قراءة فى خطاب ولاية روحانى الثانية.. الرئيس الإيرانى ينقلب على تيار "الاعتدال" وينضم للإصلاحيين.. ويضع استراتيجية المحاور الخمسة للداخل والخارج.. ويخطئ فى أبسط معلومات التاريخ.. ويدافع باستماتة عن اتفاقه النووى

الأحد، 06 أغسطس 2017 02:50 م
قراءة فى خطاب ولاية روحانى الثانية.. الرئيس الإيرانى ينقلب على تيار "الاعتدال" وينضم للإصلاحيين.. ويضع استراتيجية المحاور الخمسة للداخل والخارج.. ويخطئ فى أبسط معلومات التاريخ.. ويدافع باستماتة عن اتفاقه النووى الرئيس حسن روحانى أثناء إلقاء خطابه
محمد محسن أبو النور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أدى الرئيس الإيرانى حسن روحانى اليمين الدستورية، رئيسا لولاية ثانية بالبلاد، وألقى خطابا بهذه المناسبة أمام مجلس الشورى (البرلمان) بحضور رئيسى السلطتين التشريعية والقضائية "الشقيقين" على وصادق لاريجانى يوم السبت 5 أغسطس، ولأن هذا الخطاب فرصة سانحة لا يمكن تفويتها لتحليل المشهد الإيرانى فى صورتيه الراهنة والمقبلة؛ فإن الاقتراب من العقلية الاستراتيجية للرئيس روحانى ضرورة ملحة فى البداية الرسمية الثانية لرئاسة الجمهورية الصعبة.

وقبل الخوض فى تحليل الخطاب ومضمونه يجب الإشارة إلى أن أهميته جوهريا تكمن فى عدد من العوامل الأساسية:

أولا:

 الخطاب لا يعد خطا فاصلا بين دورتين رئاسيتين فحسب، بل يعتبر حدا فكريا وسياسيا بين توجهين، فى ظل توقعات وترجيحات بأن يصبح روحانى أكثر ميلا إلى جانب المحافظين، خاصة بعد أن تلقت حكومته حزم عقوبات جديدة فى الأسابيع الأخيرة.

ثانيا:

تكتسب خطابات رؤساء إيران مكانة مهمة فى تاريخ إيران المعاصر بعد الثورة الإسلامية وتتجاوز مجرد كونها حفلا بروتوكوليا إلى كونها منصة لإطلاق الرسائل الداخلية والخارجية على حد سواء.

ثالثا:

يعد مشهد التنصيب أو أداء مراسم اليمين الدستورية تعبيرا عن التحالفات الداخلية للرئيس من حيث الشخصيات المدعوة والحاضرة والغائبة، كما تعطى صورة المشهد مؤشرا لا تخطئه عين على التحالفات الإيرانية فى المجالين الحيويين الإقليمى والدولى.

مشهد الخطاب من الداخل

فى قاعة اجتماعات مجلس الشورى الإيرانى، الذى شهد عمليات إرهابية نوعية يوم السابع من يونيو الماضى، تبدو الصورة البعيدة بانورامية وكاشفة بحيث تمنح الناظر إليها بعدا ميكروسكوبيا يمكن من رؤية التموضع الإيرانى على نحو دقيق، ذلك أن الضيوف الدوليين اصطفوا على جانبى القاعة أسفل المنصة، وبدت إيران فى عزلة عن مجالها الحيوى الإقليمى بشكل بارز، إذ لم يحضر إلى هذا الحدث المهم أى رئيس أو قائد دولة من دول الإقليم، باستثناء الرئيس العراقى فؤاد معصوم، لأسباب تتعلق بدوران بغداد فى فلك طهران منذ الغزو الأمريكى عام 2003.

فى منتصف المشهد جلس رجال الدولة ورؤساء المجالس الإيرانية الدستورية وكبار قادة القوات المسلحة والجيش، ووسط هؤلاء حضر حفيد الإمام الخمينى، حسن الخمينى، الذى يعد أحد أهم كوادر حركة الإصلاح الحديثة، المناوئة لتيار المحافظين، بينما غاب الداعم الأكبر لحسن روحانى، الرئيس الأسبق محمد خاتمى، بالرغم من أن حسن روحانى وجه له الشكر فى خطاب فوزه بالولاية الثانية فى 20 مايو الماضى، ما يعنى وجود حسن الخمينى فى دوائر رضا المرشد على خامنئى، وبقاء خاتمى خارج تلك الدوائر.

تلك الصورة تعزز ما قاله خاتمى عن روحانى فى الأسابيع الأخيرة، إذ رأى أن حسن روحانى بات أكثر بعدا عن التيار الإصلاحى وأكثر قربا من المحافظين ولا أدل على ذلك من عدم دعوته إلى حفل أداء مراسم اليمين الدستورية، فضلا عن عدم دعوة أى من أبناء أستاذه وداعمه الرئيس الراحل، هاشمى رفسنجانى، لأسباب مماثلة.

يلاحظ غياب قائد الحرس الثورى محمد على جعفرى عن المشهد، لكن أيضا يلاحظ حضور، مفوضة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى فدريكا موجرينى، التى ارتدت ملابس واسعة فضفاضة ووضعت غطاءً على رأسها، التزاما من جانبها ببروتوكولات استقبال المسئولات الأجنبيات فى إيران.

بين الثورتين الدستورية والخمينية

بدأ روحانى خطابه بالحمد والسلام على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وجدد التزامه بعدد من أسس السياسة فى الجمهورية الإيرانية وهى إيمانه بالإمام الغائب، وولائه لمؤسس الجمهورية الإيرانية الإسلامية آية الله روح الله الموسوى الخمينى؛ ولذلك رحب بحفيده حسن الخمينى، وقال "فى بداية حديثى نحيى ذكرى رحيل مؤسس الجمهورية"، كما بارك للحضور ذكرى ميلاد الإمام على الرضا، وهو الإمام الثامن من الأئمة الشيعة الاثنى عشر ويحظى بمكانة متزايدة لدى الشيعة وله مرقد شهير بمدينة مشهد عاصمة محافظة خراسان رضوى فى شمال شرقى البلاد.

انتقل روحانى فى الفقرة الثانية من خطابه للاستشهاد بتاريخ إيران الحديث، وتاه على الحضور بكون إيران هى صاحبة أول دستور فى تاريخ الشرق الأوسط، فى إشارة منه إلى الثورة الدستورية التى تمت فى العام 1906، وقال "إننا نحتفل اليوم بمضى 111 عاما على الثورة الدستورية التى أفرزت أول دستور فى تاريخ الشرق الأوسط".

وتعرف الثورة الدستورية الإيرانية التى تمت بين عامى 1905 ـ 1907 بأنها أنتجت أول دستور وبرلمان فى تاريخ قارة آسيا، وليس فى تاريخ الشرق الأوسط، إذ سبقت مصر إيران فى هذا الجانب قبل ذلك بنحو ربع قرن، وعليه فإن روحانى بالغ فى تمجيد تاريخ إيران ونسى أن مصر صاحبة السبق والتفرد والفرادة فى وضع الدساتير من خلال الدستور الذى تم وضعه وإقراره فى عهد الخديو توفيق بالعام 1882.

الانتخابات والدولة والمجتمع

انتقل روحانى للحديث عن الانتخابات التى جاءت به رئيسا لدورة رئاسية ثانية وقال إن "الأصوات الشعبیة فی الانتخابات الرئاسیة الأخیرة لیست حدثا عابرا بل هی حصیلة التكامل الاجتماعی"، بعبارة أخرى أكثر وضوحا يريد روحانى القول إن انتصاره الانتخابى هو انتصار للشعب وليس له شخصيا، وبذلك يحاول التحصن بالصناديق من أى محاولة لإقصائه عن الحكم، كما تواتر فى أروقة السياسة الإيرانية عن تحضيرات لتشكيل حكومة ظل موازية يقودها المحافظ، سعيد جليلى.

فى هذا الإطار وحتى يبنى على حماية الشعب له، قطع روحانى الطريق على من يتوقعون ميله إلى التيار المحافظ وقال "نحن مصلحون فی السیاسة الوطنیة والخارجیة وحكومتنا حكومة مصالحة ونفضل السلام علی الحرب ونفضل الإصلاح علی الجمود"، وهنا يبرز التمايز الكبير بين خطابه فى ولايته الأولى الذى شدد فيه على كونه "معتدل" كخط وسط بين المحافظين والإصلاحيين، لكنه فى هذه المرة ومن خلال تكراره مرادفات "الإصلاح" يبدو واضحا إلى أى مدى تتجسد رغبته فى تحديد مكانته على خريطة إيران السياسية والفكرية الجديدة ضمن الإصلاحيين وليس المحافظين أو حتى المعتدلين.

انتقل روحانى مباشرة إلى الحديث عن التوافق بين مؤسسات الدولة من الداخل، داعيا مؤسسة الحرس الثورى ـ بشكل ضمنى ـ إلى العمل تحت لواء رئيس الجمهورية، وهذا المنحى توضحه بجلاء الفقرة التالية من خطابه: "بالرغم من أن المسئولیة التی تقع علی عاتقی ناجمة عن أصوات أغلبیة الشعب الإیرانی، لابد أن أدعم حقوق ومصالح أبناء الشعب بصفتی رئیسا للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ولا یمكن تحقیق هذا الهدف من دون التعاون والتضامن والوفاق بین کل أرکان النظام والمشارکة الجماهیریة لأبناء الشعب الإیرانی".

ويمكن قراءة هذه الصيغة من الخطاب فى إطار أن روحانى يريد أن يوسع من صلاحياته الرئاسية مع علمه أن مؤسسات السلاح ليست ضمن إطار صلاحياته دستوريا وأنها ضمن صلاحيات المرشد وفقا للمادة 110 من الدستور.

الدفاع باستماتة عن الاتفاق النووى

دافع حسن روحانى عن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووى) باستماتة وأفرد لها جانبا مطولا من خطابه، ومعه كل الحق فى ذلك لأنها العصى التى يتكئ عليها فى مواجهة خصومه داخليا وخارجيا كما تعد ـ من دون شك ـ الإنجاز الأبرز ـ وربما الوحيد ـ له فى ولايته الرئاسية الأولى.

وتوضح الفقرات التى تحدث فيها عن أن خطة العمل الشاملة المشترکة هى نموذج من نماذج الوفاق الوطنی، عن هذا الجانب بشكل أساسى، وبالنظر إلى أنه قال: "نحن مستعدون دائما للدفاع عن شعبنا ونری أن الدفاع لا یتحقق إلا عبر السلام والاستقرار ونحن ندعم قواتنا المسلحة ولكن أکبر أسلحتنا تتمثل فی أصوات شعبنا وأن الشعب الذی بلغ عدد أصواته 41 ملیون صوت، لا یمكن أن يوصل إلی طریق مسدود، وأن سلامنا یعتمد علی السلاح وأن سلاحنا یعتمد علی سلامنا وأن خطة العمل الشاملة المشترکة نموذج من الوفاق الوطنی فی إیران"، فإن ذلك يعنى ربطه بين انتخابه للمرة الثانية وبين توصله إلى الاتفاق النووى.

بعبارات أوضح وأكثر عمقا أراد حسن روحانى القول إن الشعب الإيرانى أعاد انتخابه فقط؛ لأنه توصل إلى الاتفاق النووى، وأن عليه حماية الاتفاق النووى كجزء من حماية أصوات الناخبين الذين احتشدوا أمام صناديق الاقتراع يوم 19 مايو الماضى.

ويمكن ببساطة التعرف على هذا المحتوى وتلك الفحوى من خلال الفقرة التالية من خطابه تلك التى قال فيها: "لا شك فى أن خطة العمل الشاملة المشترکة لم تصل إلی أیة نتیجة دون السند الشعبی القویم وأصوات جماهیر الشعب ودعم وتوجیهات سماحة القائد الأعلی للثورة الإسلامیة والتعاون والتنسیق بین مجلس الشوری الإسلامی والقوات المسلحة مع الحكومة المنتخبة".

وفى تلك الفقرة تبرز ملاحظتان شكليتان لكنهما جوهريتين، أولا: أنه ربط الاتفاق النووى بموافقة المرشد، وبالتالى قطع الطريق على من يقولون إن المرشد غير راض عن الاتفاق وأن خطباء الجمعة وآيات الله الذين يروجون إلى عدم رضاه عن الاتفاق لا يعلمون بواطن الأمور، وثانيا: أنه لم يذكر أبدا الحرس الثورى فى الخطاب، وفى كل المرات التى تحدث فيها عن السلاح قال القوات المسلحة أو الجيش، ما يعنى أنه غير راض عن سلوك الحرس الثورى، وهو ما يفسر حضور الجنرالات محمد باقرى رئيس أركان القوات المسلحة، وحسين دهقان وزير الدفاع، وغياب، الجنرال محمد على جعفرى، قائد الحرس الثورى، فضلا عن غياب قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى.

سياسة روحانى الخارجية

لأول مرة فى تاريخ رؤساء الجمهورية الإيرانيين لم يتحدث الرئيس حسن روحانى عن القضية الفلسطينية وهنا منح المتلقين فكرة عن أولويات السياسة الخارجية لإيران فى المرحلة المقبلة، ومكانة القضية الفلسطينية حاليا فى الفكر الخارجى للبلاد، لأن الصراع الإسلامى ـ الإسرائيلى شكّل على مدى الثمانية والثلاثين عاما الماضية المنصة التى ينطلق منها الفكر السياسى الإيرانى ويستمد منها مشروعيته لدى العالم الإسلامى.

ونوه روحانى فى نهاية الخطاب إلى الأزمتين اليمنية والسورية تحدث بدلا من القضية الفلسطينية عن "التعامل البناء مع دول العالم والتنسیق المتعمق مع البلدان الجارة ودول المنطقة وتعزیز مستوی الشراکة مع الدول الصدیقة ضرورة هامة تؤدی إلی السلام والأمن الدولی"، وهنا عدة إشارات إلى الدول العربية وأمريكا وإسرائيل فى مرحلة تبتغى فيها إيران تهدئة مع عدوتها التقليدية المتمثلة فى إسرائيل.

تريد إيران من خلال كلمات روحانى الانتقال من مرحلة "الدولة" إلى مرحلة "الأمة" بعد أن انتقلت من مرحلة "الثورة" إلى مرحلة "الدولة"، وتضع إيران نصب عينيها النموذج الإندونيسى والماليزى الذى يعترف بحقوق الشعب الفلسطينى لكنه لا يدخل فى صدام مباشر أو عداء ـ على أى مستوى ـ مع إسرائيل، ولا أدل على ذلك من قول روحانى: "لا یمكن اجتیاز التهدیدات والمخاطر والمستجدات المعقدة فی العصر الراهن من دون تعزیز الاتصالات والعلاقات والحوار بین الحكومات والشعوب".

ملاحظات جوهرية ختامية

استغرق الرئيس حسن روحانى 32 دقيقة لتوصيل رسائله كافة إلى الداخل والخارج، ويمكن تلخيص تلك الرسائل فى عدد من النقاط...

أولا:

حرص روحانى على الاستناد إلى الثقافة الشيعية من خلال إحياء ذكرى الإمام على بن موسا الرضا، رمز الدراما الكبرى لدى الإثنى عشرية، وهو الملقب بـ"غريب الغرباء" كونه دفن فى بلاد فارس بعيدا عن مسقط رأسه، وكتب عليها أن يوارى الثرى فى أرض غير أرضه، ومن هنا نشأت أسطورته.

ثانيا:

القدرات الخطابية البلاغية الشديدة التى يتمتع بها حسن روحانى وتمكنه من التأثير فى سامعيه فضلا عن عباراته الهادئة المتسقة مع توجهاته "الإصلاحية" التى أعلن عنها، والتى تعيد إلى الأذهان البعد الفلسفى العميق الذى اتسمت به خطابات خاتمى (1997 ـ 2005).

ثالثا:

استمد حسن روحانى شرعيته من النظام الديمقراطى الإيرانى الذى يتمتع بخصوصية عن النظم الديمقراطية الأخرى، وعليه فإن سياساته فى الدورة الرئاسية الأولى سيتم تكريسها فى الدورة الرئاسية الثانية مع تعديلات منهجية ضرورية.

رابعا:

مواصلته الالتزام بقيم الجمهورية الإسلامية المتمثلة فى "ولاية الفقيه"، ولذلك حرص على الحديث عن المؤسس الخمينى واستدعى حفيده كشاهد على ذلك، ثم أكد ولاءه للمرشد على خامنئى.

خامسا:

بالرغم من العقوبات الأمريكية الأخيرة ودعوة القوى الأوروبية إلى جلسة بمجلس الأمن تنديدا بالتجارب الصاروخية الباليستية، إلا أن إيران ما تزال قادرة على إحداث التوازن مع العالم من خلال التوصل إلى تسويات وحلول وسط ترضى كل الأطراف.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة