القدس فى ثقافة المصريين.. الحق الذى لا يضيع

الأربعاء، 06 ديسمبر 2017 05:00 م
القدس فى ثقافة المصريين.. الحق الذى لا يضيع مظاهرات فلسطينية
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يشكل الموقف المصرى حيال القدس أمثولة للتمسك بثقافة الحق والعدل والدفاع عن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى وعدم تغيير الحقائق التاريخية ناهيك عن الوضعية القانونية للمدينة المقدسة. 
وتلتزم مصر بموقف مبدئى بشأن الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس فى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة فيما شدد الرئيس عبد الفتاح السيسى على ضرورة العمل على عدم تعقيد الوضع بالمنطقة من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام فى الشرق الأوسط.
ووسط تحذيرات عربية ودولية من خطورة الاتجاه لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، أكد مندوبو الدول العربية الدائمين لدى جامعة الدول العربية رفضهم لأى مساس بوضع القدس القانونى والتاريخى محذرين من تداعيات تفكير الولايات المتحدة بنقل سفارتها فى إسرائيل للقدس على عملية السلام.
وذلك فى كلمات رؤساء الوفود خلال الاجتماع غير العادى لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الذى عقد أمس الثلاثاء، لبحث التطورات التى تمس بمكانة القدس ووضعها القانونى والتاريخى.
وإذ تتوالى الطروحات والتعليقات لمثقفين مصريين وعرب حول خطورة تغيير الوضعية القانونية للقدس وعواقبها على السلم والأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم، فإن الموقف المصرى الثابت والمبدئى حيال القدس يتسق مع حقيقة مصر ورسالتها التاريخية والحضارية "كدولة صانعة للسلام" والشرعية الدولية كما تعبر عنها قرارات الأمم المتحدة . 
وتأتى التطورات الجديدة والمثيرة للقلق بشأن القدس بعد سلسلة من ممارسات التصعيد الإسرائيلى فى بيت المقدس والتى طالت المسجد الأقصى لتشكل تعبيرا صارخا عن ثقافة التطرف بصورة دفعت مثقفين فى إسرائيل والغرب للتحذير بشدة من عواقب هذه الثقافة العدوانية.
وفيما شهدت العاصمة البريطانية لندن مؤخرا إعادة مسرحية:"اسمى راشيل كوري" والتى كانت قد عرضت لأول مرة العام 2005 لتصور مصرع فتاة أمريكية تضامنت مع الفلسطينيين فى مواجهة الممارسات القمعية للاحتلال الإسرائيلى يتنامى اتجاه بين مثقفين فى الغرب يدعم ثقافة الحق ويرفض التطرف الإسرائيلى وتعبر عن هذا الاتجاه أسماء شهيرة لمثقفين مثل الكاتب المسرحى البريطانى هارولد بنتر ومواطنه دافيد هير والمفكر الأمريكى نعوم تشومسكي.
وتظهر تعليقات العديد من المثقفين فى مصر والعالم العربى وحتى فى الغرب إدراكا لحقيقة أن الاتجاه لنقل السفارة الأمريكية للقدس إنما يصب فى صالح المخطط الإسرائيلى لتهويد القدس، والذى اتخذ أبعادا نوعية خطيرة أفصحت عنها الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى بقدر ما تعبر هذه الاعتداءات عن تعاظم واستفحال ثقافة التيار الاستيطانى المتطرف فى إسرائيل.
فإسرائيل تتجه نحو ثقافة أكثر تشددا وعدوانية وإقحاما للدين فى السياسة، كما تعبر عنها أفكار أحزاب مثل "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" و"شاس" و"التوراه"، ويبدو واضحا لكل ذى عينين أنها تمضى قدما فى مخطط تفريغ القدس من الفلسطينيين وهو مخطط الاغتصاب الاستيطانى الذى التهم ما يزيد على الـ 70 كيلو مترا فى إطار تغيير الحقائق على الأرض كخاصية أساسية من خصائص العقل الإسرائيلي.
ومن الواضح أيضا أن العناصر المتطرفة فى الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو تستخدم المستوطنين فى القدس الشرقية الذين وصل عددهم إلى نحو 180 ألف مستوطنا لتغيير الواقع على الأرض وفرض "ثقافة جديدة" على زهرة المدائن وحاضنة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
وهذه الثقافة المراد فرضها على القدس العربية هى ثقافة تلفيقية فى المقام الأول، وتعتمد على تغيير الحقائق على الأرض المقدسة فيما يرفض العالم زعم إسرائيل أن القدس ككل هى عاصمتها ومن ثم فإن الأكثرية الساحقة من دول العالم احتفظت بسفاراتها فى تل أبيب، ولم تنقلها للقدس.
وبينما يتعارض الاتجاه الأمريكى الجديد لنقل السفارة للقدس مع مواقف التزمت بها الولايات المتحدة من قبل فثمة حاجة لقراءة ثقافية عربية متعمقة فى دلالات تصاعد الثقافة الصهيونية المتعصبة التى توفر حاضنة لتنامى التطرف فى المنطقة ككل وتمنح ذرائع لجماعات الإرهاب التى تهدد الأمن القومى العربي.
وهذه الثقافة المتطرفة تدفع فى اتجاه إعلان إسرائيل كدولة لليهود وحدهم وإقصاء أى مكون عربى من هوية هذه الدولة باعتبارها "الدولة القومية للشعب اليهودي" وتجسد القيم والمعتقدات اليهودية وبما يتضمنه ذلك من فرض للرؤية اليهودية لتاريخ المنطقة.
وكانت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) أقرت مشروع قرار عربى يرفض السيادة الإسرائيلية على القدس ويؤكد أن هذه المدينة المقدسة "محتلة" بينما دافعت الثقافة المصرية والعربية ككل بقوة عن الحقوق الفلسطينية فى القدس.
وحذر الكاتب والروائى المصرى الراحل جمال الغيطانى مرارا من خطورة الانعكاسات الإقليمية لتكريس الطابع الدينى لإسرائيل فيما كان الروائى العربى الراحل عبد الرحمن منيف الذى قضى بدمشق فى مطلع العام 2004 مهتما بصورة لافتة بأبعاد التوسع الاستيطانى الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية.
وعمد عبد الرحمن منيف فى هذا السياق لاستعارة مقولة الشاعر والكاتب النوبلى الهندى الكبير طاغور :"لن يصبح الخطأ صوابا ان هو أصبح أقوى" وكذلك مقولته :"يصير تاريخ الإنسان منتظرا نصر الإنسان المهان" مضيفا :"وسوف ينتظر التاريخ حتى يجد الإنسان المهان طريقة يستطيع بها أن ينتزع حقه وأن يفرض على الآخرين احترام هذا الحق".
وإذ أبدى منيف اهتماما ملحوظا بالتيار المعادى داخل إسرائيل لسياسات اليمين المتشدد فإنه رأى أن إسرائيل ليس بمقدورها إلغاء حقيقة الشعب الفلسطيني..مشيرا إلى إمكانية حل الصراع على أساس الاعتراف بوجود شعبين.
وفى "كونشيرتو القدس" ينقل الشاعر السورى الأصل على أحمد سعيد الشهير بـ"أدونيس" عن ابن عباس قوله :"من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقاع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس" فيما مضى الشاعر متجولا بين تضاريس الجغرافيا الثقافية والروحية لزهرة المدائن التى جمعت ما بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة وطريق الآلام وعين سلوان.
وإذا كان أدونيس قد اعتبر القدس "أرض المأساة والتاريخ الملتبس والكلمة" ساعيا فى عمله الشعرى "كونشيرتو القدس" لمزج الثقافى بالرؤيوى وخلط الإبداعى بالمعرفي..فإن القدس تبقى دوما موضع إبداعات ومحفزا لإنجازات ثقافية فى الشرق والغرب. 
 
وفى كتاب "المسجد مرآة الإسلام" – يمعن المفكر الفرنسى الراحل روجيه جارودى النظر فى قبة الصخرة للوقوف على المعانى الداخلية والروحية معتبرا أن هذه القبة تحمل بذور الفكرة الرئيسة للفن الإسلامى الذى يعبر عن التصور الإسلامى للوجود.
ولا يمكن أن يفسر هذا الفن إلا انطلاقا من متطلبات هذا التصور وقبة الصخرة أول مثال باهر له كما يقول روجيه جارودى معيدا للأذهان أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان هو الذى أمر ببناء أول أثر إسلامى رائع: آلا وهو قبة الصخرة التى تم بناؤها العام 687 بعد نصف قرن من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالموضع الذى بنى عليه المسجد وبناؤه وأبعاده ونسبه والأشكال التى ينطوى عليها والألوان التى تبعث فيه الحياة ومظهره الخارجى وسيمفونية فضائه الداخلى كلها ناتجة عن العقيدة التى أوحت ببنائها " فإذا به شكل جديد للجمال ظل يوجه العمارة والفن الإسلاميين والإبداع الفنى فى ثلاث قارات طوال ألف عام" .
ويمضى جارودى فى تأملاته ليقول: قد يسهل علينا أن نبدأ من الخارج فنبحث عن الأصول البيزنطية والفارسية أو الهيلينية والرومانية لهذا العنصر أو ذلك التكنيك فى العمارة أو لهذه الوحدة الزخرفية أو تلك لو لهذا التركيب المنسجم المحسوب أو ذاك بيد أن هذا المنهج فى البحث ضرب من العبث.
فالمؤرخون وعلماء الآثار ونقاد الفن ومهندسو العمارة كثيرا ما قاموا بهذا العمل التحليلى المفيد بلا شك لكن التوقف عند هذا التحليل-كما يوضح جارودى-من غير بدء من الداخل أى من الدفعة المركزية التى انطلقت منها العملية كلها يعنى إغفال شىء جوهرى.
هذا الشيء الجوهرى هو المبدأ الذى ينظم المجموعة، ويغير ملامح ما يقتبس ويمنحه حياة جديدة فى مجموعة لم تر النور بعد ويعبر عن عقيدة واحدة من خلال اختلاف الثقافات فيما أضاف جارودى فى هذا الكتاب أن الشكل الخارجى للمبنى يعبر عن الرسالة الجوهرية لهذه العقيدة.
وإذا كان هناك من يرى استحالة حل الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى وقضية بحجم وخطورة قضية القدس إلا فى إطار دولى ملزم فإن الثقافة العربية تكون بحاجة لتفكير مبدع للتعامل مع هذه القضية على مستوى العالم والاهتمام بكل ما يكتب بلغات أجنبية عن زهرة المدائن.
وفى هذا السياق أيضا فإن ثمة حاجة ثقافية فلسطينية وعربية لملاحظة ظواهر داخل المجتمع الإسرائيلى قد تساعد فى تفكيك ثقافة التطرف الإسرائيلية بقدر خطورتها على المنطقة والعالم ككل، ومن بين هذه الظواهر ما يعرف بظاهرة المؤرخين اليهود الجدد.
وهذه الظاهرة التى تستنكرها الصهيونية المتشددة تعيد قراءة التاريخ بصورة أكثر إنصافا عبر مثقفين إسرائيليين مثل الأكاديمى إيلان بابيه صاحب كتاب "الفلسطينيون المنسيون" والذى يجهر بحق العودة للفلسطينيين.
ويعبر مثقفون يهود عن حق أن الصهيونية المتشددة كأيديولوجية قومية استيطانية منغلقة تهدد الاستنارة وتخاصم الليبرالية بمعناها الحقيقى كما أنها لا يمكن أن تنتصر للعقل وهى تعلى من أفكار التفوق العرقى وفلسفات القوة الغاشمة.
ويبدو التاريخ ميدانا للمواجهة بين ظاهرة المؤرخين اليهود الجدد والصهيونية المتشددة فى نسختها الجديدة التى تفرض حضورها الأيديولوجى فى مناهج التعليم داخل إسرائيل لتنكر تماما أى وجود تاريخى وحقيقى للشعب الفلسطيني.
وفى المقابل، فإن ظاهرة المؤرخين الجدد التى تتحول إلى تيار ثقافى يضم أسماء عديدة لمثقفين فى إسرائيل مثل ميشيل مزراحى و ثيودور كاتز وبينى موريس وشلومو ساند لها تجلياتها فى الطروحات التاريخية والإبداعات الشعرية والروائية وكلها مضادة للصهيونية المتشددة وداعية "لحل إنسانى ومنصف للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
 
والمثير للتأمل فى سياق دور اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة للتأثير على الموقف الأمريكى بشأن السيادة على القدس تلك الدعوى التى كانت قد رفعها والدا فتى أمريكى يدعى مناحيم زيفوتفسكى كان قد ولد بالقدس عام 2002 ويريد صاحبا الدعوى أن يثبت جواز سفر ابنهما أنه مولود فى إسرائيل.
والقضية فى حقيقتها تتعلق بالرغبة فى استخدام المحكمة الأمريكية العليا لتغيير الموقف الرسمى الأمريكى الذى يرى أن السيادة على هذه المدينة المقدسة مسألة لم تحسم بعد.
وفى طرح نشرته دورية (نيويورك ريفيو) التى تعد من أهم الوسائط الإعلامية الأمريكية المعنية بالقضايا الثقافية اعتبر الكاتب والأكاديمى دافيد شولمان أن إسرائيل تحاول "إضفاء المنطق على اللامنطق" ولن تؤدى سياسات حكومتها فى الضم والاحتلال إلا لإصابة الكيان الإسرائيلى بالتفسخ الأخلاقى والانحطاط فيما تعرضت الدولة لما وصفه بـ"قرصنة المستوطنين".
وكأستاذ جامعى إسرائيلى وناشط ثقافى وصاحب إسهامات أكاديمية مهمة فى حقل الدراسات الدينية يبدى دافيد شولمان انزعاجا من اقترانه بدولة باتت تقترن فى الأذهان بفكرة الاحتلال..مؤكدا أن "إسرائيل الآن باتت أسوأ كثيرا من إسرائيل التى جاء إليها منذ نحو 50 سنة".
فمع أنها لم تكن ايامئذ "مجتمع اليوتوبيا" أو بريئة من الكراهية..غير أن كل ذلك لا يقارن بالمشهد الحالى فى إسرائيل حيث استفحلت الكراهية وتفشت العنصرية وتكاثرت تجلياتها المريرة فى المجال العام وعبر وسائل الإعلام. 
والدال فى هذا السياق كما يقول دافيد شولمان إن الكاتب والمحلل الأمريكى المتخصص فى قضايا الشرق الأوسط ناثان ثرال، دعا فى كتاب جديد صدر بعنوان  "اللغة الوحيدة التى يفهمونها" إلى ضرورة تبنى توجه يرغم إسرائيل ولو بصورة قسرية على حل النزاع مع الفلسطينيين.
فالاستنتاج الذى خلص له صاحب هذا الكتاب الجديد أن أساليب الولايات المتحدة فى استرضاء إسرائيل والتى تتضمن الدعم المالى الكبير إلى جانب المساعدات العسكرية الهائلة لن تجدى فى تغيير الذهنية الإسرائيلية التى تؤمن بأن "أى تضحيات ضرورية من أجل السلام ستكون أسوأ بكثير من العمل على استمرارية الوضع الراهن".
وبوضوح يقول ناثان ثرال فى كتابه الجديد" إن أية استراتيجية تقوم على افتراض أن إسرائيل تتصرف بصورة منطقية لن يكتب لها النجاح" فيما يؤكد على أن التوجه الإسرائيلى لاستلهام نظام الحكم العنصرى البائد فى جنوب أفريقيا وإقامة "دولة ابارتيد تحكم الفلسطينيين" إنما يقوض تماما صدقية أى حديث حول "الديمقراطية الإسرائيلية". 
ولا ريب أن للقدس رمزيتها المهمة فى سياق التراث المشترك "لأبناء إبراهيم" بقدر ما تشكل الممارسات الاستفزازية الإسرائيلية تحديا خطيرا لهذه الرمزية ودلالات التراث المشترك، وتصب فى مربع تحفيز ذهنية التطرف والعنف ومنح ذرائع للإرهاب. 
ولئن بقت دموع زهرة المدائن جرحا غائرا فى قلوبنا فإننا لن نتخلى عن الحق ونحن نردد مع الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش :" النشيد لنا سننتصر..الضلوع منازل للعشق - ننتصر".









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة