يوسف أيوب

ماذا يحدث حولنا؟ "2"

الأربعاء، 24 يناير 2018 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وصلت فى مقال أمس إلى التغيرات السياسية والاجتماعية التى تشهدها الدول الغربية، وظهور التيارات الشعبوية، مما أثر على شكل العرب فى ذهن الغرب، ووسمهم بالإرهاب، وقولت إن ذلك يعد أخطر التحديات التى تواجه العرب، وعليهم مهمة ثقيلة فى العمل على إزالة هذه الصورة الذهنية بكل الطرق والأساليب الممكنة، لأن استمرارها سيكون له تداعيات سلبية.
 
ولا يقل عن ذلك أهمية أيضاً هذا التسارع الكبير فى الثورة التكنولوجية، والتغيرات التى يشهدها العالم، خاصة الدول الغربية، والأكثر إثارة فى هذا الموضوع أن دولاً تصنف على أنها نامية، وربما يكون دخلها القومى أقل من الدول العربية، باتت الآن فى مصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا وعلمياً، فى حين أن العرب أصبحوا السوق الذى يستقبل التكنولوجيا، دون أن يكون له أى دور فى تصنيعها، فهو فقط مستهلك يقبل بما يأتيه من الغرب أو الدول التى اجتهدت ووقفت فى وجه التحديات، وقررت أن تختار مستقبلها بأيديها وليس فرضا عليها.
 
أن نتحول من مستهلكين للتكنولوجيا إلى صناع أو مجرد مشتركين فى الصناعة ليس بحلم بعيد المنال، لكنه يحتاج لتخطيط سليم وإرادة، آخذاً فى الاعتبار أن عددا من الدول العربية تمتلك القدرات المالية والفكرية والعقلية، مما يجعلها قادرة على المنافسة، بل والوجود بشكل يعيد لها المكانة التى كانت تسيطر عليها فى الماضى، لكن للأسف الشديد غابت الإرداة، فانتهى الحلم وتم وأده، وأصبحنا أكبر سوق مستهلك للتكنولوجيا، وقبلنا أن نكون مفعولا بنا ولسنا فاعلين.
 
ويرتبط ذلك أيضاً بحالة الاضطراب غير المسبوقة التى ضربت الدول العربية عام 2011 تحت ما يسمى بالربيع العربى، الذى أدى إلى تغيير فى بعض رؤوس الأنظمة، لكن فى نفس الوقت انتهى إلى تحطيم دول وتمزيق مجتمعات، ودخول قوات أجنبية إلى أراض عربية بصورة لم تعهدها المنطقة منذ الاستعمار، وتدخلات من أطراف من الجوار الإقليمى تسعى للهيمنة والسيطرة، وتراجعاً فى مكانة قضايا العرب الرئيسية وأهمها قضية فلسطين التى تمر اليوم بمنعطف خطير فى ظل محاولات واضحة لتمييعها وتفكيكها وتصفيتها، فمن كان يتخيل أن القواعد العسكرية الأجنبية بات المتحكم فى سياسات الدول العربية، وأن المذهبية والطائفية هى التى تحصد أرواح الأبرياء كل يوم، كل ذلك يحدث وسيحدث الكثير منه مستقبلاً، لأننا لم نستطع إدارة أمورنا وخلافاتنا بالشكل الصحيح، ولم نتعلم من التجارب السابقة، بل أخذنا منها السيئ وتركنا الشىء الإيجابى الوحيد، رفعنا جميعاً شعارات الثورة البرتقالية فى أوكرانيا، لكن لم نفكر فى المستقبل، أردنا التغيير لكن لم نشغل بالنا بالحديث عما بعد، فكانت النتيجة أن من حولنا كانوا مستعدين باستراتيجيات التدمير والتفكيك، التى أخذوا فى تطبيقها فى بلد تلو الآخر، ولم نستفد حتى مما حدث وسطنا، حينما سمحت السودان ليد التقسيم أن تستقطع جنوبه فى دولة مستقلة، وربما تمتد هذه اليد لاستقطاع دولة فى الشرق وأخرى فى الغرب.
 
نعم هناك دول استطاعت أن تنجو بنفسها من رياح التغيير الهادمة، وعلى رأس هذه الدول مصر، التى تعافت سريعاً من تداعيات 2011، لكن ما حدث فى مصر لم يتكرر فى ليبيا وسوريا واليمن، الدول التى شهدت فراغاً فى السلطة وصراعات لاتزال أثارها قائمة حتى الآن، وهو ما شجع قوى، بعضها عربية وكثيرا منها إقليمية لتوظيف هذا الفراغ، واستغلاله لصالحها، وهو ما أدى إلى تمدد تنظيم داعش الإرهابى وسيطرته على مناطق شاسعة فى العراق وسوريا، وأيضاً السعى الإيرانى للسيطرة على دول بعينها من خلال أذرعها الشيعية، وهو ما تسعى له تركيا، التى حاولت استغلال الربيع العربى لصالحها من خلال ترسيخ الوجود الإخوانى فى سدة الحكم بالدول العربية، ليكونوا عرابين حلم عودة الخلافة العثمانية، الحلم الذى يراود أردوغان ليل نهار، دون أن يفكر فى مصير المنطقة، لأن المهم بالنسبة له هو التاج السلطانى فوق رأسه فقط.
 
أزمة المنطقة العربية أنها لم تستوعب جيداً ما حدث فى 2011، ولم تدرس أسبابه ولا نتائجه، إلا دولة أو اثنتين، فيما قررت دول أخرى أن تنكفئ على نفسها، أو تدير صراعات مع دول عربية أخرى، متخيلة أنها اقتربت من باب الزعامة، وغير بعيد عن ذلك أن الموقف الإسرائيلى، فهو الأكثر استفادة مما حدث فى المنطقة، فللمرة الأولى ينشغل العرب بأنفسهم وينسون عدوهم الأساسى، إسرائيل التى لاتزال تحتل أراضى عربية، فى فلسطين وسوريا ولبنان، وهنا لا يمكن أن نعفى إسرائيل مما حدث، لكن فى نفس الوقت يجب أن نلوم أنفسنا، لأننا من منحنا تل أبيب الفرصة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة