خالد عزب يكتب: تاريخ مدرسة فقهية.. الانتشار المبكر للمذهب الحنفى

الأربعاء، 07 فبراير 2018 12:00 ص
خالد عزب يكتب: تاريخ مدرسة فقهية.. الانتشار المبكر للمذهب الحنفى غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر عن المؤسسة العربية للفكر والإبداع، كتاب "تاريخ مدرسة فقهية.. الانتشار المبكر للمذهب الحنفى"، وهو من تأليف نوريت تسفرير. الكتاب كان رسالة دكتوراه نوقشت فى جامعة هارفارد، ترجم الكتاب إلى العربية محمد خالد دراج ومحمود المراغى وقام بتقديمه الدكتور رضوان السيد.

 

يحاول هذا الكتاب كتابة تاريخٍ لنشوء المذهب الحنفى (بين 150ه وإلى 300 ه). والعام 150ه هو عام وفاة الإمام أبى حنيفة الذى يُنسبُ تأسيس المذهب إليه، وقد اعتمد كاتب هذه الأطروحة عن المرحلة المبكرة فى حياة المذهب الحنفى نوريت تسفرير منهجاً خارجياً _إذا صح التعبير_ فى كتابة تاريخ المذهب، وأسمى المذهب أو الطريقة بالخارجية، لأنها تعتمد كتاباً لتراجم الحنفية الأوائل هو الجواهر المضية يعود للقرن الثامن الهجرى. وهى طريقة خارجيةٌ أيضاً، لأنها تعتمد على تراجم الفقهاء وليس على قراءةٍ داخليةٍ لتطور آرائهم. وعذر المؤلف أن الأحناف ما كتبوا فى التراجم فى أزمنة المذهب الأولى، وأن العروض الجزئية ضاعت. بيد أن هذا ليس عذراً، لأنه كان يستطيع اللجوء إلى كتب المذهب الأولى من جيل تلامذة أبى حنيفة، وتلامذة تلامذته. وهؤلاء يغطون فترةً تصل إلى حوالى 250ه. لكن تسفرير آثر على أى حال هذه الطريقة لأنه اعتبرها أسهل وأسرع.

 

طرح الكاتب عدة أسئلة مهمة، يتصل أولها بمصطلح المذهب ومعناه، ومتى صارت التسمية متداولةً، وكيف يمكن فهمها. فطوال القرن الثانى الهجرى ظل الحديث جارياً عن العراقيين والحجازيين، ثم عن الرأى العراقى والسنة المدينية أو المكية. وقد تعاظم الاختلاف بينهما، رغم المشتركات الكثيرة. ومع مطالع القرن الثالث صرنا نقرأ عن فقه مالك أو رأيه، وفقه أبى حنيفة وأصحابه.

 

ويرى رضوان السيد أن النقلة حدثت بحيث ظهرت المذاهب الشاملة بدلاً من الحديث عن فقهاء الأمصار بعد الإمام الشافعى الذى تحدث تلامذته عن مذهبه القديم بين المدينة وبغداد، ثم عن مذهبه الجديد بمصر. وقد اصطدم الشافعى بالاتجاهين القديمين: اتجاه مالك، واتجاه أبى حنيفة، فدفع ذلك الأطراف الثلاثة للتطوير والتجديد باتجاه التمذهب الشامل، بدلاً من الانتساب إلى المدينة، والكوفة، ومكة،.. إلخ.

 

أما المسألة الثالثة التى طرحها الكاتب وتحدث فيها كثيراً، فهى تقريراته عن عشرات الشخصيات من القرن الثانى وأوائل الثالث والذين يسميهم أشباه أحناف أو أنصاف أحناف. وهو يقصد بهم أولئك الذين أخذوا فى الوقت نفسه عن أبى حنيفة وتلامذته، وعن خصومهم من الحجازيين ومن أهل الحديث أو أهل السنة. والواقع أنه فى حالة كثيرٍ من هؤلاء يرى رضوان السيد أنه ما كان هناك داعٍ للتشكيك فى حنفيتهم، وفى حالة آخرين ما كان هناك داعٍ لذكرهم بين الأحناف أو أشباههم.

 

ويذكر رضوان السيد مثالين على ذلك، الأول، محمد بن الحسن الشيبانى تلميذ أبى حنيفة المشهور، الذى روى الموطأ عن مالك، وهى روايةٌ ما تزال موجودة وقد نشرت. فالرجل أراد بوضوح(غالباً بعد وفاة أبى حنيفة) معرفة آراء خصومة بدقة، وتوسيع ثقافته ومنهجه لجهة الحديث والسنة وعمل أهل المدينة. وقد رد الشيبانى على مالك فى كتابٍ ضخمٍ سماه: الحجة على أهل المدينة.

 

والحالة المعاكسة يمكن مراقبتها فى الكوفة بالذات لدى وكيع بن الجراح، الذى يتشرف الأحناف بأنه أخذ عن شيخهم. وهو فى الحقيقة محدثٌ و زاهد، ولا علاقة حقيقية له بأهل الرأى وهو يحب الانتساب إلى أهل السنة. وكان سفيان الثورى الكوفى معاصراً لأبى حنيفة وخصماً له، لأنه كان أميل إلى أهل الحديث. لكنه ظل مستقلاً عن المدنيين وعن أهل الرأى و أهل الحديث، وحاول تأسيس مذهبٍ مستقل. وكذلك الأمر مع أبى ثور الذى أخذ عن الشافعى وعن تلامذة أبى حنيفة، لكنه أسس مذهباً مستقلاً.

 

أما الإشكالية الأخرى التى يطرحها تسفرير فتتعلق بالانقسام العقدى فى قلب تلامذة أبى حنيفة والجيلين اللاحقين. فقد كان بعض الأحناف ذوى ميول معتزلية وشاركوا فى محنة خلق القرآن. بينما مال بعضٌ آخر لأهل السنة والحديث، وعارض عقيدة خلق القرآن. والواقع أن مالك والشافعى اتجها لتقييد الخوض فى علم الكلام، وبعدهما الإمام أحمد تلميذ الشافعى بينما هناك رسائل منسوبة لأبى حنيفة ذات صبغة كلامية. وليس للمعتزلة مذهب فقهى ولذلك فقد كان أكثرهم ينتسبون إلى الحنفية فى الفقه، بينما ظل الاعتزال شائعاً فى أوساط الأحناف إلى القرن الخامس. ويدل ذلك على نهى الخليفة القادر بالله (422ه) قضاة الأحناف عن التشيع والاعتزال! ويعتقد تسفرير أن الأحناف ربما تقلبوا بين هذا الميل أو ذاك من أجل الاحتفاظ بمناصبهم فى القضاء والدولة. بيد أن الأحناف الذين عاشوا أيام القادر وابنه القائم، كانوا يتضررون ولا شك من الصمود فى صفوف المعتزلة لأن الخليفة كان قد صار سنياً يميل للحنابلة. ولذلك فالذى أراه أن الميول الاعتزالية لدى بعض الأحناف كانت أصيلة ولا تعللها الأسباب العملية. والمعروف أن الفقه السنى استطاع أن يفرض فصلاً بين الفقه والكلام، وهو فصلٌ ما لبث فقهاء الأحناف أن قالوا به أيام السلاجقة، حيث ظهرت الأشعرية والماتريدية إطاراً عقدياً لأهل السنة، رغم أنهما ما كانتا تُدرسان فى المدارس النظامية التى أنشأها نظام الملك (485ه.

 

بعد القرن الثانى وتبلور المذاهب يصبح كتاب تسفرير تقريرياً وقصصياً بعض الشيئ. فهو يعقد فصولاً متتالية لانتشار المذهب النفى بحسب المدن والأقاليم: العراق ومدنه، غرب إيران، والجزيرة (الفراتية)، والشام، ومصر، والمغرب. وهو لا يتتبع انتشار المذهب من خلال فقهائه، بل من خلال القضاة الذين عينتهم الدولة وعُمالها فى الأمصار المختلفة. ورغم أن أشهر أتباع سائر المذاهب هم القُضاة، فقد كان بوسع تسفرير لو أراد أن يجد مصادر لفقهاء الأحناف وغيرهم فى كتب الطبقات وتواريخ المدن، حتى ولو لم يتولوا القضاء. وبخاصةٍ أن أولئك الفقهاء هم أكثر تأثيراً وتطويراً داخل المذهب من القضاة، إذ إنهم هم الذين يؤلفون ويدرسون المذهب. وهذا وإن اعتز المذهب بمجيئ السلاجقة لأنهم كانوا أحنافاً عندما احتلوا بغداد، وتوسعوا مع سائر المذاهب التى لم تصبح رسميةً قبل المماليك.

 

يبقى كتاب تسفرير مفيدًا للتعرف على الانتشار الأول للمذهب الحنفى مثلما هو كتاب هاينز هالم، مفيد فى التعرف على المذهب الشافعى حتى القرن الثامن الهجري.

 

المؤلف كشف فى كتابه أن تفضيل الدولة العباسية تعيين قضاة أحناف ساهم فى نشر المذهب الحنفى ودرس الباحث نشر المذهب الحنفى عن طريق الصلات القبائلية والعائلية، لكن أيضاً ساهمت حلقات العلم فى المساجد فى نشر المذهب.

 

هنا تبرز ثلاث أسباب أدت لانتشار المذهب: سياسية، و اجتماعية، و علمية، لكن غاب عن المؤلف سبب إعاقة نشر المذهب فى بلاد المغرب العربى وهو تعمق المذهب المالكى لدى الأمازيغ المسلمين فضلاً عن العرب الذين سكنوا وتفاعلوا فى هذه البلاد، أما تأرجح المذهب الحنفى فى مصر وبلاد الشام فيعود إلى كونهما منطقتين للحراك التجارى ومن ثم العلمى لذا نرى فيهما المذاهب المختلفة على تباين انتشارها، غاب عن المؤلف قياس حجم التأليف بين المذهبين المالكى والحنفى ومقارنة انتشار هذه المؤلفات وكيف يعكس هذا الانتشار انتشار المذهب.

 

إن تفاعل أى مذهب مع المجتمع وقضاياه وطبيعة المجتمع سيكون سبباً أساسياً فى توطن هذا المذهب فى أى بلد، وهو ما أدى إلى ادراك الشافعى لذلك فى مصر فكانت سبباً فى نشر مذهبه، وإن كان تلامذة أى مذهب عاملاً مهماً فى نشره، وهو ما افتقده الليث بن سعد.

 

هذا الكتاب فى حاجة إلى استكماله بكتاب آخر عن المذهب الحنفى فى ظل الدولة العثمانية، التى وظفت هذا المذهب سياسياً، ورسخت وجوده أكثر من غيرها.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة