سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 7 ديسمبر 1975.. زكريا الحجاوى يودع «الطيب صالح» ويموت دون أن يحقق حلمه ببناء بيت للعيش فيه

الخميس، 07 ديسمبر 2017 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 7 ديسمبر 1975.. زكريا الحجاوى يودع «الطيب صالح» ويموت دون أن يحقق حلمه ببناء بيت للعيش فيه الفنان زكريا الحجاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طاف الفنان زكريا الحجاوى فى يومه الأخير بمعظم أصدقائه ومحبيه فى الدوحة بقطر، حيث كان يعمل هناك منذ عام 1971، كان فى قمة النشاط والحيوية، ويريد أن يرى صديقه وحبيبه الأديب السودانى الطيب صالح «أحد منابع النيل كما كان يسميه»، والمسؤول وقتئذ عن الثقافة فى قطر، فذهب إليه دون سابق موعد، ولما عرف أنه فى «اجتماع الوزارة» رأى أن يمضى ليكمل جولته على الأصدقاء، وفى هذه اللحظة خرج «صالح» من الاجتماع دون سبب معقول للخروج، فما إن شاهده الحجاوى حتى أقبل عليه بفرح عظيم، وراح يقبله وكأنه عائد فى هذه اللحظة من القاهرة، أو مغادر إليها.
 
هكذا يروى الكاتب والأديب عبد القادر حميدة وقائع اليوم الأخير «7 ديسمبر» 1975 فى حياة الحجاوى، مضيفا فى كتابه «أوراق بدون ترتيب-فى الأدب والفن والحياة» عن «مكتبة نون - القاهرة» أنه ذهب فى المساء إلى مكتبه ليشرف على تدريبات «فرقة الفنون الشعبية» التى أنشأها منذ ثلاث سنوات، ولما سمع بعض اللغط من بنات الفرقة فى غرفة التدريب، طلب من صديقه ومرافقه، المغنى الشعبى القطرى «مرزوق العبدلله» أن يسكتهم، فذهب، ولما عاد وجده منكفئا على مكتبه، فناداه: يا أستاذ، ولم يرد، وحاول أن يرفع وجهه من فوق المكتب، فطلب سيارة الإسعاف وكانت الروح ما تزال فيه، لكنه فى هذه اللحظة غادر الدنيا.
 
كان وقت موته ابن ستين عاما وشهور وأيام «مواليد 4 يونيو 1915» المطرية محافظة الدقهلية، أمضاها عبقريا فى عيش الحياة وإبداع الفن، يتذكر محمود السعدنى أول معرفته به: «عندما بدأ يتكلم بدا أنه يعلم أشياء كثيرة، وعندما حان موعد الغداء أرسل فاشترى بقرشين صاغ مصارين مقلية وبقرش جبنة وبطيخ وعشرين رغيفا، ورحنا نأكل فى مرح شديد كأننا على صلة وثيقة منذ عشرة أعوام، وأحببته منذ تلك اللحظة، وعشت معه أياما سعيدة ومريرة، وطفت خلفه فى ريف الجيزة، نبحث عن سهرة وعن عشوة، ومن زكريا تعلمت الصبر وقوة الاحتمال، كان أبا لسبعة أطفال، ولا يملك سبعة قروش، ومع ذلك لم تفارقه النكتة، ولم يعرف اليأس طريقه إليه، وحول زكريا تعرفت على صبية صغار، أصبح لهم فيما بعد شأن، يوسف إدريس، صلاح جاهين، محمد عامر، الشاعر محمد الفيتورى، الشاعر صلاح عبد الصبور» (مذكرات الولد الشقى-دار الشروق - القاهرة). 
 
وفى عبقرية الحياة أيضا، سنجد فيها قصة مشاركته محمد على ماهر فى تهريب الرئيس السادات من مستشفى قصر العينى أثناء اتهام السادات باغتيال أمين عثمان «5 يناير 1946»، وأخذه إلى منزله فى المطرية وبقى فيه شهورا (يوسف الشريف: زكريا الحجاوى - موال الشجن فى عشق الوطن - دار الشروق - القاهرة). 
 
فى عبقرية الإبداع، يذكر «الشريف» أنه قدم للإذاعة المصرية 72 ملحمة وأسطورة اكتشفها من بطون الريف وفيافى الصحراء وأكواخ الصيادين، و120 مسلسلا بينها أيوب المصرى، سعد اليتيم، أنس الوجود، سارة والعقاد، عزيزة ويونس، بلقيس أنشودة الزمان، حياة الإمام محمد عبده، أبو نواس، قطر الندى، فارس بنى حمدان، ومن مؤلفاته المسرحية «بيجماليون، ملك ضد الشعب، يا ليل يا عين» (أول أوبريت شعبى سنة 1957)، وكتب مجموعة قصصية «نهر البنفسج»، وفى الدراسات كتب «حكاية اليهود»، وموسوعته «التراث الشعبى - الجزء الأول».
 
هو بهذا التنوع مجموع مبدعين فى شخص واحد كما وصفه تلميذه الشاعر والمسرحى نجيب سرور قائلا: «الشاعر، الزجال، المخرج، الممثل، الناقد، الذواقة، الجامع للتراث الشعبى، المحقق الدارس لهذا التراث، الرائد فى كل طريق أتاحت له المقادير والظروف أن يضع قدمه عليها»، ويضيف فى مقاله «زكريا الحجاوى والحية الفتاكة»: «1 - أول من نبه إلى قيمة الاعتماد على الفن الشعبى فى الأفلام والمسرحيات والأعمال الفنية، 2 - أول من حول الموالد إلى مؤتمرات شعبية تعتمد على الفن الشعبى الفطرى، 3 - فى أحضانه كتبت أول أسطورة من الفلكلور «يا ليل يا عين»، 4 - قام بأول جولة لجمع الرقص الشعبى وقام بعرضه على مسارح عواصم البلاد،  5 - صاحب فكرة قوافل الثقافة ومنشئها، 6 - صاحب فكرة قصور الثقافة ومنفذها، وفرق الفن الشعبى إلى جانب المسرح والكتاب..الأساس الثقافى لفن المحافظات، 7 - فى أحضانه نشأت الفرقة القومية للفنون الشعبية، 8 - منشئ معهد الفنون الشعبية ومركزها ونوادى الفلكلور، 9 - صاحب فكرة الفرقة النموذجية للفنون الشعبية التى عملت على مسرح المقطم» (نص المقال فى كتاب يوسف الشريف).
 
مع كل هذا العطاء لم يجد فى رصيده مالا ليبنى بيتا بعد أن صدر قرار إزالة لبيته فى الجيزة، فاضطر إلى السفر لقطر، وحسب الطيب صالح: «لم يترك شيئا من حطام الدنيا، قال لى مرة إن كل أمله أن يجمع بعض المال، ليقيم به دارا يجمع فيها ما تبعثر من كتبه وأوراقه وينقطع إلى الكتابة والبحث»، لكنه لم يفعل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة