طارق الحريرى

حوار مولانا قفزة فى لغة السينما المصرية

الأربعاء، 01 فبراير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أواصل ما بدأته من تناول فيلم "مولانا ":

فى اللغة السينمائية يلعب الحوار دورا رئيسيا وأحيانا يتراجع عن هذه المكانة وعند مولانا احتل الحوار موقعا متميزا بين عناصر العمل وساعد على هذا أنه كان مغزولا بمهارة فى نسيج الفيلم ونجح رغم مساحته الكبيرة بين مفردات العمل فى التوافق مع البناء الدرامى ومكونات العناصر الفنية الأخرى وإذا كانت عين الكاميرا هى فى الأساس صانعة مضمون الصورة فإن الحوار فى فيلم مولانا هو عقل الفيلم وقلبه النابض لأنه استطاع أن يناقش ويكشف ويحلل قضايا شائكة من خلال المنطوق الصوتى للشيخ حاتم الشخصية الرئيسية التى يتمحور حولها الفيلم حيث تمت صياغة كل ما أداه من حوار بطلاقة فى اللغة المبسطة العميقة والمنتقاه فى مفرداتها اللغوية بمهارة وقد انعكست هذه البراعة من قدرات كاتب الحوار الجورنالجى القدير والروائى المحب للسينما إبراهيم عيسى الذى كتب حوارا فائقا غير مسبوق للفيلم جعلت من لم يتعودوا على الحوار العابر لأشكال الكتابة التقليدية فى السينما المصرية اليوم يتفاجأون بهذه البراعة والمهارة والإتقان.

البعد الفنى للحوار

وتجلت قوة الحوار فى أنه عندما كان الموقف يستدعى الاسترسال وهذا تكرر مرات عديدة فى الفيلم وعلى سبيل المثال فى برنامج لشيخ حاتم التليفزيونى فهو عندما يشرح موضوع أو يقوم بالرد على سؤال يترك مقعده ويتحرك للجلوس بين الجمهور الحاضر فى العرض ويقطع استرساله بدعوة أحدهم ليكمل آية أو حديث لكسر الرتابة ودهاء الحوار أنه ابتعد فى الموضوعات المعقدة والخلافية عن التقريرية فعندما قام بشرح موضوع المعتزلة لنشوى (الفتاة التى دست عليه) فى مكتبه سألها ربنا عرفوة بإيه وعندما ردت بالعقل قال هى دى المعتزلة وفى المواقف الحرجة أو التى يشوبها النزاع والتباين كان الشيخ حاتم يبدأ من أسخن نقطة يمكن أن يستهل بها كلامه فى الحوار دون مقدمات أو رطانة مثلما حدث فى لقائه الأول مع حسن ( بطرس ) أو فى ما تكرر عندما كان يناقش قضايا خلافية فى الدين حيث يعرض رأيه ببراعة دون تمهيد أو حواشى وفى موقف مأساوى وبشع عند عرض فيديو يقوم فيه المتطرفون بحرق موقع للصوفيين العزل بمن داخله من بشر علق بنفاذ إلى كبد الحقيقة مباشرة دون تمهيد عاطفى أو استنكارى قائلا: "مواطنين مصريين مسلمين يحصل لهم كده كل ذنبهم حب النبى وآل بيته لما كل العنف ده يحصل ليه حق العالم يقول علينا إرهابيين." وعندما يستدعى الأمر قولا فاصلا فى نهاية الفيلم يأتى الكلام كالعادة مختصرا بليغا فى عبارة مفعمة بروح الحكمة "الخوف ما يمنعش الموت الخوف بيمنع الحياة".

السينما عندما تتكلم

طال الفيلم نقد سلبى من البعض باعتبار أن الحوار فيه انزلق إلى الطابع الخطابى وهذه وجهة نظر غير صحيحة لأن الحوار لم يقع فى أخطاء تنفى عنه البعد الفنى للكتابة وتم "تضفيره" فى العمل بطريقة صحيحة وأصحاب هذا الرأى أن لم يكونوا مغرضين فهم متأثرين بنظرة إلى السينما ترى أنه كلما أمكن تقليل الحوار المنطوق والاعتماد على الصورة فقط كان هذا إنجازا فى اللغة السينمائية وهناك بالفعل بعض الأفلام بها مشاهد كاملة لايتخللها حوار منطوق لكن الإبداع فى السينما لايبنى على مدرسة أو وجهة نظر واحدة وعلى سبيل المثال لا الحصر تعتبر السينما الأمريكية أن فيلم "إثنى عشر رجلا غاضبا" للمخرج سيدنى لوميت احد علامات مجدها السينمائى لتفرده كفيلم تقع أحداثه داخل غرفة للمحلفين متخمة بالحوار وكل الوقت خارج غرفة المحلفين هو ثلاث دقائق فقط من 96 دقيقة مدة الفيلم ويعد هذا الفيلم فى ذاكرة السينما من أعظم الأفلام على الإطلاق وفى عام 2007 اختير للإقتناء فى الأرشيف الوطنى السينمائى من قبل مكتبة الكونغرس وحيثيات الاختيار أنه أثر حضارى وتاريخى وجمالى ومن قبل هذا الفيلم انتهى فيلم شارلى شابلن الديكتاتور العظيم بخطبة طويلة للغاية بمفهوم السينما ومع هذا حقق الفيلم نجاح ساحق والملفت أنه تم استدعاء شابلن لعدة مناسبات وطنية لإلقاء الخطاب نفسه مجددا وفى حالة فيلم مولانا نال العرض عند مشاهدتى له مع مجموعة من الأصدقاء تصفيق حاد كرد فعل لما يقوله الشيخ حاتم فى مواقف عديدة من الفيلم وهذا نادر الحدوث فى سينما تعتمد إلى الرأى وتناول القضايا المحتدمة مما يعنى انتفاء الخطابية المزعومة.

عن الفيلم

اتصف التمثيل بمستوى متميز فى الأداء وكان دور الشيخ حاتم الذى قام به عمرو سعد درة التاج بين كل أعماله وتقمص الشخصية بدرجة ملفتة لاتشوبها شائبة بينما جاءت زوجته التى مثلت دورها درة باهتة تقليدية على عكس الدور النسائى الآخر فى الفيلم "نشوى" الذى مثلته ريهام سعيد واتصف بأداء ناجح ومنح الممثلون الكبار أحمد راتب ولطفى لبيب وبيومى فؤاد ثقل هام للفيلم رغم صغر أدوارهم ولهم الشكر على موقفهم كهامات كبيرة فى مجال التمثيل .

 ومن اللافت البعد العائلى للممثلين المشاركين فى الفيلم فأحمد مجدى الذى قام بدور حسن هو ابن مخرج الفيلم مجدى أحمد على لكنه أدى دوره بإجاده بعيدا عن علاقته بأبيه ولم يكن بحاجة للذهاب بما يشبه البيجاما فى إحدى فعاليات الفيلم كما قام بتمثيل دور الشيخ الحسينى رمزى العدل الذى كما جاء فى تترات الفيلم انها كانت المرة الأولى له فى التمثيل ورغم كبر سنه لكنه أدى بموهبة غير متوقعة ترشحه لأفضل ممثل دور ثانى رغم صغر دوره.

شاب الإخراج بعض جوانب القصور مثل الانتقال بين المشاهد فالقطع بصفة عامة نمطى لم يحقق التباين فى المعادل البصرى والتوترفى إيقاع الرؤية للمعطى اللونى وعلى مستوى التكوينات واتزانها رغم ثراء الخط الدرامى وغنى محتوى الشخصيات.

لقى الفيلم من اليوم الأول لعرضه هجوم كاسح غير مبرر من الأزهر والسلفيين وبعض الرسميين السابقين والحاليين فى حملة اتصفت بالافتيات والادعاء عليه بأراء مختلقة حتى أن بعضهم لم يشاهدوه واعتبار أن الفيلم فتنة يجب التصدى لها مع الدعوة لإيقاف عرضه .

يحسب لجهة الإنتاج إقدامها على إنتاج فيلم يتجاوز السياق العام للسينما المصرية الآن فى مغامرة انحاز فيها المنتجين للقيمة قبل التفكير فى الإيرادات وإن كنت أعتقد أن الفيلم سيحقق عائدا مقبولا لأصحابه.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة