محمد شومان

مذكرات هيكل بقلم عبدالله السناوى

السبت، 30 سبتمبر 2017 07:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعم أكتب عن مذكرات هيكل وليس مذكرات عمرو موسى التى أثارت ضجة بلا معنى أو فائدة، لأنها ذكريات تعتمد على الذاكرة المراوغة والضعيفة لعمرو موسى الذى يحب نفسه كثيرا!! أما كتاب «أحاديث برقاش: هيكل بلا حواجز» للكاتب الكبير عبدالله السناوى، فهو قصة أخرى وبناء مختلف، فهو يقع بين التأريخ لهيكل وبين مذكرات هيكل، ويمكن القول إنه السيرة الذاتية للأستاذ!! لأن هيكل لم يكتب سيرة ذاتية، على الرغم من ثراء حياته ومسيرته الصحفية العظيمة.
 
الكتاب هو سيرة ذاتية من نوع خاص، لأنها لا تركز على الحياة الشخصية والأسرية للأستاذ، وإنما تركز على حياته المهنية وتكوينه الصحفى والثقافى وعشقه للتاريخ والفنون، وعلاقاته بأهم الأحداث والشخصيات التى صنعت تاريخ مصر المعاصر قبل ثورة يوليو 1952، وحتى ما بعد ثورة 25 يناير.. وظهور الرئيس السيسى على المسرح السياسى، ويبدو لى أن علاقة الأستاذ مع السناوى هى التى سمحت بإنتاج هذه الدراما التاريخية والإنسانية لهيكل، الذى وصفه كريستوفر باتن المفوض الأوروبى الأسبق بأنه أسطورة حية.
 
إن علاقة هيكل بالسناوى كوكتيل نادر من الصداقة، والمحبة، والتعلم، وتبادل الخبرات، والثقة، والبوح الحر الطليق من أى قيود، فالأستاذ وثق فى السناوى لدرجة أن جعل منه مرآة لعقله وروحه، وقناعتى أن السناوى كإنسان، وصحفى، وكاتب قدير.. جدير بهذه الثقة، فهو عقلانى للغاية، وكتوم، ولا يبحث عن سلطة أو مال على الرغم من العروض والإغراءات الكثيرة التى قدمت له، وأعرف شخصيًا أن بعض هذه العروض ما تزال تسعى إليه، وما يزال السناوى على موقفه الرافض بهدوء.. وبدون افتعال ضجيج أو ادعاء بطولة، وموقفه هنا مختلف عن أستاذه هيكل، فالسناوى اقترب من السلطة ليحاورها.. وينتقدها، بينما كان الأستاذ من وجهة نظرى جزءا من السلطة فى العصرين الناصرى والساداتى، فنال قدرًا كبيرًا من مزايا وآثام وشرور السلطة.
 
بناء الكتاب جديد وأسلوبه مميز للغاية، فقد جاء الكتاب على شكل أحاديث مجموعها 16 حديثًا بعضها نشر من قبل، وأعتقد أن كل حديث هو بمثابة فصل فى الكتاب، أما أسلوب صياغة الكتابة فهو مختلف، لأنه يجمع بين التوثيق الدقيق والصور الموحية التى تشاهدها من خلال أسلوب مشوق يجمع بين المسرح والسينما، تقرأ وتشاهد أشخاص تتحرك وتتكلم، وأحداث تقع من حولك، وصفحات من الكتاب تجعلك تعيش التاريخ، وتشعر بالنصر والفرح وبالمرارة والألم، والحقيقية أنه أسلوب قريب جدًا من أسلوب الأستاذ هيكل، لكنه ليس أسلوبه، فهو أسلوب السناوى، لكن الأخير أخذ كثيرًا من أسلوب أستاذه هيكل فى هذا الكتاب، وفى أغلب ما يكتبه.
 
باختصار ثمة تداخل أسلوبى ومنهجى فريد من نوعه يؤكد على أن «أحاديث برقاش» هى سيرة ذاتية للأستاذ، ورصد وتأريخ لأدوار أستاذ وعلاقته بالأحداث والناس والنخبة فى مصر والعالم، رصد لا يستغرق فى التفاصيل، وإنما يقدم نظرة كلية شاملة، ويتوقف عند المعانى والدلالات والدروس المستفادة.
 
فى المعانى والعبر، هناك الكثير من المحطات التى توقفت عندها، وتعلمت فيها من هيكل - السناوى، اخترت خمس منها، المحطة الأولى..أنه من المهم أن تدون وتكتب ما تشاهده، لأن الذاكرة خَوّانه، وكان هيكل أستاذ التدوين ومدمن للوثائق، وقد استخدم بعضها فى كتاباته.. وكسب بها بعض معاركه ضد خصوم التجربة الناصرية والحاقدين عليها، لكن للأسف جزء كبير من وثائقه أحرقه الإخوان عندما أحرقوا منزله فى برقاش، والغريب أن هيكل لم يحتفظ بصور من هذه الوثائق التى كان عليه - رحمه الله - أن يتيحها للباحثين، لأنها ليست ملكه، وإنما ملك كل المصريين، وأتمنى على أسرة هيكل أن تنشر أو تمكن الباحثين من الاطلاع على ما تبقى من وثائق هيكل وأوراقه.
 
والمحطة الثانية تتعلق بالصحافة، فالأستاذ مخلص للخبر، وللصورة، أى لتقديم الجديد للقارئ، وربما لرجال السلطة أيضا، لكن مع الخبر لابد من صورة وكتابة خلفية وأجواء الخبر، وتقديم قصص إخبارية طازجة، وقناعتى أن سلاح الخبر هو ما ضمن لهيكل التفوق والنجاح على كل أبناء جيله، فضلاً عن قدرته على الاستمرار كصانع أو مشارك فى الأحداث. وقناعتى أيضا أن الخبر والصورة هما أهم أسلحة النجاح فى عصر الانترنت والإعلام الجديد.
 
والمحطة الثالثة تؤكد ضرورة أن يكون الصحفى أو الإعلامى مثقفًا شاملاً ومستقلاً فى راية ومواقفه، وقادرًا على العمل لساعات طويلة كل يوم، وأن يكون أيضا ناجحًا فى بناء علاقات جيدة، تقوم على الثقة مع نجوم المجتمع والسياسة والفن والناس العاديين، هذا الصحفى هو هيكل.. الذى خرج من الأهرام فظل صحفيًا وكاتبًا، وصاحب رأى ورؤية ينتظرها حكام المنطقة العربية والعالم، وينتظرها أيضًا المواطن البسيط.
 
والمحطة الرابعة من معانى وعبر الكتاب، أن تكون لمصر رؤية للمستقبل، لأن الرؤية أهم من البرنامج ومن كل الخطابات السياسية، كذلك لابد أن يكون هناك اتفاق عام بين المصريين على مفهوم وحدود الأمن القومى، أو بتعبير الأستاذ «الأمن القومى لأى بلد فى الدنيا تحدده حقائق الجغرافيا وتراكمات التاريخ».. والأمن القومى هو أمن كل مواطن فى وطن قوى، له وسائل إنتاج، ومقومات حياة تضمن مستقبل أجياله.
 
المحطة الخامسة من دروس الكتاب أدعوك عزيزى القارئ للاطلاع عليها بنفسك، فهى تناقش بصراحة وبرؤية ثاقبة للتاريخ والمستقبل إشكالية: لماذا لا تكتمل فى مصر ثورة؟ وهى إشكالية مهمة وغريبة تحتاج إلى تأمل ودراسات تاريخية واجتماعية وسياسية، لكن الأستاذ يناقشها فى نهاية الكتاب، ومن خلال فصلين أو حديثين نقلهما بأمانه السناوى، حيث يعرض لرؤية الأستاذ لأسباب تعثر ثورة 25 يناير، وعلاقة الإخوان بالثورة، ودور قوى الثورة المضادة، ودور الشباب والأحزاب والجيش، ويؤكد الأستاذ دائمًا على مركزية دور الجيش فى بناء الدولة المصرية وحمايتها والدفاع عن أمنها القومى، وضرورة ابتعاده أيضًا عن السياسة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة