عزت العلايلى: مبارك معملش حاجة وحشة للبلد ومحدش يقدر ينكر إنجازاته.. مش ضد أفلام الرقص و"ماليش فى السوشيال".. يوسف شاهين مخدش حقه.. وأحسن شىء فى عادل إمام إنه مابيردش على السفالات اللى بيتعرض لها

عزت العلايلى.. فنان ومثقف وكاتب.. أفلامه تعبر عن اتجاهاته الفكرية ورؤاه السياسية.. يرفض تصنيفه تبعا لأى حاكم (عبد الناصر أو السادات أو مبارك)، ويؤكد على مصريته وحبه لوطنه وفنه، وقاعدته تقول :"الوطن فوق الجميع".. فى قلب عزت العلايلى محبة كبيرة تسع جمهوره العربى وكل أصدقاءه من أنحاء العالم، وفى عقله مشاهد كثيرة من حياة نفسه تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا، فالرجل عاش وقت الثورة والنكسة والحرب والانتصار، وكان صديقا للكبار صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وجميع رموز المرحلة.

«اليوم السابع» ذهبت للفنان الكبير عزت العلايلى، حيث يصّور حاليا مسلسله «قصر العشاق» إخراج أحمد صقر، وداخل الكواليس التقيناه يجلس كالطالب المجتهد يراجع مشاهده ويذاكرها، كأنه مقبل على امتحان جديد، فى «اللوكيشن» يوزع الفنان الحب والقبلات على كل الموجودين من فنيين وفنانين ومساعدين وعمال، يرحب بمن يعرفه ومن لا يعرفه، وفى فمه ابتسامة لا تفارقه أبدا سوى أمام الكاميرات، عندما يخلع ثوب عزت العلايلى، ويرتدى بدلة «الشرطة» إذ يجسد شخصية مأمور سجن فى المسلسل.

 

داخل «الكرفان» الخاص به كان اللقاء، سألناه: «لو حكينا يا أستاذ نبتدى منين الحكاية»؟ رد: «عندما أنظر لرحلتى مع الفن بنهج، وآخذ نفسا عميقا، وأبطل أفكر، قصتى طويلة أشبه بشريط سينمائى، به فرح وبكاء ونجاح وإخفاق، ولا يمكننى أن أضع عنوانا لحياتى لكنى أعتقد أنى قدمت شيئا لأولادى ماديًا ومعنويا، لم يكن التمثيل بالنسبة لى «هزار» أو «شو» بل انفعال صادق وتجربة حية حقيقية، قدمت فيها نبضا وعلما ومعرفة، وإذا أردت الحديث عن الرحلة أبدأ من الستينيات، منذ نشأة التليفزيون المصرى، كنت أعمل معدا فى برنامج ثقافى بعنوان «رحلة اليوم»، وقتها كان يوجد فى القاهرة 24 محافظة، وصنعنا عنها 24 فيلما، ثم اتجهت للكتابة فى المسرح، وكان معى الفنان رشوان توفيق والمخرج الراحل أحمد توفيق، وحينها فكرنا نعمل مسرح التليفزيون، كنوع من نشر الثقافة المرئية، وعندما اقترحت هذا على الدكتور عبدالقادر حاتم قال لى: «بكرة تسافر إلى لندن لمعرفة كل شىء عن هذا النوع»، وذهبت إلى هناك وعدت بتقرير كامل عن المسرح وحرفيته، وصنعنا 3 فرق مسرحية، كان أبطالها عادل إمام، وسعيد صالح، وصلاح قابيل.

 

يقول عزت العلايلى إن مشواره مع دنيا الأضواء بدأ منذ تلك اللحظة: «فى هذه الأثناء كتبت مسرحية اسمها «ثورة قرية» مأخوذة عن قصة للكاتب الصحفى محمد التابعى، كان قد كتبها فى «أخبار اليوم» تحت عنوان «ثورة فلاحة»، وكانت هذه أول مسرحية يخرجها حسين كمال وأبطالها صلاح قابيل، ورشوان توفيق، وبعدها قدمت مسرحية سياسية بعنوان «الطوفان»، وأكملت خطواتى واحدة تلو الأخرى، حتى تعرفت على المخرج صلاح أبوسيف، وأسند لى دورا صغيرا فى فيلم «رسالة من امرأة مجهولة»، وصرنا أصدقاء، بعد «رسالة من امرأة مجهولة» قدمت بعض الأدوار الثانية، ثم التقيت بالمخرج توفيق صالح، وقدمنى فى فيلم «السيد البلطى»، ومنه إلى فيلم «الأرض» مع المخرج يوسف شاهين.

 

يصمت عزت العلايلى ثم يبدأ فى الحديث عن حكايته مع يوسف شاهين، ومتى بدأت وكيف كانت، يقول: «جو حبيبى، وبداية معرفتى به كانت فيلم الأرض، كان قد شاهد لى بعض الأفلام قبل أن يرشحنى لهذا الفيلم الشهير، وفى ذلك الوقت كنت صديقا للسيناريست حسن فؤاد صاحب السيناريو والحوار للفيلم، وسألته: «أنت اللى رشحتنى»، قال لى: «أنت ترشيح يوسف شاهين نفسه وليس أنا»، وبدأت صداقتنا من أول يوم تصوير، أتذكر كواليسه، كنا فى مدينة الفيوم وقد نزلنا فى أحد الفنادق هناك، وقت ممتع بكل ما فيه، فى الفندق كنا نلتف حول «جو» أنا وصلاح السعدنى وحمدى أحمد ويحيى شاهين، وكان يأتى لنا المخرج أشرف فهمى والمخرج داود عبدالسيد والمخرج أحمد ياسين، وتعمقت الصداقات.

ويسترجع الفنان الكبير ذكرياته مع المخرج العالمى قائلا: «بعد انتهاء الفيلم لم تنته قصتى معه، بل توطدت الصداقة فيما بيننا، حتى عرفنّى على أصدقائه، ومنهم «إريك رولو» صحفى مصرى يهودى، مقيم فى باريس، هذا الرجل «فتح دماغنا» على حاجات كثيرة عقب نكسة 67 وقت أن كان الانقسام يضرب المجتمع المصرى فى بداية عام 68، ومن هنا نشأت فكرة فيلم «الاختيار» بسبب تلك الانقسامات، التى لمستها من الجلسات والنقاشات التى كنت أجلس فيها مع يوسف شاهين وآخرين، وكان المفروض يوسف يقوم ببطولة الفيلم، «ووضب نفسه كويس جدا» استعدادا للتمثيل، على أن أقوم أنا بالإخراج لكن بتعليماته وتوجيهاته، وفجأة قال: «مش همثل»، وسألنى عن رأيى فى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وقال أنا هرشحه يعمل الدور، وقتها أحسست أن كل طموحاتى «اتهدت» فتجربة الإخراج ضاعت، وكذلك التمثيل فى الفيلم، ثم ذهب شاهين للقاء حليم فقال له: «ده مفهوش أغانى يا جو»، فرد عليه يوسف: «ما أنت طول عمرك بتغنى جرب مرة من غير غناء»، فرفض حليم، ثم رشحنا فنانا آخر وفى النهاية كان دور «الاختيار» من نصيبى.

 

على عكس كثيرين يرى عزت العلايلى أن يوسف شاهين لم يأخذ حقه، إذ يقول: «مخدش حقه، والأجيال القادمة ستعرف حجمه، يوسف عبقرى بلا شك، تعلمت منه الدقة، وحب المهنة، فالفن عنده رؤية خاصة، وليس مشهدا يقدمه، ولو أحصيت سلبياته لن أجد إلا سلبية واحدة من وجهة نظرى هى إهماله فى صحته بالتدخين، حيث كان مدخنا شرها، وللعلم لم يكن يغار من أحد».

 

ويتفق عزت العلايلى أن بعض أفلام يوسف شاهين يكتنفها الغموض ولا يفهمها البعض، يقول: «لا ننكر أن أفلامه بها غموض، وهو لا يحب تفسير المعنى، وعندما كنت «انكشه» يتعصب جدا ويقول: «دى بتاعتى أنا محدش له دعوة»، هو فنان له ملكيته الفكرية الخاصة، وكنت بحترم ده، لكن رسالته فى كل أعماله تؤكد أهمية الإنسانية، وكان يقول: «الإنسان لازم يشتغل على نفسه لصالح الناس».

عزت العلايلى

وينتقل الفنان الكبير من الحديث عن الحياة الفنية للكلام عن الحياة السياسية قائلا: «إذا نظرت على الفترة التاريخية التى تعايشتها أرى أنى عشت جميع المراحل بإيجابياتها وسلبياتها، وفى مراحل كثيرة لست راضيا عنها، مثل حرب اليمن «ملهاش لازمة وضيعت ميزانية دولة»، وكنت قد كتبت 21 حلقة بعنوان «اعرف عدوك» أتحدث فيها عن المد الصهيونى من 1901 مرورا بالحرب العالمية الأولى، وعندما قدمتها للتليفزيون رفضوها، إلى أن وقعت النكسة، طلبوها و«اتمثلت» وتمت إذاعتها بعد النكسة، ولا شك أن جمال عبدالناصر زعيم ومحترم وله تاريخ، لكن له نجاحات وإخفاقات، والسادات رجل وطنى ومخلص وصنع حرب أكتوبر، وساهم فى إعلاء شكل الإنسان والمقاتل المصرى».

وعن شهادته فى حق الرئيس الأسبق حسنى مبارك، يقول: «ليس هناك جدال فى وطنية الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فهو وطنى مخلص، والتقيت به أكثر من مرة عندما كان فى السلطة، وكان رجلا مضيافا وكريما، غير متكبر أو متعجرف أو متغطرس، ولم أكن أحب أن تكون نهاية هذا الرجل تراجيدية هكذا، وكان يجب على الدولة أن تراعى تاريخه لأنه وطنى مخلص وله أياد بيضاء فى حرب 6 أكتوبر، راجل عاشق لمصر يمكن ميعرفش يعبر إزاى عن هذا الحب، لكن له نجاحات ملحوظة لا أحد يستطيع نكرانها فى «الصرف الصحى والتليفونات والكبارى والمرافق العامة»، وربما خطأه يتمثل فى طول مدة الحكم، كان يجب مراعاة طول الفترة، فهناك فكر جديد طرأ، ويستكمل عزت العلايلى: «مبارك معملش حاجة وحشة للبلد، وكان يحب الفنانين وآخر جلسة التقيته فيها كان معنا يحيى الفخرانى ومحمود يس ويسرا وفاروق حسنى وأنس الفقى، ولم أر فيه «حاجة وحشة».

ويعقب على مرحلة الإخوان المسلمين قائلا: «كنت تائها فيها، مش عارف هم عايزين إيه، لم يكن لديهم رؤية، لكن الحمد لله نحن نعبر الآن مرحلة من أخطر المراحل، التى تمر بها مصر، على كل المستويات السياسية والاقتصادية، والرئيس السيسى رجل وطنى ولديه طموحات وطنية ويجب التكاتف معه ومساعدته لتحقيقها».

وفاة نور الشريف ومحمود عبدالعزيز تركت أثرا حزينا فى نفس عزت العلايلى وعنهما يقول: «وجعونى، نور وجعنى جدا جدا، وبكيت بالدموع عليه، ومحمود عبدالعزيز علّم فىّ علامة جامدة، واستغفر الله العظيم كنت متخيلا أنى هموت قبلهما، وفاتهما تعبتنى جدا، أتذكر عندما ذهبت وراء نور الشريف فى المقابر أغشى علىّ، ولم أشعر بماذا حدث، وتعبت جدا، وظللت فى تعب، وأيضا محمود، أنا بحب كل أصدقائى، نور قيمة كبيرة وأمتع الأوقات هى التى سافرنا فيها معا إلى روما ولندن، ومازلت أتذكر المناقشات والحوارات التى كانت تدور بيننا، ومن أفضل أعمالى بئر الخيانة وأهل القمة مع نور»، ويستكمل الحديث عن أصدقائه: «كل الفنانين أحبهم لا أنسى سعاد حسنى ونادية لطفى ويسرا، ومحمود المليجى ونور الشريف كلهم أساتذة»، ويضيف: «عادل إمام فنان كبير جدا وقيمة عالية جدا، وأعظم حاجة فيه أنه لا يدخل فى نقاشات أبدا، رغم تعرضه لبعض السفالات».

ولفت العلايلى فى حواره إلى أنه لا يتعاطف مع «السوشيال ميديا» أبدا، يقول: «هذا المخترع الجديد أضر بالمجتمع أكثر مما أفاده، كان المفترض أن يبقى شيئا إيجابيا، وجميل جدا أن يكون لديك سلاح مثله، لكنه ضار، وأنا لا أتعاطى معها، ببساطة «ماليش فيها»، يكفينى إشغالات اليوم وأخبار الناس والعالم».

بعد هذه الرحلة الكبيرة فى السينما والتليفزيون والمسرح والإذاعة يقول عزت العلايلى: «مقدرش أقيم نفسى، وإلى الآن عندما أرى أفلامى القديمة لا أكمل مشاهدتها، وأقول إزاى كنت بمثل كده»، ويضيف: «نفسى أشوف السينما المصرية تنتج أفلاما تحكى تاريخ المرحلة، فمصر اتنقلت نقلة رهيبة، ونحن كنا أكبر دولة تنتج أفلاما فى أفريقيا والشرق الأوسط، لكن للأسف تراجعنا، ومفيش مانع نعمل أفلام تجارية بس كمان نعمل أفلام جيدة، أنا مش ضد أفلام الرقص، والحكومة لازم تشتغل وتعمل أفلام حلوة، وطلعت حرب بنى شركة مصر للتمثيل بالفيلم المصرى، صناعة السينما كانت أعلى من القطن»، ويبدى رأيه فى الجيل الجديد: «كلهم حبايبى، ولا أغضب من مسألة ارتفاع أجورهم ولا تزعجنى على الإطلاق، بالعكس بقول دول شطار ومحظوظين، وكلهم زى أولادى وأحفادى».