سعيد الشحات يكتب ذات يوم: 25 ديسمبر 1959.. «الأهرام» تنتهى من نشر «أولاد حارتنا».. ومحفوظ يوضح فى كازينو الأوبرا: «القصة تصور الصراع المرير الذى تزعمه الأنبياء والرسل دفاعا عن الفقراء»

الإثنين، 25 ديسمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب ذات يوم: 25 ديسمبر 1959.. «الأهرام» تنتهى من نشر «أولاد حارتنا».. ومحفوظ يوضح فى كازينو الأوبرا: «القصة تصور الصراع المرير الذى تزعمه الأنبياء والرسل دفاعا عن الفقراء» نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب نجيب محفوظ إلى ندوته الأسبوعية فى «كازينو الأوبرا» يوم الجمعة، 25 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1959، وكان اليوم الذى انتهت فيه «الأهرام» من نشر روايته «أولاد حارتنا»، بعد أن بدأتها يوم 21 سبتمبر 1959، وأثارت ضجة كبيرة تواصلت حتى قادت إلى محاولة إرهابية لاغتياله فى 14 أكتوبر 1994.
 
«التزم محفوظ الصمت تماما طوال أيام نشر الرواية»، وفقا للكاتب الصحفى والناقد محمد شعير فى كتابه «أولاد حارتنا، سيرة الرواية المحرمة»، ويتتبع فيه ما جرى حول هذه الرواية، وعلى غلافها يؤكد أنها على مدى أكثر من نصف قرن «بدت رمزا لمعارك ثقافية وسياسية واجتماعية، تتخذ كل فترة شكلا جديدا، وشملت ساسة، ورجال دين، وأدباء وقتلة، ومؤسسات ، وتبلغ ذروتها بمحاولة اغتيال على يد شاب لم يقرأ حرفا باستثناء فتاوى شيوخه».   
 
يذكر «شعير»، أن «محفوظ» كان معتادا أن ينصرف فى الواحدة والنصف من ندوته فى «كازينو الأوبرا»، لكنه فى ذلك اليوم حرص على البقاء حتى الثالثة والنصف لسخونة النقاش حول الرواية، وتزعم رفضها فى الندوة مدرس أدب بكلية الآداب، وناقد صحفى فى إحدى الجرائد اليومية، ولم تذكر صحيفة «المساء» التى غطت تفاصيل اللقاء اسميهما، لكن محفوظ أوضح -لأول مرة - وجهة نظره كاملة فى الرواية، فقال إنه يريد الكشف عن الهدف الأساسى للبشرية، وهو البحث عن سر الكون، وحتى تستطيع البشرية الكشف عن هذا السر، تحتاج إلى التفرغ له والاستعداد، وهى لن تتمكن من هذا إلا بعد القضاء على استغلال الأغنياء للفقراء، والصراع بين الناس من أجل لقمة العيش.
 
يضيف محفوظ: «القصة تصور هذا الصراع المرير الذى تزعمه الأنبياء والرسل دفاعا عن الفقراء، وتهيئة العيش السعيد للناس أجمعين حتى يتفرغوا للبحث الأعظم، ولكن ما إن تنتهى الرسالة حتى يعود الأغنياء فيقبضون على زمام الأمور، وتعود المعركة من جديد للوصول إلى العدل والرفاهية للجميع، ثم تدخل «العلم» بعد انتهاء الرسالات ليقوم بنفس الغاية وهى إسعاد الناس، ولكن المستغلين سخروا العلم لمصلحتهم أيضا، وقتلوا رمزه فى القصة، إلا أن شخصا آخر استطاع الهروب بسر الاختراعات العلمية الحديثة ليعاود الكفاح من أجل إنهاء الصراع بسبب لقمة العيش والتفرغ لمعرفة سر الحياة».
 
يؤكد «شعير»: «الناقد الذى لم تذكر الصحيفة اسمه اعترض على ما قاله محفوظ، معتبرا أن «القصة لم تضف جديدا، وهى فكرة قديمة، ومجرد تسجيل لتاريخ البشرية بلا إضافة من الكاتب الذى لم يحاول أن يستخلص من هذا التاريخ مغزى عاما جديدا، أو موقفا فكريا خاصا، وأنه فضلا عن ذلك جعل العلم يتمسح فى الغيبيات، فى حين أنه نبذها من أول ظهوره حتى الآن».
 
يضيف «شعير»: «بعد أقل من أسبوع أجرى أحمد حمروش حوارا مطولا مع «محفوظ» نشرته «الجمهورية» تحدث فيه محفوظ عن اندهاشه من الضجة ضد الرواية، وكرر ما قاله من قبل عن مقصده منها: «هذه الرواية أقصد بها قصة البشرية، وأبعد ما يكون عن ذهنى أن أكتب سير الأنبياء فى حارة، ولكن أود أن أبلغ الرجل العادى أنه حتى لو كانت حياته فى حارة، فإن الظروف تقتضيه أن يقتدى تماما بما يفعله النبى.. أى نبى».
 
وسأله حمروش: ولكنى سمعت يا نجيب - وأنا لم أقرأ الرواية بعد - أنك أظهرت الشخصية التى تمثل نبينا محمد وهى تدخن الحشيش؟، أجاب محفوظ: هذه الشخصية ليست محمد فى ذاته، وهى ليست النبى الذى ندين بديانته، ولكنها «إنسان» فى الحارة، وإلا فقل لى هل كان واجبا أن نحرق «كليلة ودمنة» والحيوانات فيها ترمز إلى البشر، والكلب فيها يرمز إلى الوفاء رغم أنه «يهوهو» وأنه كلب».
 
يذكر «شعير» أن محفوظ تحدث فى الحوار عن انتهاء المرحلة الواقعية التقليدية فى إبداعه، قائلا: «هذا ليس نتيجة التفكير الفنى، ولكنه نتيجة تغيير الشخص نفسه، كنت فى الماضى أهتم بالناس وبالأشياء..ولكن الأشياء فقدت أهميتها بالنسبة لى، وحلت محلها الأفكار والمعانى، وأظن هذا تطورا طبيعيا بالنسبة لسن الكاتب، أصبحت أهتم اليوم بما وراء الواقع».
 
يضيف «شعير»: اعتبر حمروش أن ذلك «فلسفة جديدة»، فاعترض محفوظ على استخدام كلمة فلسفة لوصف الأمر، قائلا: هى ليست فلسفة، أرجوك فأنا لست فيلسوفا، ولكنى أحلم وهذه هى أحلامى، أتطلع إلى لون من ألوان الحياة نستطيع أن نطلق عليه «الصوفية الاشتراكية»، وأوضح محفوظ مقصده من المصطلح: «هو التطلع إلى الله، والإنسان لا يستطيع أن يعرفه إلا إذا ارتفعت حياته إلى مستوى نظيف خال من المفاسد والشرور، وطالما هناك إنسان يستغل الآخرين فالفساد والشر باقيان، الذى يستغل شرير، والمستغل بائس، والعلاقات بينهما فيها حقد وكراهية، وما بين الشر والبؤس أتطلع إلى الله». 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة