فن التصوير من أعقد الفنون التى تتطلب مهارات عالية بصرية وحسية وإدراك من الصور بطبيعة المشهد، لذا فإن كتاب "التصوير فى مختلف الوسائط" (الفوتوغرافى – السينمائي- التليفزيونى) للدكتور هشام جمال الدين الأستاذ فى المعهد العالى للسينما بالقاهرة، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يسد قدرة الكتب التى تتناول فى العربية فنون التصوير.
يعتمد هذا الكتاب على شرح وتقدير كل ما يتعلق بهذا النوع من الفنون البصرية السينمائية والرقمية الحديثة أو يرتبط من الناحية الإبداعية، يعتمد هذا الكتاب فى مادته على تضافر كل من العلم والتطبيق فى نسيج علمى حديث، من هنا نكتشف فنون وعلوم الصورة فى مختلف الوسائط.
فى هذا الكتاب الشامل سيقف قارئ الكتاب أمام فصل التكوين فى الصورة، فى هذا الفصل يرى هشام جمال الدين أن المبدعين والمنظرين يختلفون حول تفسيرهم وتعريفهم لفن التكوين بوجه عام، فالبعض يراه من الناحية الإبداعية المطلقة والبعض الآخر يراه من زاوية حرفية وتطبيقية، فالذين يصفونه من الناحية الإبداعية يستندون إلى مفهوم بلاغى يرى أن الهدف الأساسى للعمل هو الذى يجب أن يحدد روح التكوين فى الصورة وإحساسه بشكل لا تتدخل فيه الصدفة على أسلوب ترتيب العناصر البصرية فى علاقات جمالية وإبداعية غير عابرة، وأما من يرونه من الزاوية الحرفية والعملية فيجدون أن الأمر ما هو إلا عبارة عن مجموعة من العناصر يتم جمعها داخل إطار الصورة بشكل يتلاءم مع هوية العمل الفنى وبما تفرضه طبيعة وجغرافية المكان وعناصره التى يحتويها، وأن براعة فنان الصورة تتجلى فى كيفية ملاءمة هذه العناصر بما يخدم عمليته الفنية.
ويرى المؤلف أننا سنجد أن التكوين هو فن تنسيق وترتيب العناصر البصرية داخل إطار الصورة، هو تلك الخطوط والمساحات والكتل التى تندمج وتمتزج لتشكل فى محتواها عملاً فنيًا متميزًا جديرًا بالاهتمام، هذا الامتزاج بين عناصر الصورة قد يختلف من مدرسة إلى أخرى ومن اتجاه فنى إلى آخر، ومن ذوق فنان إلى إحساس فنان، ومن إعداد منسق بعناية إلى آخر عشوائى فى مكوناته بحيث يختلف كل ذلك تبعًا لطبيعة وهوية كل فن ومؤيديه، ولكنه فى النهاية يلتقى عند حواس الفنان المبدع ليصنع بإحساسه المرهف منظومة تكوينه داخل إطار محدد لتصبح عملاً فنيًا متميزًا.
فالتكوين هو قوام أى عمل فنى مرئى يخرج فيه الفنان المبدع كل طاقاته الفنية والإبداعية بشكل منظم؛ ليرسله إلى عين المتذوق وإحساسه فى رؤية فنية متكاملة عن موضوعه الفنى التى تعكسه ماهية العمل لتوصيل إدراك المعنى والمضمون للمتلقي.
أهمية التكوين فى العملية الإبداعية:
ولعل ما يفسر أهمية التكوين من وجهة نظر هشام جمال الدين فى العملية الإبداعية بشكل عام هو اختيار الفنان له كعامل أساسى فى بداية أى عمل فني، بمعنى أن تنسيق العناصر المكونة للصورة هو أكثر ما يهمه فى بداية عمليته الإبداعية لإدراكه الشديد بأن كل ما يلى ذلك يتوقف على نتاج هذه المرحلة.. فالتكوين الناجح هو الذى يترك تأثيرًا مباشرًا فى الملتقى بطبيعة هذا العمل وبعد ذلك يبدأ الفنان فى تحقيق باقى المقومات الإبداعية الأخرى لعمليته الفنية من تخيل لمصادر الإضاءة وما لها من تأثيرات إبداعية، إذ أن للإضاءة أيضًا دورًا مهمًا فى تشكيلية محتوى الإطار بالعملية الفنية، وهذا ما يؤكد أن التكوين هو صورة من صور التكامل فى العمل الفنى التى يحاول دائمًا فنان الصورة أن يسعى إلى تحقيقها بالتنسيق بين أدواته وعناصره الفنية المتاحة، والتى يعود دائمًا لخبرته الذاتية الإبداعية فى توجيه تلك الأدوات لتحقيق هذا التكامل الفني، وهنا نجد أنه لا يكفى مجرد اختيار وضع معين أو زاوية معينة للصورة يبدو الموضوع من خلالها جيدًا ومرضيًا إلا إذا كانت باقى العناصر ا لأخرى محققة بعناية داخل حدود الصورة.
ويفرد المؤلف فصلاً آخر شيقا عن الإضاءة إذ يرى أن الإضاءة تمثل فى مجال التصوير –بوجه عام- أحد أهم العوامل التى تتعلق ليس فقط بجودة ووضوح الصورة من الناحية التقنية Image quality، وإنما ترتبط أيضًا بالقيم الفنية التى يسعى مدير الإضاءة إلى تحقيقها كوظيفة تعبيرية، تتمثل فى إمكانية خلق وتجسيد المعانى الدرامية الذى تعكسها طبيعة العمل، حيث تتوقف القيم الجمالية فى اللقطة التى تم تصويرها على مدى قدرة المصور فى توقيف عناصر الضوء بما يخدم غايته الفنية التى يرد الحصول عليها للتأثير فى المشاهد.
وهنا تكمن الأهمية الحقيقية للإضاءة فى قدرتها على إبراز جماليات الصورة بما يتناسب مع التأثير الدرامى المطلوب منها، ويؤكد أنها ليست مجرد وسيلة تمكن آلية التصوير من الحصول على صورة جيدة وصحيحة التعريض، بل تؤدى إلى جانب ذلك دورًا إبداعيًا وتفسيريًا مهمًا بالنسبة إلى المشاهد، فالإضاءة هى ليست مجرد وسيلة لإنارة المشهد بقدر ما يجب أن نعمل على توظيفها فنيًا حتى تكون معبرة عن إحساس اللقطة، فليس من المهم أن نحقق إضاءة فى الصورة بقدر ما يجب أن نوظفها دراميًا.
