر بواسطة لسانه، وبدأ فى الكتابة على الكمبيوتر والتعبير عن نفسه وما يجول بخاطره، ثم وجه طاقته ووقته لقراءة الكتب فى السياسة والثقافة والأديان وعلم النفس وعلم الاجتماع ثم توجه إلى المجال الذى يحبه وهو التاريخ فقرأ مئات الكتب التاريخية المحلية والدولية لمختلف الكتاب والمؤلفين.
وتابع هشام، أن بحثه وقراءته العديدة فى المجال التاريخى مكنه من أن يصبح مؤلفا لـ 6 كتب تاريخية ومشاركات بحثية مع كتاب عرب وأفارقة، نشرت له وشارك بها فى معارض الكتاب، كما تمكن من إطلاق صفحة تحمل إسمه الذى إختاره لنفسه "سليل الفراعنة" ووصل بها إلى ما يزيد عن 40 متابعا، وأنشأ قناته على موقع اليوتيوب يطلق من خلالها حلقات برنامجه لسرد التاريخ بشكل مشوق وبشكل علمى موثق.
محررة-اليوم-السابع-مع-هشام
كما أصبح هشام متمكنا فى مجال تنسيق الكتب للمؤلفين، وأصبحت مهنته التى يحصل على مقابل مادى لها، ويقضى بها معظم وقته، ولفت هشام إلى أنه بدأ فى التعلم على برامج المونتاج وأصبح متقنا لها بشكل كبير ويعمل عليها بشكل إحترافى، لافتا إلى أنه يكتب على الكمبيوتر بسرعة تعادى الشخص السليم أو بما يفوقه، فقد يخاطب عبر المحادثات المكتوبة 3 أو 4 من أصدقاءه فى نفس الوقت وهو يكتب بلسانه.
وعن تكريمه لفت هشام نادى إلى أنه تم تكريمه من العديد من الجهات والمؤسسات والمجالس العلمية ووزارة الشباب والرياضة وحصل على الدكتوراه الفخرية.
هشام-أثناء-عمله-على-الكمبيوتر
ولفت هشام إلى أن خطته المستقبلية منقسمة إلى قسمين، أولها أن يهتم بممارسة عمله فى تنسيق الكتب لكسب الرزق الذى يكفى مصاريف حياته اليومية خاصة أنه ليس لديك وظيفة ثابتك أو معاشا ثابتا، والقسم الآخر هو عملى على كتابة بعض الكتب البحثية وهما كتابين تاريخيين، وكتاب ثالث هو تجربتى مع الإعاقة.
وأكد هشام أنه يحلم بفرصه لتقديم برنامجه عن التاريخ على قناة كبرى أو موقع له قناة واسعة الإنتشار، كما أنه يحلم أن يكون له مصدر دخل ثابت يكفى احتياجاته اليومية ليتفرغ للبحث فى التاريخ، ولفت إلى أن والدته وشقيقته هما القائمين على رعايته وإطعامه ومساعدته فى إرتداء ملابسه.
وعن حالته الصحية، أكد "هشام" أنه سمع أن هناك تجارب علاجية لحالات مشابهة بالخلايا الجذعية وتركيب شرائح لكنه لم يتعمق فى البحث فى الأمر لتكلفته المادية العالية بالإضافة إلى أنه لا يحب أن يمنح لنفسه أمل صعب تحقيقه فى هذا الأمر.
