محمد شومان

ضعف الأحزاب واللامعنى فى السياسة

الأحد، 11 فبراير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم ذكرى إعلان الرئيس الأسبق مبارك مغادرة السلطة، وتفويض المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.. وحمل هذا الإعلان كل مكونات المشهدية فى الإعلام، لذلك يتذكره المصريون، ويتذكرون تعليقات السوشيال ميديا على ما حدث، وكيف جرت الأمور، خاصة أن دستور 1971 لم ينص على هذه الطريقة فى انتقال السلطة أو استقالة الرئيس أو حتى إقالته.
 
ولم تكن كل الأطراف قد تدربت أو استعدت لهذا الانتقال، لذلك وقع البعض فى أخطاء بالجملة، وتركوا الساحة لظهور دولة الإخوان! مستعدة لهذا الانتقال أو تبعاته، وبصفه عامة شهدت السنوات التى أعقبت ثورة يناير أحداثًا وتحولات غريبة ومتناقضة، وانقسامًا فى المجتمع والسياسة، وتسييسًا للإعلام، وسيولة فى الرأى العام، ما أنتج سرديات وقراءات متحيزة لأحداث الثورة، واستخدامًا مفرطًا لفزاعات الفوضى، والتكفير، والإرهاب، والتخوين، والمؤامرة، لتزييف وعى الناس، وفرض الإذعان العام.
 
والكارثة أن كل أطراف الصراع تورط فى هذه الممارسات الخطابية والسياسية، من دون إدراك لمخاطرها فى إضعاف المجال العام والسياسة.
 
استمرت حالة الصراع والاستقطاب بين النخب فى مصر، ما أدى إلى تدمير إمكانيات العيش المشترك فيما بينها، والطعن أيضًا فى مشروعيتها، وفى مشروعية الثورة نفسها، والأخطر أن الشعب الذى بدا راغبًا فى المشاركة السياسية قد انصرف عن الاهتمام بالسياسة بالمعنى الواسع للكلمة، حيث اختفت عشرات الائتلافات والحركات الشبابية الثورية وغير الثورية، وتراجعت معدلات مشاركة المصريين فى الانتخابات والاستفتاءات، مقارنة باشتراكهم فى الاستحقاقات الانتخابية فى عامى 2011 و2012 فى بدايات الثورة.
 
والأهم حالة من الإحباط واللامعنى والشك فى جدوى الثورة، وحقيقة ما جرى، وجدوى الانتخابات وإمكانية التغيير أو حتى الإصلاح، عبّر عنها ضعف المشاركة فى انتخاب البرلمان الحالى، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة %28.3 من مجموع الناخبين المقيدين فى جداول الانتخاب، وأصبح لدينا برلمان غير قادر على مواكبة ما يحدث على أرض الواقع، سواء فى التشريع أو الرقابة.
 
فى لا معنى السياسة فى مصر بعد الثورة، انتشرت سرديات تشكك فى جدوى ثورة يناير ورمزية التحرير، وترى أنها إما مؤامرة خارجية، أو مؤامرة إخوانية، أو مؤامرة من إنتاج الإخوان وأطراف خارجية!، أما الشباب «أيقونة الثورة» التى تغنى بها الجميع، فقد تحولوا إلى متآمرين أو عملاء أو مُغرر بهم على يد الإخوان أو القوى الخارجية، وأحيانًا إلى مخربين، فضلًا عن الاتهامات الشهيرة لهم بالتمويل من الخارج والعمالة.
 
وفى سياق لا معنى ولا جدوى أحداث ثورة يناير وأطرافها المتصارعة إشارات ومحطات بارزة، منها الإفراج عن كل رموز نظام مبارك، وعودة بعضهم لممارسة العمل السياسى، وعدم إصلاح مؤسسات الدولة، وتراجع مستويات حرية الرأى والتعبير واحترام حقوق الإنسان بسبب تداعيات مواجهة الارهاب، ما يؤثر بالسلب على الوعى العام، خاصة وعى جيل جديد من الشباب، الذى عاصر وعانى كل هذه التحولات. وأظن أن هذا الجيل فى أغلبه حائر، ولا يثق فى صحة السرديات المتصارعة، وربما لا يثق أيضا فيما يُقدم له من أخبار ومعلومات بشأن ما يجرى فى الواقع، وينتشر عبر الإعلام.
 
والغريب أن التهميش واللامعنى فى السياسة امتد إلى ثورة 30 يونيو التى لم تسلم من السرديات المتصارعة، فهى ثورة عند البعض، وموجة ثورية عند الآخرين، وانقلاب عسكرى عند الإخوان وأنصارهم، المعنى أن التشكيك واللامعنى وعدم الثقة امتدت إلى ذلك الحدث الجماهيرى العظيم. كذلك شملت التحولات الحادة، وعدم الاتفاق أيضًا علاقة الجيش بالقوى المدنية، وعلاقة الشعب بالجيش، ففى الأيام الأولى لثورة يناير ارتفع شعار «الشعب والجيش إيد واحدة»، وبمرور الوقت انقلب الشعار لدى بعض قطاعات من الرأى العام وهاجمت المجلس العسكرى، لكن سرعان ما ساد شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، ثم أضيفت الشرطة فى 30 يونيو إلى الشعار ذاته الشهير.
 
وفى سياق التهميش واللامعنى ظهر لدينا أكثر من 100 حزب، ثم تقلص العدد إلى النصف تقريبًا، لكن الأخطر أن دور تلك الأحزاب محدود للغاية، كما تراجع تأثير الأحزاب التاريخية فى السنوات الأخيرة، وهناك أسباب كثيرة بعضها داخلى، يتعلق بأفكار وبرامج الأحزاب المصرية، وغياب الديمقراطية داخلها، إضافة إلى أسباب خارجية ترتبط بأولويات مواجهة الإرهاب والإخوان فى الداخل والخارج.
 
ومقابل ظاهرة ضعف الأحزاب وعزوف المصريين عن المشاركة فى الأحزاب والانتخابات تبلورت ظاهرة الرهان الشعبى الواسع على الرئيس السيسى قبل وبعد انتخابه كرئيس فى 2014، فقد راهنت وما تزال قطاعات واسعة من المصريين على «السيسى» لحل مشاكل الوطن، وتخفيف معاناتهم.
 
لكن هذا الرهان فى الحقيقة ألقى بمزيد من المسؤوليات والضغوط على «السيسى»، الذى راهن بقوة على قوة المصريين، وقدرتهم على التحمل لاجتياز الظروف الصعبة المحيطة بهم، من هنا لم يُخفِ «السيسى» على المصريين حقائق الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وأتصور أن هذا الرهان المتبادل هو نوع جديد وغير مألوف من السياسة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة