كاتب عراقى يروى قصص النجاة من الحرب وقوارب الموت والهروب من 8 نساء.. على بدر: غزو الكويت أحدث ثورة أكاديمية.. يؤكد: سلمان رشدى اعترف بالإسلام فى تعدد الزواج فقط.. وقرأت الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ فى 3 أشهر

الأحد، 07 أبريل 2019 04:30 م
كاتب عراقى يروى قصص النجاة من الحرب وقوارب الموت والهروب من 8 نساء.. على بدر: غزو الكويت أحدث ثورة أكاديمية.. يؤكد: سلمان رشدى اعترف بالإسلام فى تعدد الزواج فقط.. وقرأت الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ فى 3 أشهر الكاتب العراقى على بدر مع محرر اليوم السابع فى تونس
حاوره فى تونس - بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

» العرب فهموا الوجودية على أنها "سكر وعاهرات"
 
» لا يوجد طلب على الأدب العربى فى العالم كما نتوقع
 
» أجيد الفرنسية والإنجليزية ولا أكتب إلا باللغة العربية لأنها امتياز
 
» أكتب تجاربى الشخصية فى الروايات لأنها جزء من حركة العراق
 
» صدام حسين شوه الشخصية العراقية وأردت تصحيحها بالسخرية
 
» عشت فى عالم ملئ بالمهربين والحشاشين
 
» لا زلت أحلم بفتاة لبنانية تركتها وماتت
 
» "البيست سيللر" أدب شعبى موجه للبسطاء والغريب أنه يفوز بالجوائز
 
» قرأت الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ فى ثلاثة أشهر
 
» فى كل عام أتنبأ بالرواية الفائزة بجائزة ما

 

منذ عام 2001، وحتى يومنا هذا، استطاع الكاتب العراقى على بدر، أن يحجز لنفسه مقعدا بين الكتاب العرب الأكثر شهرة، وقراءة، وترجمة، فمنذ أن صدرت روايته الأولى "بابا سارتر"، والتى عالجت الوعى الثقافى الزائف، وأثر التيار الوجودى على المثقفين العراقيين فى الستينيات، وقد حازت هذه الرواية على عدة جوائز، وقد ترجمت إلى لغات عديدة، ووصولا إلى "الكذابون يحصلون على كل شيء" وهو يقدم مرآة عاكسة للحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية فى العراق، إذ تدور عوالمها فى بغداد وتتخذ من الطبقة الوسطى موضوعا لها، محاولا بذلك رسم صورة لتاريخ العراق.

 

واليوم، يعيش على بدر فى بلجيكا، بعد رحلة تجوال بين العديد من الدول العربية والأجنبية، وقد حل مشاركا على ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الثانية، وخلال هذا الملتقى، التقينا به، للحديث عن الجانب الإنسانى، الذى شكل وعيه، وأثر فى كتابته، بالإضافة إلى تجاربه، التى دائما ما يذكر جانبا منها فى رواياته، ويخفى جانبا آخر، ومن هنا كان لنا هذا الحوار.

على بدر يتحدث فى حوار خاص لصحيفة اليوم السابع
على بدر يتحدث فى حوار خاص لصحيفة اليوم السابع

 

فى البداية.. دعنا نتعرف عليك من خلال تواجد فى العراق وما بعد الخروج؟

أنا من جيل خرج من أزمة غزو العراق للكويت، والتى صنعت جيلاً عراقيًا متميزًا، ففى تلك الفترة، كان حزب البعث، قد المنع الكثير من الكتب، مثل البنيوية والتفكيكية، والتى لم تكن موجودة فى العراق إطلاقا، ولهذا فبعد غزو الكويت، كان الجيش العراقى قد أخذ جميع الكتب التى وجدها فى مكتبات الكويت، وأدخلها إلى العراق، وهذه الكتب حينما وصلت إلينا لم تكن قد تم فتحها، وكانت تتعلق بالمدارس الحديثة مثل البنيوية والتفكيكية، وكنا لأول مرة نرى كتب ميشال فوكو، وجاك دريدا، وغيرهما، وهذه الكتب أحدثت ثورة فى الأكاديمية العراقية، وبما أننى درست فى الجامعة، فى فترة التسعينيات، فكانت هذه أول مرة نحظى بقراءة هذه الكتب، ثم بدأنا فى الترجمة، وكنت فى هذه الفترة، أسعى لأن أكون أستاذا جاميعا، على غرار إدوارد سعيد، على سبيل المثال، ثم تم فصلى من الجامعة.

 

ولماذا تم فصلك من الجامعة؟

كنت أكتب أطروحة عن الوجودية فى العالم العربى، وخلال عملى وجدت بالمصادفة، خلال عملية القراءة والمقارنة بين العربية والأجنبية، وجدت أخطاءً كبيرة فى اللغة، ومن هنا سألت نفسى: إذا كانت هذه الأخطاء موجودة، فكيف فهمنا الوجودية؟، ومن هنا اعتمدت فى الأطروحة على إبراز هذه الأخطاء، التى لا تقتصر فقط على اللغة، بل على الفهم أيضًا، وكيف أن العرب فهموا الوجودية خطأ، ورأوا أنها ثقافة مضادة للنظم الاجتماعية، وأن المؤمنين بها، وكذلك أصحابها تنحسر رؤيتهم أو تصرفاتهم فى "السكر والعاهرات"، ولهذا تم فصلى من الجامعة، بعدما رفضت الأطروحة التى قدمتها، فقمت بتحويلها إلى رواية.

رواية بابا سارتر للكاتب العراقى على بدر
رواية بابا سارتر للكاتب العراقى على بدر

 

بهذه السهولة قمت بتحويل الأطروحة إلى رواية؟

ما ساعدنى على ذلك، هو أننى حينما كنت جنديا، كنت أحرص على أخذ عدد كبير من الكتب، وأقوم بالقراءة والترجمة، وفى الحقيقة لم أكن مترجما أمينا على الإطلاق، فمثلا أثناء قراءة رواية، إذا لم تعجبنى شخصية، أقوم بحذفها، ومن ثم أضيف إليها شخصية جديدة، ومن هنا أصبح لدى عدد لا بأس به من الكتب، التى لا هى مترجمة ولا هى مؤلفة أيضًا، ومن هنا ساعدتنى عملية الترجمة على فهم النص من الداخل، فالترجمة هى تفكيك النص وإعادة كتابته من جديد.

ومن هنا، فحينما جئت لأكتب، كانت لدى القدرة على كتابة الرواية، بالإضافة إلى ما أصبح لدى من غزارة فى المعلومات، ففى تقديرى أن الرواية هى عملية بحث، ومعرفة، تقدم بأسلوب سردى، وهكذا كتبت رواية "بابا سارتر" التى تسخر من جيل الستينيات.

 

وهل قبلت دار النشر إصدار الرواية بسهولة؟

أرسلت الرواية إلى دار نشر، لكن الناشر رفضها، وانزعج منها، ثم بعثتها إلى دار رياض الريس، ونشرت بالفعل، وأحدثت ضجة.

 

وكيف تلقى العراق هذه السخرية؟

السطلة دائما متجهمة، ولهذا اعتبرت أن السخرية قادرة على تفكيك هذا الجمود، وكنت فى هذه الفترة متأثرا بالرواية الأمريكية، وباليهود الأمريكان، الذين قدموا روايات سخروا فيها من شخصية اليهود، ولكن فى النهاية، جعلوا القارئ يحبه، وكنت أرى أن صدام حسين شوه الشخصية العراقية، حيث أعطاها طابعا قاسيا ومتجبرا، وأنا أردت تقديم شخصية تسخر منها ولكنك تحبها، ولكن فى العراق، تم فهم الأمر بشكل آخر، فكانت التربية تركز على أن شخصية العراقى صارمة وجدية، وعلى العكس فعلت، فقدمت شخصية بهلوانية، وهو ما جعل الكثير يعتقد أن هذا تعدى على الشخصية العراقية.

 

وهل تعرضت لأية مضايقات؟

بالطبع، الكثير من المقالات، إضافة إلى منع الرواية داخل العراق.

 

وماذا فعلت؟

كنت قد تركت العراق، فى عام 2000، وذهبت إلى ليبيا، بحثا عن أى عمل، فبعد أن أرسلتها إلى رياض الريس، سعيت للبحث عن العمل، وراسلت صديقا يعيش فى ليبيا، فأبلغنى أن هناك مخرجة إيطالية، تقوم بتصوير فيلم عن ليبيا، وتبحث عن ممثل، فقلت له "أنا ممثل"، فأبلغنى أن هناك اشتراطات فى الممثل المطلوب، وهى: يجيد السباحة وركوب الخيل ولديه إلمام باللهجات المحلية لشمال إفريقيا، فقلت له وأنا ملم بهذا، وبالفعل، قاموا بحجز التذاكر لى، وسافرت.

 

وهل تجيد التمثيل والتحدث باللهجات؟

بمجرد أن التقيت بالمخرجة، اكتشفت بعد مرور 10 دقائق، أننى "بحياتى لم أركب الخيل ولا أجيد السباحة وليس لدى أى معلومة عن لهجات شمال إفريقيا"، ولكنهم كانوا قد تكفلوا بنفقات السفر، فما كان منهم إلا أن حاولوا تعليمى، وبقيت لمدة عام، فى تصوير الفيلم، حتى شهدنا مغامرات كثيرة، مثل انفجار لغم فى بير موسى ونجونا من الموت بأعجوبة.

 

وكيف انتهى الأمر؟

كان العقد الذى وقعته غريبا، ولم تكن لدى خبرة فى هذا، كان به فساد يتمثل فى إطالة مدة تصوير الفيلم، ولهذا أرادوا الاستمرار فى العمل، وقاموا بإخفاء جواز سفرى، لكننى تمكن من سرقته، ثم دخلت على مصر بطريقة غير شرعية، واتجهت إلى مرسى مطروح، لأننى كنت أبحث لغز جندى بريطانى قتل فى معركة العلمين ودفن هناك، ورأيت أنها فكرة جميلة لتتبع آثاره، لكن تم القبض على، وترحيلى إلى عمان، ومن عمان ذهبت إلى العراق، ومن العراق دخلت على سوريا بشكل غير شرعى، وبقيت فى سوريا فترة، ثم ذهبت إلى بيروت، وعملت هناك حتى قبيل سقوط النظام العراقى بأشهر، كل هذا، وأنا لا أعرف أن الرواية صدرت، وأحدثت ضجة، ومنعت.

 

ومتى علمت بذلك؟

حينما وصلت إلى العراق، كنت قد كتبت روايتى الثانية، وقبل ضرب العراق، كنت قد حصلت على جائزة الدولة العراقية، لأنهم كانوا بحاجة إلى إحداث ما يشبه المصالحة، وكنت بحاجة إلى المبلغ المالى، فقبلت الجائزة، ثم حدث الغزو الأمريكى للعراق، وانضممت إلى الجيش.

الحرب الأمريكية على العراق
الحرب الأمريكية على العراق

 

وشاركت فى الحرب؟

نعم

 

وما هى ذكرياتك عن الحرب؟

قاتلت كجندى مثل الآخرين، كنت فى سلاح الدبابات، ونجوت من الموت بأعجوبة.

 

ومتى غادرت العراق؟

قبل أن أغادر العراق، كنت أعمل مراسل حرب للصحف الأجنبية، نظرا لخبرتى فى الكتابة باللغة الإنجليزية والفرنسية، ثم وجدت نفسى أمام مشكلات وبخاصة مع الجماعات الإسلامية.

 

وكيف تمكنت من الخروج؟

كنت فى هذه الأثناء، أحب فتاة عراقية، وهى أستاذة بالجامعة، منذ عامين، وكان لديها طالبة إيطالية، هربت مع الفتاة إلى إيطاليا، وذلك بعدما ذهبت الإيطالية بشكل رسمى إلى سوريا، ومررت أنا على سوريا "تهريب"، ثم ذهبت هى إلى إيطاليا، بعد أن مكثنا فترة، ومن خلال أصدقائى هناك، ساعدنى أحد المهربين بالخروج إلى شمال العراق، ومن شمال العراق ذهبت إلى تركيا، ثم عبرنا إلى اليونان.

 

لا شك أنها كانت مغامرة مليئة بالمفاجآت؟

بالتأكيد، مثلا، فى البحر تعرضت العبارة إلى عطل بعدما تعرضنا لعاصفة، وكنا على وشك الموت، خلال رحلتى هذه، عشت فى عالم ملئ بالمهربين والحشاشين، وكتبت جزء منه فى رواية "عازف الغيوم".

 

وبعد أن وصلت إلى اليونان ماذا فعلت؟

من اليونان ذهبت إلى بلغاريا، ومن هناك اتجهت إلى أوروبا، حتى وصلت إلى إيطاليا.

 

والتقيت بصديقتك الإيطالية؟

فى إيطاليا حصلت على وثيقة سفر، وكان للإيطالية صديقة هولندية "حلوة"، واتفقت أنا والهولندية على الهروب إلى أمستردام.

 

وصديقتك الإيطالية؟

"جن جنونها" ظلت تبحث عنى كثيرا، حتى ظننت أنها إذا وجدتنى ستقتلنى.

 

وماذا فعلت فى أمستردام؟

فى أمستردام بقيت مع الهولندية فترة، وكان لديها صديقة بريطانية، أحببتها، وهربت معها إلى أفريقيا، وكتبت رواية "لا تركضى وراء الذئاب يا عزيزتى"، وفى أفريقيا تعرفت على فتاة وذهبت معها إلى السنغال، ثم ذهبنا إلى هنجاريا، وهناك افترقنا، ذهبت هى مع صديق فرنسى، وأنا ذهبت مع هنجارية.

 

وماذا فعلت هناك؟

شعرت بأننى بحاجة إلى العودة للأراضى العربية، فعدت إلى لبنان، وبقيت فترة، وعشت مع فتاة لبنانية، بقيت معها ثمانية أشهر، حتى تعرفت على صديقتها الفلسطينية، وهربت معها إلى عمان.

 

بهذه السهولة كنت تتنقل من صديقة إلى أخرى؟

فى كل مرة أهرب فيها مع امرأة جديدة، فلا أواجهها، بل أكتب لها رسالة.

 

وهن ماذا كن يفعلن؟

للفتاة اللبنانية قصة خاصة، ففى ذات يوم، وأنا هناك كنت أسأل أحد الأصدقاء عنها، فقال لى بأنها ماتت، وقتها شعرت بالرعب، فلم أصدق نبأ وفاتها، والذى قيل بأنها غرقت أثناء السباحة فى البحر.

محرر اليوم السابع يحاور العراقى على بدر فى تونس
محرر اليوم السابع يحاور العراقى على بدر فى تونس

 

لماذا.. هل أحببتها دونا عن الآخريات؟

كنت أريد رؤيتها بالفعل، ولكننى شعرت بأنها انتحرت، وأعتقد أنها تأثرت كثيرا لأننى تركتها.

 

لماذا هى تحديدا؟

لأننى لما تركتها، وأرسلت لها خطابا، طلبت منى أن أرسل عنوانى، فبعثت لى "بلوفر" قامت بحياكته، وقتها بكيت وتأثرت كثيرا.

 

لهذا أحدثت أثرا معك؟

فى الليلة التى علمت بوفاتها، ذهبت إلى الفندق الذى أمكث فيه مشيا، متخذا طريق البحر، فأصبت بالبرد، فى تلك الليلة، رأيتها فى الحلم.

 

وهل تذكر تفاصيل الحلم؟

كانت تتحدث معى، وأنا أسألها عن أحوالها، لكن صوتها كان متغيرا، وفى النهاية قالت لى تعال، ولما هممت بالذهاب إليها، استيقظت من الحلم، وحتى يومنا هذا، دائما ما أحلم بها بين حين وآخر، وخاصة حينما أكون مريضا، وصرت متيقنا أننى سأذهب إليها بعدما أموت.

 

نعود لصديقتك الفلسطينية؟

كنت فى عمان، وافترقنا، وكنت أكتب فى ذلك الوقت مقالات عن الفلسطينيين، تسببت لى فى مشكلات، فتم ترحيلى، فهربت من جديد، وخرجت من الأردن إلى سوريا، ثم تركيا، حتى وصلت إلى بلجيكا.

 

وكيف تمكنت من دخول بلجيكا؟

طلبت لجوءا سياسيا، وحصلت عليه، وساعدنى فى ذلك، أن رواياتى كانت مترجمة إلى عدة لغات، وكان ذلك فى عام 2008، مع ظهور رواية "حارث التبغ"، أضف إلى ذلك، أننى حصلت دعم من الكاتب أمين معلوف، وسلمان رشدى، والطاهر بن جلون.

سلمان رشدى
سلمان رشدى

 

أنت صديق للكاتب سلمان رشدى؟

نعم

 

حدثنى عن ذكرياتك معه؟

لى قصة "تهلك" من الضحك. أنا لم ألتق به من قبل، لكن ناشرى الأجنبى هو نفسه الناشر الأجنبى له، وهى دار بلومزبرى، فطلب من سلمان رشدى، أن يكتب كلمة لروايتى، وفعل، وحينما ذهبت إلى بريطانيا لتوقيع الرواية، دعانى الناشر لعقد ندوة، وقيل لى بأن هناك فرصة للتعرف على سلمان رشدى، وفى هذه الأثناء، كان هو قد تزوج حديثا، وعلمت أن هذه هى زوجته الثالثة أو الرابعة، فضحكت وقلت: "هو ضد الإسلام ولكن فى الزواج لا".

 

وماذا حدث عندما زرت سلمان رشدى؟

كان هناك شرط فى الدعوة، وهو أن أرتدى "البدلة السموكن"، وكنا يوم سبت، وعلينا أن نبحث فى المحلات قبل أن تغلق، ولم يكن معى أموال، فقررت الدار أن تستأجر لى بدلة، وذهبنا، وعلمت حينها أنه لم يكن يتذكرنى.

مايكل أونداتجى
مايكل أونداتجى

 

وماذا حدث فى هذا اللقاء؟

التقيت بالكاتب السيرلانكى مايكل أونداتجى، صاحب رواية "المريض الإنجليزى"، وهو شخص ودود، تحدثنا وضحكنا كثيرا، وصرنا أصدقاء.

 

على ذكر الأصدقاء.. من مشاهير الكتاب تعرفت عليهم؟

أورهان باموق، تعرفت عليه قبل أن يحصل على جائزة نوبل للآداب، كنت أعرف المترجم الخاص به.

أورهان باموق
أورهان باموق

 

وما هى ذكرياتك عن أورهان باموق؟

فى رأيى أنه شخصية قبيحة جدا، فهو على المستوى الإنسانى ودود، ولكن الطريقة التى يتحدث بها متوترة، وله موقف دائما ما أنتقده عليه.

 

أذكر لنا المواقف؟

حينما ترك زوجته المعمارية، وذهب إلى ابنة الكاتبة البريطانية أنيتا ديساى، وفى ذات يوم، قام أحد مصورى "باباراتزى" بالتقاط صورة له معها على الشاطئ، وكتبت الصحافة الفرنسية "ميسو نوبل مع مدموزيل البوكر"، وكتبت مقالا عن هذا، وانتقدته فيها.

 

ولماذا انتقدته فى حين أنك اعترفت منذ قليل بهروبك الدائم من النساء؟

لا أعرف حقيقة لماذا انتقدته، بين حين وآخر، تبرز بعض النوازع الأخلاقية لدى، وأعتقد أن هذه تناقضات إنسانية.

سقوط بغداد
سقوط بغداد

 

ككاتب.. كيف تلقيت نبأ سقوط بغداد؟

حينما ضربت بغداد، شعرت بأن العراق من الممكن أن يتم محوه من الخارطة، هو حس تراجيدى كبير، أن تشعر بنفسك حيا، وأن بلدك يكاد يختفى، ومن هنا رأيت أن الرواية هى إعادة بناء الأمة عن طريق السرد، وأن العراق لو كان انتهى، فإن السرد سيحفظ وجوده، فالرواية الفرنسية هى التى خلقت الأمة الفرنسية، وكذلك البريطانية، والروسية، ومن هنا سألت نفسى: هل بالإمكان خلق أمة عراقية عن طريق الرواية العراقية؟، ومن ثم بدأت فى هذا المشروع.

 

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

 

وكيف بدأت مشروعك؟

كان لدى نموذج عربى، وهو الكاتب نجيب محفوظ، فهو من بنى الأمة المصرية عن طريق الرواية المصرية، وهنا أتذكر، حينما أهدتنى أسرتى الأعمال الكاملة لنجيب محفوظ، وقرأت أعماله خلال شهرين أو ثلاثة، وطلبت منهم أن أقرأ روايات عراقية تشبه رواياته، وشعرت بآسى بأنه لا يوجد لدينا مثله، وحينما بدأت فى مشروع كنت أفكر فى نجيب محفوظ.

أديب نوبل نجيب محفوظ
أديب نوبل نجيب محفوظ

 

لكنك قلت أن الرواية العراقية نجت من آثار الرواية المحفوظية؟

اختلافى عن نجيب محفوظ، هو اختلاف العراق عن مصر، فنجيب محفوظ هو من بنى فكرة الرواية العائلة، التى تقوم على شخصية الأب، ولكن فى العراق، فإن قوة السلطة حرمت الأب من دوره، وغيرت من مفهوم الأبوة، حيث صارت السلطة هى الأب، هى المخيف، وأصبح الأب مثل رتبة كرتبة الأفراد فى الجيش، وفى إحدى رواياتى تناولت كيف تسقط شخصية الأب أو الجد بفعل قوة السلطة فى العراق، ومن هنا رأيت كيف أفلتت الرواية العراقية من آثار الرواية المحفوظية واتجهت إلى تحليل السلطة، وهذا ما عملت عليه فى رواياتى، فضلا عن هذا، أنا أستخدم السخرية، كأداة لتفكيك السلطة.

 

هل تتفق مع من يرى أن أزمة بغداد أحد أسباب ترجمة الرواية العراقية؟

صحيح، فحينما تحدث أزمة فى بلد ما، فإن من بين الأشياء التى يتم التفتيش عنها، هو الرواية، كنوع من التعرف على الدولة، فالأدب العربى فى العالم ليس عليه طلب بالشكل الذى نتوقعه نحن، فحينما تتصدر دولة ما عناوين الأخبار على الشاشات لديهم، يحبون أن يتعرفوا عليه، وحينما يترجمون لكاتب ما، وتحقق هذه الترجمة النجاح المطلوب، يقومون بترجمة أعمال أخرى له.

جائزة مان بوكر للرواية
جائزة مان بوكر للرواية

 

تكتب وتتحدث بالفرنسية والإنجليزية.. هل فكرت فى جوائز مثل مان بوكر أو جونكور؟

بالنسبة لى، الكتابة هى خيار سياسى وثقافى، وصراحة وبعيدا عن القول بأننا لا نكتب من أجل الجوائز، إلا أن الرواية هى كتابة تاريخ الأمة عن طريق السرد، كما أن اللغة العربية هى امتياز كبير، وحينما أتحدث مع الأجانب، أقول لهم بأنه يمكننى أن أقرأ مخطوطة منذ 1400 سنة، بينما الأوروبى لا يمكنه أن يقرأ مخطوطة كتبت قبل 200 عام، كما أننى أكتب بلغة يحلم بها مليار مسلم، فى حين أن أى لغة لا يتكلمها 100 مليون شخص، فكنت أقول لهم بأننى سأكتب بالعربية، وهم سيترجمون أعمالى، وهذا ما حدث، بعدما تمت ترجمة رواياتى إلى 15 لغة.

 

قلت بأن الرواية ستحل يوما محل العلوم الإنسانية.. فكيف سيحدث ذلك ولماذا؟

لا أعرف متى، ولكن العلوم الإنسانية الآن، تتجه نحو السرد، فحينما تقرأ كتب الأنثروبولوجية تجدها سرد، وكأنك تقرأ رواية، والآن هناك مدرسة فى الهند، تقوم بكتابة التاريخ على شكل رواية، فالرواية لم تعد مجرد "حدوتة"، بل صارت تعتمد على المعرفة.

رواية الكافرة للكاتب على بدر
رواية الكافرة للكاتب على بدر

 

بين التجربة الشخصية والحركة التاريخية تأتى رواياتك.. فهل يمكننا وصف ما تقدمه بالتاريخ الموازى؟

طبعا، ولكن بعضه متخيل من فترات سابقة، فأنا أحاول أن أجعل نفسى بهذا الشكل الماضوى، وكأننى أعيد تجربة وجودى فى أزمان ماضية، كما أننى أروى تجاربى الشخصية، لأنها نتيجة لحركة العراق، ومن المؤكد أنه لولا العراق لما اتخذت هذه التجارب التى عشتها.

على بدر يتحدث فى حوار خاص لصحيفة اليوم السابع
على بدر يتحدث فى حوار خاص لصحيفة اليوم السابع

 

ولكن يقع الكثير من القراء فى فخ المطابقة بين رواياتك والواقع.. فهل تتعمد ذلك؟

ليس لدى أية قدرة على كتابة أى شيء ليس لدى معه تجربة شخصية، حتى وإن كانت الرواية مليئة بالخيال، فأنا لا أشبه الكاتب الذى يجلس ويتخيل، ولا أستطيع الثبات فى مكان واحد، بل أتحرك بين التاريخ والجغرافيا، وبالتالى فإن روايتى جزء كبير منها هو تجربة شخصية.

 

عادة ما تذهب إلى الوقائع أو الأحداث من خلال الوثائق حتى لو كانت متخيلة.. فلماذا؟

الوثيقة بالنسبة لى، هى الوجود المادى لحدث وقع بالفعل، وبالتالى فإن فكرة الحقيقة والخيال، فإن حدودهما فى حياتى ملتبسة، فالوثيقة مثلما تدعم وقائع حقيقة، هى أيضا تدعم وقائع متخيلة، وهنا أشير إلى أننى حينما درست العلوم الإنسانية، لأن العلوم الإنسانية تبحث عن الوقائع، ولهذا تركتها وذهبت إلى الرواية، لأن الناس لا تعيش على الوقائع فقط، بل على الأوهام أيضًا، فأنا لا يمكننى أن أقرأ رواية فنتازية فقط، بل يمكننى أن أقرأ رواية يختلط فيها الواقع بالخيال، ومن هنا فإن الوثيقة تؤكد الواقع، والأحداث تؤكد الخيال، لذلك بالنسبة لى فإن الرواية، هى فن الاحتمال، بشرط أن يكون هذا الاحتمال قائما على وثيقة، ولهذا، فإذا لم أجد وثيقة، أقوم باختراعها.

 

على الرغم من أنك حصلت على جوائز أدبية إلا أنك تهاجمها؟

لا شك أن الجائزة أدبية شئ عظيم، وهى مثل البطولات الإغريقية، والأديب يستحق أن يحصل على جائزة، ولكن ما نحتاجه هو أن يكون أعضاء لجان التحكيم، على دراية ووعى تام بأحقية كل عمل فى الفوز بجائزة أما لا، ولكن للأسف الشديد، فإن الفساد الذى نعيشه، أفسد الأدب أيضًا، هذا فضلا عن ضعف الثقافة، والتقاليد الأدبية فى العالم العربى، فهناك الأدب الشعبى وهو "البيست سيللر"، ويحصل أمواله من الجمهور، فهو أدب للبسطاء، أو غير متعلمين بالمعنى الثقافى، وهنالك أدب عظيم، الذى يكرس كل حياته من أن يعمل على ترقية اللغة وإعلاء الثقافة، وهذا الأدب العظيم، مبيعاته فى الغالب قليلة، وهذا هو الذى يستحق الجوائز، ولكن على العكس، فإن الأدب الشعبى هو الذى يحصل على الجوائز، وهذا خطأ كبير.

 

أضف إلى ذلك، إلى أنه من الصعب اليوم، أن نقوم أن لدينا نقاد فى العالم العربى، لأن خياراتهم تنم عن الفهم الحقيقى للحركة النقدية، وفى كل عام، أنا أتنبأ باسم الفائز فى جائزة ما.

 

ولكن ماذا لو تم إعلان فوزك بجائزة ما وسبق وانتقدتها.. هل ستقبلها؟

نعم، لأننى أستحقها، وهناك الكثير يحصل عليها ولا يستحقها، ولكن ما لا تعلمه، هو أننى امتنعت عن المشاركة فى العديد من الجوائز، قررت الانسحاب قليلا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة