خالد عزب يكتب: الإخراج السينمائى تقنيات وجماليات

الأحد، 16 يوليو 2017 08:03 م
خالد عزب يكتب: الإخراج السينمائى تقنيات وجماليات غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن المركز القومى للترجمة فى مصر كتاب "الإخراج السينمائى.. تقنيات وجماليات" من تأليف مايكل رابيجر وترجمة وتقديم أحمد يوسف.
 
 الكتاب جاءت ترجمته فى فى 906 صفحات ويعد أفضل ما ترجم فى مجال تخصصه إلى الآن، فمؤلف الكتاب أخرج وقام بمونتاج ما يزيد على 35 فيلما، وهو مؤسس المركز التسجيلى للأفلام بجامعة كولومبيا فى شيكاجو، ويغطى كل مراحل صناعة الفيلم، ودور المخرج فى كل هذه المراحل، بدءاً من تطوير الفكرة حتى الانتهاء من المونتاج ويهتم خاصة بالمهارات المطلوبة من المخرج والخبرات التى يكتسبها، وبدوره الذى لا يتوقف عند مرحلة بعينها، بل يجب أن يمتد للمراحل والحرف الفنية الأخرى، سواء لفريق الممثلين أو طاقم الفنيين، الكتاب يتميز عن غيره فى أنه يعتبر أساسياً لمن يتذوق الفن السينمائى، سواء كان متفرجاً عاشقاً للسينما أو ناقداً يحترف مشاهدة الأفلام والكتابة عنها.
 
المؤلف يرى أن السينما هى الفن العظيم لعصرنا، فهى تقدم التسلية الجماهيرية، والمنتدى العظيم للأفكار والتعبير عن الذات، كما أن السينما تقفز على الحواجز القومية والثقافية على نحو لم يسبق لأى وسيط فنى أن قام به من قبل، والأفلام الجيدة تثير القلوب والعقول كما يفعل كل فن جيد، يذكر المؤلف أن تعلُم إخراج الأفلام يشبه تعلم قيادة الأوركسترا، يتعلمون العزف عل آلة موسيقية، ويتقنون فن الموسيقى، ثم يتعلمون قيادة الأوركسترا، التى تعنى تنظيم عزف مجموعة من الموسيقيين البارعين، والكثيرون من الذين يعملون بالإخراج بدأوا بإتقان حرفة سينمائية رئيسية مثل كتابة السيناريو أو التصوير السينمائى، أو المونتاج، ثم تحترف الإخراج.
 
 المؤلف يوضح لنا أن المخرج شخص لديه معرفة واسعة بالفنون، وذو عقل يتمتع بالحيوية ولا يكف عن التساؤل، ويجب أن يغوص فى حياة الآخرين ويبحث عن افتراضات وتفسيرات، ويجب أن يكون منهجياً ومنظماً وإن كان فى نفس الوقت شخصياً يتفاعل مع الآخرين ويأخذ الأمور ببساطة وبشكل غير رسمى، وقادر على التخلص من افتراضاته السابقة إذا أصبحت عتيقة الطراز، ويتسم بالعناد والإصرار الدائمين عندما يبحث عن الأفكار الكبيرة، ويرى المؤلف أن أفضل المخرجين هم القادرون على التواصل ببلاغة وفصاحة، ويتخذون قرارات نابعة من حدسهم وغرائزهم، ويستخرجون أفضل ما لدى الناس دون أن يبدو كأنهم يوجهونهم، ويتحدثون بطريقة تعكس الاحترام لتخصصات الآخرين. المؤلف نراه عبر صفحات الكتاب كأنه يقدم خلاصة تجربته فى صناعة السينما، فنراه ينصح المخرج عند اختياره موضوعاً لفيلمه بأن عليه ان يخصص وقتاً هادئاً لتأمل ذاته، بعيداً عن صخب الحياة العادية على النحو التالى:
 
- افحص البصمات التى تركتها الحياة عليك دون أن تحكم عليها.
- اكتب باختصار كيف شكلتك هذه التجارب.
- من هذه التأملات اكتب قائمة بالآتي:
• أنواع القصص التى تكون مؤهلاً أكثر لروايتها.
• أنواع الشخصيات التى تجذبك على نحو خاص.
• المواقف التى تثير اهتمامك. 
 
يرى المؤلف أنه فى البداية، يبدو أنه لا شيء مثير قد حدث فى حياتك يمكن الاعتماد عليه، وربما تنضج التوترات التى شهدتها أو عشتها لكى تصبح فعلاً وحدثاً.
لكن رضى الكاتب_ ولعل هذا هو أهم عائدات التأليف_ يأتى من أنه يجعل الأشياء تحدث كما كان يجب أن تحدث لكنها لم تحدث. إن كل حدث أو موقف ترك علامة على وعيك ينتظر تشكيله فى شيء يعبر عن عاطفة، وفى تيمة أو رؤية للحياة. وطبقاً لمزاجك وذوقك قد تكون هذه الرؤية مأساوية، أو كوميدية، أو هجائية، أو واقعية، أو سريالية، أو ميلو درامية. ومن خلال وضع الشخصيات والأحداث الأصلية فى مواجهات وتغيرات كان من الممكن حدوثها، فإنك يمكن أن تسير فى طريق لم يسير فيه أحد من قبل، وتفحص الإمكانات التى لم تُستعمل فى الشخصيات والأحداث الشخصية. إن أى موقف فى الحياة العادية، يحتوى على شخصيات وأحداث ومواقف وصراعات، فيه عناصر الدراما، وبالتالى فإن فيه إمكانات أن يصبح قصة كاملة النمو. قم بتغيير عنصر أو عنصرين من العناصر الرئيسية فى هذا الإطار المقتبس، وقم بتطوير شخصياتك، عندها سوف يبدأ معنى وتأثير العمل الكامل فى التطور فى اتجاه خاص به. ويمكنك أن تبتعد بشكل إبداعى عن بناء سيرة الحياة، أو تحافظ عليه، كما فعلت الأفلام التالية:
 
جون بورما فى "الأمل والمجد" (1987_الشكل 2-3)، وهو فيلم يصوغ حياة عائلته وتطورها الوجدانى خلال فترة صباه أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن خلال الخيال والتعاطف، يستكشف بورمان حب أمه لأفضل أصدقاء أبيه، وهو الحب الذى لم يكتمل.
 
مايكل رادفورد فى "ساعى البريد" (1994)، والذى يتتبع علاقة الاستنارة التى نمت بين ساعى البريد والشاعر التشيلى بابلو نيرودا عندما كان الشاعر منفياً فى جزيرة فى البحر المتوسط.
 
مايكل هانيكيه فى "مدرسة البيانو" (2001). تلعب إيزابيل أوبير دور مدرَسة بيانو تقمع رغباتها الجنسية المنحرفة، وتقع فى حب طالب لها. يعتمد الفيلم على رواية من تأليف إلفريده جيلينك التى كانت هى ذاتها مدرَسة بيانو.
 
تجعل هذه الأفلام من سيرة الحياة عملاً درامياً، من خلال تطوير الأفكار حول الأسباب الكامنة وراء أزمات الشخصيات. وكل من يدرس الحياة الحقيقة يعلم أنه لا يوجد شيء أكثر غموضاً مما هو حقيقي.
 
هنا نجد المؤلف يجيب على سؤال مهم هو: كيف يعمل الكتاب؟
سواء كنت تكتب السيناريوهات، أو تعمل مع كاتب، فإن من المفيد أن تعرف أن الكتابة ليست عملية متسلسلة تسير فى خط مستقيم، لكنها عضوية ودائرية. والكُتاب أصحاب الخبرة ينتقلون بسرعة بين الأنواع المختلفة للتفكير كلما اقتضى الأمر. ولكى تسير فى الطريق من الوصول إلى فكرة وحتى كتابة سيناريو التصوير، عليك أن تتوقع أن تتحرك بدون انتظام بين هذه المراحل.
 
"تطوير الفكرة" وهى التى تعنى تحديد فكرة واعدة، وتيمة تصلح نواة لقصة سينمائية، والتى يمكن التعبير عنها بأنها "المقدمة المنطقية" (على سبيل المثال: جندى يعود من خطر دائم فى العراق، ويحاول أن يعاود الدخول إلى حياة المدنية الصغيرة فى ريف نيوإنجلاند. هل يمكن لصديقته أن تساعده فى تلك المرحلة الانتقالية؟). وتتم العودة إلى المقدمة المنطقية بين الحين والآخر لمعرفة كيف تطورت الفكرة المحورية.
 
- "تطوير القصة" هو امتداد الفكرة المحورية إلى شخصيات ومواقف وأحداث. وللحفاظ على خفة الحركة، فإن تطوير القصة يتم من خلال شكل ملخص وبعض جمل الحوار (مثال: إنهما يتناقشان فيما إذا كان جيم يجب عليه أن يخبر والد بيللا أنه لا يستطيع أن ينسى مصرع مواطن برئ عابر فى بغداد).
 
- "تنقيح وإعداد القصة"، ويتضمن مرحلة إعادة البناء، وحذف ما هو زائد، والتشكيل والصياغة، وضغط العمل كله، وعادة ما نظل هنا فى شكل الملخص.
- "رمى الكرة"، أو تلخيص القصة فى عبارات لا تزيد عن ثلاث أو أربع دقائق، تصف أساسيات القصة لمستمع أو مستمعين. وهذه المرحلة تستخلص رد فعل الجمهور قبل أن تصنع الفيلم، وتدُلك على إذا ما كان التنقيح أدى إلى إصلاح عيوب شكل القصة فى المراحل السابقة.
 
- "كتابة السيناريو" التى تتضمن توسيع الملخص وامتداده للشكل المعتاد للسيناريو. وأى سيناريو يحتاج فى العادة بين 10و20 مسودة قبل أن يكون جاهزاً للتصوير.
- "تطوير سيناريو التصوير"، وهو يعنى تفكيك وتحليل السيناريو إلى لقطات وزوايا، وذلك بالاشتراك مع المصور السينمائى والمشرف على (استمرارية) السيناريو.
- إن تطوير الفكرة وتطوير القصة يتطلبان ذوقاً وحدساً، وفى هذه المرحلة يتبع الكاتب الإلهام والحدس والذاكرة الوجدانية، أكثر من الموضوعية والمنطق. ومن ناحية أخرى فإن تنقيح القصة يتطلب مهارات تحليلية وخبرات فى الكتابة الدرامية، وهو ما يحتاج إلى الموضوعية لكى ترى العمل كما يراه المتفرج، وتحكم على ما هو الأفضل للبناء والإيقاع لكى يترك العمل أكبر تأثير على الملتقى من أول مرة، ومن أجل تحقيق ذلك فإن الكاتب يحتاج إلى اهتمام كبير بالطريقة التى يستوعب بها الآخرون وستجيبون لعمله. فإن تغييراً فى أحد المشاهد أو الأحداث يمكن أن يؤثر على ما يبدو مستقراً وثابتاً فى المشاهد الأخرى، لذلك فإن الكتابة هى دائماً نشاط يسير فى مسار دائري.
 
المؤلف عبر تقنيات صناعة الفيلم يذكر للمخرج أن الإنتاج هو مكان تعلم المصاعب الحقيقية فى عالم صنع الأفلام، كما أنه يعلم كيفية العمل مع فريق، ومزايا أن تكون منظماً. وأنت كمخرج يجب أن يكون هدفك الأول هو خلق حضور إنسانى مسيطر على الشاشة، ولكى تحقق ذلك يجب أن تطور الخبرة مع الممثلين (المدربين وغير المدربين)، والقدرة على أن ترى ما هو قابل للتصديق وما هو غير قابل للتصديق والقدرة على حل المشكلات التى يواجهها الممثلون. إن الفيلم الروائى الطويل يتطلب شخصيات متعددة الأبعاد، تناضل _ على نحو مرئي_ لتحقيق أهدافها بطرق قابلة للتصديق ومثيرة للاهتمام. وما يبدو سهلاً وطبيعياً على الشاشة يحتاج فى وضعه لقدر كبير من المهارات الناضجة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة