"اليوم السابع" ينشر مقال الناقدة أمل ممدوح الفائزة بجائزة المهرجان القومى

الأحد، 10 أكتوبر 2021 02:00 م
"اليوم السابع" ينشر مقال الناقدة أمل ممدوح الفائزة بجائزة المهرجان القومى اليوم السابع ينشر مقال الناقدة أمل ممدوح الفائزة بجائزة المهرجان القومي للمسرح
كتب : جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حصلت الناقدة أمل ممدوح، على جائزة المقال النقدي التطبيقي المتميز ضمن جوائز المهرجان القومي للمسرح المصري بدورته الرابعة عشرة برئاسة الفنان القدير يوسف إسماعيل، وتسلمت أمس درع المهرجان وشهادة التقدير في حفل الختام، وقد تشكلت لجنة تحكيم هذه المسابقة من كل: محمد شيحة، رئيسًا للجنة، أحمد مجاهد، سامية حبيب، خالد الطويلة، مقررًا للجنة.

و"اليوم السابع" حصل على نسخة من المقال بالتعاون مع الناقدة أمل ممدوح وننشره كنوع من التشجيع والدعم لتلك الناقدة المتميزة، والمقال كان بعنوان "كارمن من أقصى اليسار إلى اليمين" وهذا نص المقال:

الناقدة امل ممدوح
الناقدة امل ممدوح
 
الحب عصفور متمرد، لا يمكن لأحد ترويضه.. تدعوه بلا جدوى إذا كان لا يناسبه أن يأتي"، هذه بداية مقطع الهابانيرا، المقطع الأشهر من أوبرا "كارمن" التي كتبها الكاتب الفرنسي "بروسبير ميريميه"، وألف موسيقاها الموسيقار الفرنسي "جورج بيزيه"، تلك الأوبرا القائمة على فكرة الحرية الجامحة التي صارت "كارمن" رمزًا لها، الأوبرا التي كانت نفسها نوعًا من الثورة، فقوبل "بيزيه" بالهجوم من الجماهير لنهايتها الدرامية الدموية، ولم يرضخ للضغوط عليه لتغيير هذه النهاية، مصرًا على أن يقود الفنان الجمهور لا العكس، حتى يقال إنه مات بعد وقت قليل متأثرًا بإحباطه، فلم يشهد نجاحها الكبير المستمر حتى اليوم، كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيًا.. فهذه هي "كارمن"، الروح الجامحة الغجرية مفعمة الحياة، لمؤلف تحدى كبطلته السائد بإصرار، تتلقاها في هذا العرض المخرجة ريم حجاب، بإعادة صياغة ورؤية مغايرة وكوريوغرافيا، في عرض غنائي راقص بنفس اسم الأوبرا "كارمن"، قدم على مسرح الهناجر.

يبدأ العرض بإضاءة خافتة، يظهر على أثرها صف من الشخصيات بملابس بسيطة معاصرة من النساء والرجال، يرددون عبارات عن خفوت والأمل والإحباط حيث البدايات لا تظل كما هي ، لنبدأ في اكتشاف أنهم ممثلو فرقة يقدمون عرض" كارمن " ، ليسير العرض ممررا أفكاره المغايرة من خلال نفس أحداث الأوبرا وتصاعدها بشكل متواز ، قصة "كارمن" الغجرية الأسبانية المعروفة ، عاملة مصنع الدخان الجميلة المتمردة الجامحة، من أسرت قلب العريف "دون خوزيه "، حتى ترك عمله وعالمه إلى عالمها، ولم يستطع امتلاكها إلا بقتلها والتخلص من روحها المتمردة ، يمر العرض بنفس الفصول الأربعة التقليدية للأوبرا ، مع كسر الحالة الكلاسيكية من آن لآخر، وكسر الإيهام بالعودة للممثلين وحركتهم في كواليسهم ، من تحريك قطع ديكور أو تبديل ملابس، بينما يستمر الأداء وتكرار الجمل ، فلا حد فاصل تماما بين واقعهم وأدوارهم ، ولا اندماجية كاملة أيضا، تظهر كارمن في هيئتها الغجرية بتنورة حمراء وقميص أبيض وشعر غجري، تناظرها أخرى في ملابسها تماما، بينما تتشابه مع ملابسها ملابس بقية النساء مع اختلاف ألوان هذه الملابس، كذلك الرجال يظهر أغلبهم بنفس الملابس؛ إما ملابس العريف ، أو ملابس الغجر، فالناس فيما يبدو هنا إما جنودا أو غجر، كطرفين متضادين، لا يختلف قليلا في الملابس سوى الضابط ومصارع الثيران ، فيما تظهر شخصية مناقضة ومضادة لكارمن هي شخصية " ميكائيلا " خطيبة دون خوزيه، التي تمثل هنا الفضيلة، وبظهورها أيضا نجد بقية النساء بمثل ملابسها المحتشمة البسيطة التي تبدو فيها كالقديسة، ليضع العرض الشخصيتين بأفكارهما وطبيعتيهما كطرفين حادين يتم الجدل بينهما، كخطين من الأسود والأبيض نتتبع مسارهما ، حيث تظهر ميكائيلا تثير تضادا واضحا مع كارمن.

تحب كارمن خوزيه، لكن بطريقتها الهوائية ، قد تحبه اليوم لكن ليس غدا ، ويحبها خوزيه ويضحي بكل شيء لأجلها، تركت أهواءها بعض الوقت لأجله ، وترك واجبه لأجلها وعاش معها كما أرادت في عالمها الخطر أعلى الجبل، ليصبح تمسكها به ما يمكن أن يشعره بالقيمة الذاتية وقيمة تضحيته ، بعد أن غامر بكل شيء لأجلها، فقد وضعته في أزمة وجودية وأخلاقية، أصبح الإفلات من هذه الأزمة باحتفاظه بكارمن وامتلاكها، لكنها أيضا وضعته في منافسة مع مصارع الثيران " اسكاميللو"، الذي يعجب بها وتميل إليه تاركة خوزيه، خلال ذلك يظهر تكرارا جماعيا للحركات والجمل فيما يشبه الجوقة الإغريقية التي تنبه لبعض العبارات وتكررها، وفي الأغلب يكون التكرار ومحاكاة الفعل والقول من قبل نفس الجنس، فالنساء يحاكين كارمن والرجال يحاكون خوزيه في الأغلب ، وإن كانت بعض المواقع تجمع محاكاتها الجنسين، لكن السائد من الجنس الواحد، وكأن العرض يقول كل النساء كارمن وكل الرجال خوزيه، لكنه أيضا أحيانا يقول كل النساء "ميكائيلا "، وهنا يكون التضارب، كما لو كان الأمر نساء ورجالا وهذا الفصل الجنسي هي القضية الأساسية، وإن كان الأمر كذلك،  فإن التناول في هذه الحالة لا يضيف شيئا لأعماق الرجل والمرأة ولا لعلاقتيهما، وإن كان أيضا الأمر كذلك فما معنى إضافة مشاهد محاكاة النساء لميكائيلا نقيض كارمن ؟ فهل كل النساء أيضا ميكائيلا ؟ وإن كن كذلك والنساء يحملن الجموح والفضيلة أو الخير والشر معا في جدلية..فلم يكون الرجال فقط خوزيه؟ أم لكونه يحمل الخير والشر معا ؟ يبدو التكرار كما لو كان فقط لنزع الخصوصية الشخصية، ليبدو التعميم الجمعي كما لو كان يقر طبيعة أو حتمية عامة يدعمها، مما ينفي الجدلية التي يثيرها نفسها بالتضاد بين الطرفين؛ كارمن وميكائيلا أو كارمن وخوزيه، فلو كان كل النساء كارمن وميكائيلا فلم يكون الجدل ولم يثار ؟ ولم نعجب أن يحمل خوزيه وكل الرجال الخير والشر معا ؟ وهل الوجه الإنساني الواحد كأبيض أو أسود بالمعنى النفسي هو  المطلوب؟ وإن كان هذا التضاد طبيعة عامة فإن هذا يخفض كثيرا من الصراع وعمقه، لذا فإن عملية المحاكاة الجمعية جاءت مثيرة للتشوش في رؤية العرض وتناوله..لتبدو هذه المحاكاة متخبطة بين كونها إما منقسمة لجنسين يفهم أنهما قضية العرض (الرجل والمرأة)، وهو ما لا تتسق معه المعالجة ، او تعبير عن نمطين متضادين شخصيا وسلوكيا كالحرية والمحافظة، وهو ما أفسدته دلالات المحاكاة الجماعية  وإدارتها غير المتزنة، أو أنها تعبير جمعي واجتماعي عن الجميع أو كل المجتمع ، وهنا لا داعي لهذا التركيز على التقسيم الجنسي لرجل وامرأة ، قد يتضح الأمر تدريجيا بإثارة قضية الفوضى والواجب ، لتصبح كارمن رمزا للفوضى وخوزيه رمزا لصراع الواجب، وتصبح بالتالي قضية أخلاقية واجتماعية عامة ، ولنعد لهذه النقطة تفصيلا بعد قليل، ولكن  في هذه الحالة هل هذا التكرار والمحاكاة أفادا هذه الرؤية، أم قدما تشوشا وأخذانا لمنطقة خاطئة كعلاقة الرجل والمرأة بالتركيز على النوعين أو الجنسين؟ بينما من المعروف أن كل القصص الفردية يمكن جرها على المجتمع ككل،  فلا داعي للتركيز على التكرار ، كما يتنقل بنا العرض للحظات من السيطرة من قبل الرجال ولحظات محبذة للسيطرة من قبل النساء، فنراهن مثلا تشددن أذرع الرجال للخلف، الأمر الذي يتناقض من جديد مع ما يذهب إليه مسار العرض الذي لا يدعم الحالة الثورية بل يذهب لاحتواء الجموح والسيطرة عليه كما سنتطرق .

بينما كانت "كارمن" تؤكد حرية الفرد وفردانيته، وكانت صرخة مؤلفها أمام التدجين حتى في النهايات السعيدة؛ يسعى العرض لتدجينها لصالح المجتمع ، ونزع ميزتها وخصوصيتها رغم تمييزه لها ؛ فهو ينزع تفردها بدمجها وسط غيرها وتكرارها نموذجها، وبانتصاره لنموذج "ميكائيلا" وانحيازه لها، يضع " كارمن" بجموحها وتمردها نموذجا للخطيئة والدنس مقابل نموذج " ميكائيلا" المحافظ الطاهر، وهي مقابلة متطرفة بذاتها،  تريد أن تضع فكرة الفوضى مقابل الواجب، ثم يذهب بنا العرض لخط سياسي ضمني يوحي بفوضوية بعض الثورات ، برمزية موحية من خلال "اسكاميلو " مصارع الثيران بأنه المتصدي لها، ورمزية بصرية للثورة بشريط أحمر في رقبة الثور الذي يحاكيه أحد الممثلين، فكأن الثور يرمز للثورة الفوضوية، مع رمزية واضحة كذلك لبعض تفاصيل سياسية عايشناها، لتبرز هذه الرؤية لفظيا وبشكل مباشر بجملة " مصارع الثيران بإيده طوق النجاة وعيون بهية مستنياه "، في إشارة واضحة لثورة 25 يناير المصرية، ليجيء المشهد الأخير بقتل خوزيه لكارمن التي كانت ترتدي ثوبا أحمرا كاملا بالتوازي مع قتل سكاميلو للثور ذي الشريط الأحمر ، كمعادل لكارمن، بما يعني قتل الفوضى ورموزها، ولن أناقش هذا المضمون أو أختلف، لكنه جنح بفكرة العرض ومعالجته نحو أقصى يمين بعد أقصى يسار ، وفرغ كارمن من مضمونها الرومانسي وخصوصيتها ببساطة، كما أنه انتهج آليات متضاربة لتبني فكرة تقليدية بالانتصار فقط لنداء الواجب ، وهي الكلمة التي ترددت كثيرا؛ من خلال فكرة متمردة ، بتكبيلها وتفريغها من خصوصيتها الثورية الرومانسية لصالح حالة تقليدية تماما، في الوقت الذي اعتمد فيه هذا التفريغ على آليات متمردة كما سيأتي ذكره.

تضمن العرض ثلاثة خطوط متداخلة؛ أولها النص الكلاسيكي الأساسي وهو قصة كارمن، وثانيها خط معاصر يحمل الرؤية الاجتماعية لجدلية الهوى والواجب من خلال الفرقة وممثليها، وثالثها خط سياسي رمزي يحمل إسقاطات لأحداث الثورة وما تلاها التي شهدتها البلاد، قدم ذلك بمرافقة الموسيقى الأساسية للأوبرا وتصاعداتها التي أضافت الكثير للعرض، لكن المشكلة جاءت في تضارب الرؤى ، وذلك رغم الجهد وجودة الكوريوغرافيا والتعبير الحركي لريم حجاب، وجاذبية أداء الكثير من الممثلين، خاصة من قامت بدور كارمن المحاكية ومن قام بدور دون خوزيه، مع حيوية الإيقاع العام والحركة.

استند العرض على أوبرا  كلاسيكية، لكنه سعى لتكسير قالبها الكلاسيكي، جانحا بذلك لأسلوب التغريب الذي انتهجه في التناول أيضا، فالشكل الكلاسيكي استخدم كإطار  من خلال فكرة الفرقة،  بينما استخدم التغريب كمبرر درامي لهدم المواقف في ذروتها وكسر إيهام الشخصيات، سواء برؤية حركتها الطبيعية وتبديل ملابسها، فهذا التغريب في الأغلب الفائدة أو الضرورة الوحيدة لفكرة الفرقة التي توحي بالتمثيل الاجتماعي، حيث لم يفد وجود الفرقة شيئا حقيقيا للعرض سوى في استخدامها للتغريب ، هذه الفرقة التي نفاجأ بها تبدل تبدل عباراتها قبيل نهاية العرض لعبارات عن الصمود والأمل والحياة لمجرد قتل كارمن، إلا أن هذا التغريب وكسر الإيهام الذي بدا بمحاولات أخرى كإضفاء الحالة الشعبية المصرية من آن لآخر؛  هو بحد ذاته منهج ثوري، لكنه استخدم هنا لتقييد الجموح الثوري ، مما يظهر تخبطا وخشونة في التناول من جهة ، وفي تناسب الاختيارات والآليات من جهة أخرى ،  وبالتالي عدم تماسك نسيج العرض ، عزز الحالة المعاصرة واللمحة التغريبية رؤية جيدة للديكور صممها محمد العبد ، فجاء تجريديا مبسطا عبارة عن استاندات مفرغة يسهل نقلها لتعطي إيحاءا شديد البساطة بالمطلوب ، كغرفة أو إطار ما أو باب بإيحاءات متعددة ، مع إضاءة أقرب للإنارة في معظم الوقت ، فعلى المستوى الشكلي والبصري فالعرض له إيجابياته وحيويته الجذابة، وبه جهد جيد لريم حجاب ، وتقديرا للجهد نذكر بعض أسماء المشاركين في العرض: رانيا زهرة ، حسين الشافعي، نور هاشم، أحمد عادل، محمد غزاوي، محمد سوري، منى أبو ضيف، محمد محمود، أدهم شكر، سلمى طارق، محمد جا .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة