حكايات الإفطار.. "يا عالم الأسرار" لـ إبراهيم عبد المجيد

الأحد، 28 مايو 2017 08:00 م
حكايات الإفطار.. "يا عالم الأسرار" لـ إبراهيم عبد المجيد إبراهيم عبد المجيد
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تنشر دار بيت الياسمين للنشر والتوزيع، يوميًا على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، سلسلة حكايات تحت اسم "حكايات ساعة الإفطار" للكاتب الكبير الروائى إبراهيم عبد المجيد.

ونشرت صفحة الدار حكاية اليوم الثانى والتى حملت اسم "يا عالم الأسرار"

 

الحكاية الثانية من حكايات ساعة الإفطار

"يا عالم الأسرار"

#كليومحكاية

**

يملك كشك سجاير على ترعة المحمودية، فى المنطقة الممتدة بين حى كرموز وحى راغب. كان أغلب سكانها زمان من بائعى الترمس.  اليوم ظهرت فيها العمارات العالية واشتد فيها الزحام. حين كانت شبه خالية كان الجميع يعرفون برعى، لكن كل من عرفه مات أو رحل عن المنطقة.  وبرعى لم يفكر أبدا أن ينتقل بالكشك إلى منطقة أخري. لا يزال لا يبيع فيه إلا السجائر والبسكويت. فى البداية، فى سبعينات القرن الماضي، كان يبيع فيه القصب. عيدانا أو قطعا للأولاد والكبار. لم يعد القصب فى حلاوة قصب زمان. وتطور أولاد الأحياء الشعبية فلم يعودوا يمصون القصب فى الطرقات ولا يلعبون به. برعى الآن فى السبعين. صار له ولد وبنت  وأحفاد أيضا، لكنه لا يستمع إلى مطلبهم أن يرتاح تاركا العمل. حين يأتى إبنه أو بنته لتقف معه لا يحتج، لكنه لا يوافقهما على تنويع بضاعته. قال لهم بشكل واضح «زمان كنت أقف لأبيع وأكسب وأربيكما. الآن اقف لأنه لا يمكن أن أمضى مابقى من عمرى جالسا فى البيت. كما إننى انتظر إشارة من ربنا». استقر الولد والبنت على أن أباهما فقد كثيرا من عقله، وليس أمامهما غير الانصياع له وتركه على ما يريد. 

لم يكن برعى يكذب.ذلك أنه يضع فى الكشك «ريكوردر» يسمع منه كل عصر قصيدة رباعيات الخيام. يفعل ذلك منذ أربعين سنة. والناس القدامى على قلتهم يعرفون غرام برعى برباعيا ت الخيام دون أغانى أم كلثوم كلها.كانوا يتعجبون منه هوالذى  لا يعرف القراءة ولا الكتابة. يقولون فى عجب من زمان برعى لا يسمع إلا رباعيات الخيام.وكان هو قد سمعها أول  مرة حين اشترى الراديو.  ارتاح لها رغم أنه لا يفهم منها إلا القليل. انتظرها فى اليوم الثانى فى الإذاعة فلم تأت. وهكذا لعدة أيام حتى عادت. تاه معها وسبح فى الفضاء. ولما اختفت مرة أخرى اقترح عليه  عبد الحكيم الوافد الجديد إلى المنطقة، أن يشترى هذا الريكوردر، وشريط  تسجيل فيه رباعيات الخيام، ويسمعها فى أى وقت مادام يحبها كل هذا الحب. وهكذا لم تعد تفارقه حتى فى رمضان، إذ ينساب القرآن الكريم قبل الإفطار من كل البيوت، لكنه  وحده يسمع رباعيات الخيام.وعبد الحكيم أدمنها معه.

ذات مرة. قبل ان ينتهى رمضان بإسبوع قال لعبد الحكيم أن يساعده ويكتب له خطابا لأهله فى الصعيد. كان المعروف عن عبد الحكيم إنه يعمل فى شركة الغزل والنسيج بكرموز. ولم يكن أحد يعرف إنه ترك قريته حزينا لانقلاب المعدية وغرق زوجته التى لم يمض على زواجهما شهر.

قال لعبد الحكيم:

- ايه رايك تفطر معايا. أنت وحيد وأنا وحيد. وتكتب لى الخطاب قبل الإفطار.

وافق عبد الحكيم فقال له:

- وياريت تفطر معايا كل يوم بعد كده.

جلس عبد الحكيم أمام الكشك. كان الجو شتاء. والناس دخلت بيوتها فبل الإفطار. ولا أولاد يلعبون فى الشارع. وضع له برعى طرابيزة صغيرة وفوقها المسجل الذى يعمل بالحجارة إذا ابتعد به برعى عن الكشك، ويصله بالكهرباء إذا كان داخله. ووضع شريط قصيدة رباعيات الخيام، ثم قدم أوراقا وقلما لعبد الحكيم، وجلس يملى عليه.

فكر برعى كيف يبدأ وكان عبد الحكيم يستمع للأغنية. أملاه برعي:

«والدى العزيز. والدتى الحبيبة. إخواتى الطيبين. زوجتي. ولكن عبد الحكيم  الذى حملته القصيدة بعيدا، كتب سمعت صوتا هاتفا فى السحر.. نادى من الغيب غفاة البشر.  وقال برعى خلاص هانت قربت أحوّش الفلوس  اللى ح أجر بيها الشقة واجيب مراتى معايا. وكتب عبد الحكيم: هبوا املأوا كأس المنى قبل أن تملأ كف العمر يد القدر.  يقول برعى كان نفسى أكون معاكم فى الأيام المفترجة دي، لكن أنا باخاف على القرش علشان افتح بيت فى اسكندرية، وعبد الحكيم يكتب غد بظهر الغيب واليوم لى وكم يخيب الظن بالمقبل. انا دلوقت عندى كشك بأبيع فيه  وبطلت شغل فى الخرسانة، كتافى وجعتنى يابوى وأنا مش حمل بهدلة.وعبد الحكيم يكتب لبست ثوب العيش لم استشر وحرت فيه بين شتى الفكر. انت عارف يابوى أنا من يومى صحتى على قدي، علشان كده ربنا وقف لى ولاد الحلال ساعدونى آخد الكشك ده من المحافطة وعبدالحكيم يكتب   فما أطال النوم عمرا ولا قصّر فى الأعوام طول السهر. برعى يقول  ساعدنى موظف كبير فى المحافظة طلب بس أديله كل شهر خمسة جنيه لمدة سنة. والحمد لله قادر أديله. وعبد الحكيم يكتب فكم توالى الليل بعد النهار. وطال بالأنجم هذا المدار، فامش الهوينا  إن هذا الثرى من أعين ساحرة الإحورار. صار عبد الحكيم يسبح مع الأغنية وفى ملكوتها، فلم يعد يسمع ما يقوله برعي. صار يكتب الأغنية وبرعى يلاحظه وهو يكتب بسرعة حتى وهو متوقف عن الكلام ويقول  فى نفسه يمكن دى طريقته أنا أصلا ما اعرفش أكتب. لكن برعى وهويقول أن يسامحه أبوه لأنه لم يرسل لهم نقودا حتى الآن تساعد فى شراء الدواء لأمه المريضة، انفتحت عيناه للدموع بينما كان عبد الحكيم يبكى وهو يكتب  يامن يحار الفهم فى قدرتك. وتطلب النفس حمى طاعتك. أسكرنى الإثم ولكننى صحوت بالآمال فى رحمتك. إن لم أكن اخلصت فى طاعتك. فإننى أطمع فى رحمتك. وإنما يشفع لى أننى قد عشت لا اشرك فى وحدتك. حتى انتهت الأغنية وبرعى صامت ينظر لعبد الحكيم الذى يكتب ياعالم الاسرار علم اليقين. يا كاشف الدر عن البائسين. يا قابل الأعذار. عدنا الى ظلك فاقبل توبة التائبين.

انتهى عبد الحكيم فقال برعي:

- حقك عليا خليتك اتأثرت باللى بأقوله وبكيت.

مسح عبد الحكيم دموعه بمنديله القماش وقال:

- تزعل منى لو قلت لك انا ما كتبتش ولا كلمة من اللى انت قلته.

قال برعى حائرا:

- يعنى ايه؟

-  كتبت الأغنية. وعايز أبعتها لواحد كلنا بنحبه. عايزه يحبنا ويزيح عننا كل شر.

إرتبك برعى جدا فواصل عبد االحكيم:

- عايز أبعتها لربنا.

نظر إليه برعى مندهشا مأخوذا  ثم قال:

- وتوصل؟

- إن شاء الله.

قال ذلك عبد الحكيم وكتب على المظروف «الى الله فى السماء» 

ودق مدفع الإفطارفراح برعى يضع على االطرابيزة الصغيرة طبق الفول الذى اشتراه من قبل والبصل وعدة أرغفة وراحا يأكلان. قال عبد الحكيم:

- بكرة الصبح قبل ما تفتح الكشك تحط الجواب فى البوسطة. وإن شاء الله  حيجيلنا  رد.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة