فى ذكرى رحيله الثانية .. «العُمْر» قصيدة جديدة لـ«الخال» ننشرها لأول مرة بخط يده.. قصيدة الألم الواضح والألم الدفين.. الأبنودى ينظر إلى الحياة من فوق موقعه على سرير مرض الموت أو من موقع البرزخ

الجمعة، 21 أبريل 2017 11:47 ص
فى ذكرى رحيله الثانية .. «العُمْر» قصيدة جديدة لـ«الخال» ننشرها لأول مرة بخط يده.. قصيدة الألم الواضح والألم الدفين.. الأبنودى ينظر إلى الحياة من فوق موقعه على سرير مرض الموت أو من موقع البرزخ الأبنودى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وائل السمرى

وائل السمرى يكتب..

 
لم يفصل بينها وبين الرحيل سوى خمسة أشهر، ولذلك فقد حملت هذه القصيدة، مقدارًا كبيرًا من الألم ومقدارًا كبيرًا من السكون، ومقدارًا كبيرًا من اليقين، ومقدارًا كبيرًا من الشك، ومقدارًا كبيرًا من الفلسفة أيضًا، لكنها فلسفة عبد الرحمن الأبنودى التى لا تشبه غيرها من فلسفات، فلسفة الأرض والطين، فلسفة الدمعة العفوية والابتسامة الصادقة، فلسفة الشمس التى ترسل أشعتها كل يوم بلا ضجيج برغم ملايين المعادلات الفزيائية التى تمر بها، فلسفة بسيطة لا تحمل شيئًا أكبر مما تحمل بساطة المياه التى خلق الله منها كل شىء حى.
 
 
الابنودى (1)
 
فى هذه القصيدة أراد الأبنودى أن ينظر إلى الحياة من فوق موقعه على سرير مرض الموت، وإن شئت الدقة قل إنه نظر إلى الحياة من موقع البرزخ، موقع من يرى كل شىء، مثله مثل الحكيم جلجاميش فى العراق القديم الذى قالت ملحمته عنه «هو الذى رأى كل شىء فغنى بذكره يا بلادى»، والذى حكت ملحمته عن حيرة التساؤل عن حكمة الحياة والموت، وحملت بذور حلم الخلود وانكساره فى آن، وها هو الأبنودى يصلى صلاة مودع، فى قصيدة أسماها «العمر»، خاتمًا إياها بمقطع من أعذب ما قاله الأبنودى شعرًا، ومن أكثر أبياته جرأة وتجديدًا فى آن، فقد اختار الأبنودى فى هذا المقطع أن يتنازل طواعية عن غنائيته الشهيرة، وأن يتنازل أيضًا عن شروط الإلقاء الجماهيرى التى يعد من أفضل من التزم بها، واختار أن يرسم لوحة تشكيلية عميقة ومفزعة ومبهجة فى آن، وكأنه بهذا المقطع يبحث عن «أبنودى» جديد، أو يبحث عن موقع قدم فى ساحة من ساحات الخيال لم يعتد منه جمهوره على ارتيادها، فيقول:
 
الابنودى (2)
 

شجر كافور كأنه سور ناقص

تلات شجرات..

يرمى الورق ع الأرض

الطير يقف على الغصون عارى

جواه غنا خالص..

يغنى للدنيا وشايفها جميلة

الغصن عارى وهو مكسى ريش

والريش جميل وكل ريشة بحلم

 
هنا يدخل الأبنودى إلى ساحة الرمز، ولا أجد ما هو أكثر مناسبة للحديث رمزًا سوى الحديث عن الحياة والموت، عن تأمله لسريان الحياة فى أوصاله وجفافها من عروقه، عن الحديث عن الزمن الذى يقول عنه «أما الزمن فكأنه قطر حديد فى جريته بيهلك واحد ورا التانى»، عن الطريق الذى يقطعه الإنسان من يوم مولده، ولا يدرك حقيقة أن نهايته الوحيدة، نهايته الأكيدة هى الموت، «وفى الطريق للعرش.. دايمًا طريق للنعش».
 
الابنودى (3)
 
فى هذه القصيدة، محنة يسوقها الأبنودى إلينا بلا ألم واضح، لكن بكامل الألم الدفين، ألم أجبره على الإقرار بأنه صار لا يعرف للضحك سبيلًا، لكنه يعرف سبيل الكلمة جيدًا، ويعرف سبيل الرمز جيدًا، ويعرف كيف يصف الحياة وكأنها «شجر كافور وكأنه سور ناقص تلات شجرات» ليجبرنا على التفكير فى هذه الشجرات الثلاث، من الذى أنقصها؟ ولماذا نقصت؟ وما هى تلك الشجرات الناقصة، وماذا سيحدث لو أوجدت تلك الشجرات؟ وقبل أن أتركك مع هذه القصيدة العميقة يبقى أن أخبرك بأننى أثناء مراجعتها قبل النشر، اكتشفت أن هنا شيئًا ما غير طبيعى فى أحد أبياتها، وهو ما جعلنى مترددًا فى نشرها على اعتبار أنها قصيدة غير منتهية، ولما راجعت القصيدة مرة أخرى وجدت أن الأبنودى قد راجعها، ووضع عليها تاريخ كتابها واختار اسمها، وهو ما يوحى بأنه انتهى منها بالفعل، وحينما عرضت الأمر على السيدة الفاضلة «نهال كمال» زوجته، الراحل الكبير، وأم ابنتيه اتفقت معى فى الرأى، ورأينا ألا نحرم جمهور شاعر مصر الحبيب من أحد قصائده العميقة، ولهذا ستجد كلمة واحدة بين قوسين فى السطر الثامن والثلاثين، وقد وضعت هذه الكلمة ليستقر الوزن ويتضح المعنى فى آن وقد حاولت بقدر الإمكان أن أستشف ما كان يقصده الأبنودى دون أن أزيد عليه أو أزايد على خياله الذى أثبت فى هذه القصيدة أنه لم يقف عن التطور حتى وهو يصارع الموت.
 
 

العمر

 

فى فترة الطفولة
نعدها بالسنين
وف فترة الكهولة
نعدها بالثوانى
كله حسب ما يملك
يا ع الزمان اللى إحنا ضيعناه
ما بين لأه وآه
أما الزمن فكأنه قطر حديد
فى جريته بيهلك واحد ورا التانى
وفى الطريق للعرش
دايما طريق للنعش
وكأنما الموت فعل إنسانى
***
 
فى فترة الطفولة
أبو خمسة عاوز يبقى أبو عشرة
وأبو عشرة يحسد اللى له عشرين
وفيما بعد..
يوصل
وكل ما فات فى السنين يوحل
ويبتدى يعرف يبص وراه
والكهل لا بيحلم يعود تانى
ولا لصبا ولا لطفولة
ويبتدى ينسى سنينه الأولى
وتدربه سنواته ينسى الآه
ويبص بعنيه الكليلة للبعيد..
وفى انتظار اللى بيستناه..
يرحل إليه.. عكاز لضهره الحانى
يعانى.. يعمل إنه مش بيعانى
ودان تميز صوته فى زحام ميت
ويمد إيده يملا إيده الموت!!
***
 
وكل عام أحرك الهمة
واستنى ع القمة..
ومع الضلام
أعانق الضلمة..
ولما ينقشع الضلام ويهل
صباح يلاعب ضل
ييجوا الصغار
ويشدوا فيا للفطار
وأنا عارف إن «الأكل» مر
ويضحكوا ويهيصوا
وأنا ما بعرفش أضحك
وابلع اللقمة
***
 
شجر كافور كأنه سور ناقص
تلات شجرات..
يرمى الورق ع الأرض
الطير يقف على الغصون عارى
جواه غنا خالص..
يغنى للدنيا وشايفها جميلة
الغصن عارى وهو مكسى ريش
والريش جميل وكل ريشة بحلم
 
عبدالرحمن الأبنودى
2/11/2014

 

 

 

العمر--
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة