عالم جامح.. كتاب يسأل ماذا فعلت بنا العولمة؟

الأربعاء، 10 فبراير 2021 08:00 م
عالم جامح.. كتاب يسأل ماذا فعلت بنا العولمة؟ غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نلقى الضوء معا على كتاب "عالم جامح.. كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا" لأنطونى جيدنز، والذى يحتوى على محاضرات للمؤلف أذيعت عبر محطة BBC اللندنية، فما الذى يريد أن يقوله لنا الكتاب.
 
يقول الكتاب في مقدمته:
"إن العالم على عجل، وإنه ليقترب من نهايته" هكذا تكلم رئيس الأساقفة، وولفستان، فى خطبة ألقاها فى مدينة يورك فى العام 1014، ومن السهل علينا تخيّل إمكانية وجود الشعور نفسه اليوم. هل الآمال وقلق كُلّ حقبة هو نسخة من آمال وقلق المراحل السابقة؟ وهل العالم الذى نعيش فيه عند نهاية القرن العشرين مُختلف حقّاً عن الأزمنة السابقة؟.
 
نعم، هنالك عدد من الأسباب الموضوعية القوية التى تدعونا للاعتقاد بأننا نمر بمرحلة تاريخية انتقالية رئيسة. علاوة على ذلك، فإن التغيرات التى تؤثر فينا لا تتحدد بمنطقة معينة من الأرض، وإنما تمتد إلى كُلّ مكان تقريباً.
 
إنَّ عهدنا هذا قد تطور تحت وطأة العلم والتقنية والتفكير العقلانى التى تمتد جذورها إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر بأوربا، فقد تشكلت الثقافة الصناعية الغربية بمرحلة التنوير من خلال كتابات المفكرين الذين عارضوا تأثير الدين والعقيدة وحاولوا إبدالهما بمقاربات فكرية للحياة العملية.
 
عالم جامح
عالم جامح
 
يقول الكتاب يبدو أن فلاسفة عصر التنوير قد أدّوا عملهم على وفق مفهوم راسخ وبسيط فى الوقت نفسه، فهم كانوا يعتقدون بأنه كُلّما ازدادت قدرتنا على فهم العالم وفهم أنفسنا بعقلانية ازداد تمكننا من تشكيل التاريخ على وفق أغراضنا الخاصة. وعلينا أن نتحرر من عادات الماضى وعقده من أجل أن نسيطر على مقاليد المستقبل.
 
لقد وضع كارل ماركس، الذى أثرت أفكاره فى مرحلة التنوير بقوة، هذه الفكرة ببساطة حين بيّن أن علينا أن نفهم التاريخ من أجل أنْ نصنع التاريخ. وبسبب هذه الأطروحة أثر ماركس والماركسيون بقوة على القرن العشرين. 
 
إن هذه الفكرة تقترح أنَّ العالم لابد من أن يكون أكثر استقراراً ونظاماً كُلّما ازداد تقدم العلم والتقنية، حتى أن العديد من المفكرين المعارضين لماركس قبلوا هذه الفكرة.
 
فعلى سبيل المثال، توقع الروائى جورج أورويل مُجتمعاً عظيم الاستقرار والوضوح نكون فيه جميعاً مُجْرد أجزاء صغيرة فى آلة اجتماعية وبيئية ضخمة. كذلك كان موقف العديد من المفكرين الاجتماعيين مثل عالم الاجتماع الألمانى ذائع الصيت ماكس فيبر.
 
ولكن العالم الذى نعيش فيه الآن، لا يستشعر منه ذلك، ولا يبدو كما توقع هؤلاء، فبدلاً من أن يكون تحت سيطرتنا باطراد، يبدو أننا نفقد السيطرة عليه. إنه عالم جامح Runaway World. وعلاوة على ذلك،  فإن بعض التأثيرات التى كان يتوقع لها أن تجعل حياتنا أكثر وضوحاً وتأكيداً، مثل التقدم العلمى والتقني، غالباً ما يكون لها تأثير عكسي. وربما كان لتغير المناخ العالمى والمخاطر المصاحبة له، مثلاً، نتيجة لتدخلنا فى البيئة وليست ظواهر طبيعية. إن العلم والتقنية هما لا محالة عاملان مشتركان فى محاولاتنا الرامية إلى مواجهة هذه المخاطر، ولكنهما أيضاً ساهما فى خلق هذه المخاطر مُنْذُ البداية.
 
إننا نواجه حالات مخاطرة لم يواجهها أحد فى التاريخ، ولعل الازدياد الحرارى هو مُجْرد مثال واحد عليها. إن العديد من هذه المخاطر يؤثر فينا بغض النظر عن المكان الذى نعيش فيه، وبغض النظر عن مدى ترفنا أو حرماننا. إنها مرتبطة بالعولمة، وهى مجموعة التغيرات التى تشكل موضوع هذا الكتاب.
 
لقد بات العلم والتقنية مُعولمين أيضاً، إذ يقدر عدد العلماء فى العالم اليوم بأكثر من عدد جميع العلماء الذين عاشوا فى جميع عصور تاريخ العلم الماضية قاطبة.
 
ولكن للعولمة تميزاً فى أبعاد أخرى أيضاً، فهى تجلب معها مخاطر ومجهولات من أنواع أخرى، لاسيما تلك التى ترتبط بالاقتصاد الالكترونى العالمي، الذى هو نفسه تقدم حديث العهد. وكما هو الحال مع العلم، فإن المخاطرة هى أيضاً سيفٌ ذو حدين. إن المخاطرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإبداع، وهذه صلة ينبغى أن لا يقلل من شأنها؛ لأن الإقدام الفاعل على المخاطرة فى شؤون المال والمقاولات هو القوة المحركة لاقتصاد مرحلة العولمة.
 
إنَّ ماهية العولمة وأمر حداثتها وقدمها موضوع يدور حوله جدل عنيف، وهذا ما سأناقشه فى الفصل الأول؛ لأن ومع ذلك فإن الكثير من الأمور الأخرى تعتمد عليه.
 
الحقائق واضحة جِدّاً، فالعولمة الآن تُعيد تركيب الأنماط التى نعيش بموجبها. إنَّ العولمة تُدار من الغرب وتحمل بصمات القدرة الاقتصادية والسياسية الأميركية، كما أنها تقترن بعدم المساواة الشديدة فيما يتعلق بالعواقب. ولكنها لا تعنى سيطرة الغرب على بقية العالم وحسب، وإنما يمتد تأثيرها إلى الولايات المتحدة نفسها، كما يمتد إلى بقية الدول.
 
إن العولمة تؤثر أيضاً على الحياة اليومية للإنسان العادى بالطريقة نفسها التى تؤثر فيها على الأحداث العالمية. لهذا السبب يحتوى هذا الكتاب على فصل يتضمن الحديث عن الجنس والزواج والعائلة. تُطالب النساء فى العديد من مناطق العالم باستقلالية أكثر بكثير مما كان لديهن فى الماضي، ويدخلن فى مجالات العمل بأعداد متزايدة، وهذه أمور مساوية فى أهميتها للأحداث الجارية فى مجال الأسواق العالمية؛ لأنها تساهم فى تفاقم التوتر والضيق بشأن الثقافة وطرق الحياة التقليدية فى العديد من بقاع العالم. كما أن العائلة التقليدية مُهدَّدة،  فهى فى تغير وسوف يستمر تغيرها هذا باطراد. كذلك فإن تغيرات أخرى، مثل تلك التغيرات المتعلقة بالدين،  هى الأخرى تعانى من تغيرات نوعية، فالأصولية fundamentalism تنشأ عادة من عالم ذى تقاليد مُهدَّدة بالضياع.
 
إن ساحة المعركة فى القرن الحادى والعشرين سوف تضع الأصولية وجهاً لوجه أمام التسامح tolerance العالمي. ففى عالم يتجه نحو نظام العولمة، إذ يمكن أن تُرسل الصور والمعلومات عبر الكرة الأرضية بتواتر، نجد أنفسنا فى اتصال مستمر مع أناس آخرين يختلفون عنّا فى التفكير وفى طُرُق العيش. إن مناصرى العولمة يشجعون هذا الاختلاط الثقافي، أما الأصوليون فهم يعدونه خطراً ومُربكاً، سواء فى مجالات الدين أو القومية أو الهوية، فهم يلجؤون إلى تراث مُنقّى ومُجدَّد، وغالباً ما يلجؤون إلى العنف.
 
من المشروع أنْ نأمل فى انتصار النظرة الكوزموبوليتيانية( ) cosmopolitan (على الأصولية)؛ لأن تقبل التنوع الثقافى والديمقراطية مُرتبطان ببعضهما، والديمقراطية تنتشر الآن فى جميع أرجاء العالم. وتختبئ العولمة خلف انتشار الديمقراطية، وهى فى الوقت نفسه تكشف الحدود التى يمكن أن تصل إليها بنى الديمقراطية الأكثر شيوعاً؛ أعنى بذلك بنى الديمقراطية البرلمانية. ويجب علينا أن نزيد فى ديمقراطية المؤسسات الحالية بشكل يستجيب لمتطلبات مرحلة العولمة. فإن لم نتمكن من أنْ نكون أسياداً لتاريخنا، فلابد لنا من أن نجد الطُرُق المناسبة لإخضاع عالمنا الجامح هذا لسيطرتنا.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة