"دفاتر الوراق" جماليات سردية تُقيم الحبكة الروائية

الأربعاء، 30 يونيو 2021 06:00 م
"دفاتر الوراق" جماليات سردية تُقيم الحبكة الروائية دفاتر الوراق
كتب رامى سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أظن أن هناك ما يُعينك على فهم بلد ما، خير من رواية جيدة، تطوف بك فى الشوارع وتُجلسك على المقاهى مع الناس لتسمع منهم وعنهم الحكايات برؤية من ولد وعاش وخبر وتعلم من المكان، لا من جاء بعين غريبة واستطلع ومسح البنايات بنظرة سياحية سطحية ثم غادر.
 
فى روايته دفاتر الوراق الحاصلة على جائزة البوكر هذا العام سيصطحبك الأديب جلال برجس بسرده الساحر الناعم فى رحلة شيقة داخل نفوس طبقات الدينا ومثقفيها ومهمشيها لترى بأعينهم بلدهم "الأردن" وكيف يتألمون ويتعذبون فيه، ستسمع منهم حكايات تُفطر القلب وتبكى العين دون أن تملك القدرة على التخفيف عنهم أو إزالة جزء من القبح المتربع على وجه العالم.
 
 
صحيح أنك فى لحظات ليست قليلة ستتعثر فى فهم بعض الأحداث وسيخيل إليك أن الحبكة الدرامية بها بعض المشاكل الفنية خصوصًا فى منتصف الرواية، لكن السرد البسيط الذى اعتمد لغة جميلة واضحة ليس بها تَزيد لغوى أو طنطة بلاغية مقعرة سيدفعك لمواصلة القراءة استمتاعا بأسلوب برجس الشاعرى.
 
سبب آخر فى تقديرى سيجعلك تُعجب بالرواية، هو طريقة تصاعد الأحداث التى اختار لها برجس بداية ملحمية على طريقة الأساطير الاغريقية المأساوية، مستهلا إياها بوفاة أم البطل إبراهيم الوراق متأثرة بإصابتها بمرض السرطان، ليتخذ أخوه الكبير قرارًا بالرحيل، ثم يقرر الأب بعدها الانتحار فى منتصف صالة شقته شنقا، وهو ما يشهده إبراهيم دون أن يمتلك الجراءة أو القدرة على منعه سواء بالنداء عليه أو بالظهور، كل ذلك يدور أمامك فى أول فصل الذى ينتهى بإبراهيم الوراق وحيدًا فقيرًا بلا أسرة وعمل بعدما قررت البلدية إزالة كشك بيع الكتب خاصته لصالح أحد رجال الأعمال.
 
الأحداث ما أن تفتر أمام عينيك وتذهب نحو الرتابة، حتى يجد جلال برجس خطًا دراميا مثيرا يرفع من وتيرة الأحداث، بالذهاب بك داخل نفس إبراهيم الوراق الذى بدء يعانى من بدايات انفصام، لتبدأ معه رحلة محاولاته فى القضاء على الصوت الذى يظهر له من بطنه ويدفعه لارتكاب الجرائم.
 
المحاولات شيقة ورائعة فى خطها الدرامى إذ يبدأ إبراهيم الوراق أولى محاولاته بالذهاب إلى طبيب نفسى للقضاء على الصوت فيفشل، ليذهب بعدها إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن نفسه، فيسخر منه رجال الأمن ويطلقون سراحه، ثم يحاول الانتحار فتظهر له امرأة جميلة تقدم على الانتحار فى نفس المكان الذى اختاره، فيسقط فى حبها ويتراجع عن قتل نفسه.. كل ذلك يدور فى إطار ناعم ساحر، يحملك بخفة إلى نهاية مليئة بكثير من المفاجآت قد تدفعك لمعاودة قراءتها مرة ثانية بعد معرفة نهايتها.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة