زينب عبداللاه

قانون قتل الملحدين

الجمعة، 29 ديسمبر 2017 09:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

موجة عاصفة من التشكيك فى كل شيئ يتعرض لها شبابنا ، يحاصرهم الفكر المتشدد من جهة والفكر الإلحادى من جهة أخرى ، يهيمون  فى الفضاء الإليكترونى ، فيصبحون صيدا سهلا للجماعات المتطرفة تارة ، وللمشككين فى الأديان والداعين للإلحاد تارة أخرى ، فيسير الكثيرون منهم فى تيه هذه الأفكار ، لأنهم لا يقفون على أرض صلبة ، ولم يتم تحصينهم بالفكر الوسطى والدينى.

انشغلت المؤسسات الدينية ورجالها فى أحكام فقه المراحيض وتوافه الأمور دون أن نتنبه إلى ما يحتاجه الشباب لمواجهة حرب الأفكار الشاذة التى تحاصرهم من كل اتجاه.

ووسط كل هذا التقصير فى حق الشباب تقدم عمرو حمروش أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب بمشروع قانون  لتجريم ظاهرة "الإلحاد" في المجتمع المصري، ومعاقبة الملحدين بالحبس أو الغرامة المالية، مؤكدا انتشارا هذه الظاهرة ، خاصة في أوساط الشباب بحجة أنها حرية اعتقاد.

وأشار حمروش إلى أنه يجب وضع "الإلحاد" في بند ازدراء الأديان ، موضحا أن الملحد لا عقيدة له، ويعمل على إهانة الأديان السماوية ولا يعترف بها ، وأن الإلحاد يضر بالأمن القومي المصري، ويهدد النظام العام، ويشكل خطرًا على الأديان السماوية، مؤكدًا أنه لا تعارض بين تجريم الإلحاد وحرية الاعتقاد.

هكذا تفتق ذهن أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب عن أن حل مشكلة الإلحاد يتلخص فى إصدار قانون يحبس الملحد أو يفرض عليه غرامة ، دون أن نعرف كيف سيحدد هذا القانون المتهمون بالإلحاد ، وهل سيفتش من يطبق هذا القانون فى النوايا أم سيتابع منشورات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعى ليرى إن كانت تدل على أنهم يحملون أفكارا إلحادية ، وهل سيتم توجيه هذه التهمة طبقا لبلاغات من البعض ضد من يرونهم ملحدين؟

الأخطر من هذا أن اتهام شخص بالإلحاد ، وثبوت التهمة عليه ، يعطى ضوء أخضر للجماعات المتشددة  لقتله تحت زعم أنه مرتد وأنهم يطبقون الشرع بمفهومهم الخاطئ .

الغريب أن المؤسسات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية لم تطالب بمثل هذا القانون لأنها تعلم أنه لا يمكن مواجهة الإلحاد بالقوانين وبالحبس والغرامة ، بل يعرف بعض هذه المؤسسات  أنه قصر فى حق الشباب وأن مواجهة الفكر لا تكون إلا بالفكر.

أعجبتنى مقولة قالها القس رفعت فكرى رئيس لجنة الإعلام بسنودس النيل الإنجيلى لزميلتنا سارة علام مسئولة الملف القبطى باليوم السابع ، حيث وصف القانون بالمناقض للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدستور المصرى الذى ينص على حرية الاعتقاد وحرية التفكير قائلا: " لا أظن أن الله فوض مجلس النواب لمحاسبة غير المؤمنين، الملحد سيحاسبه الله وليس الناس".

وهو ما يتفق تماما مع الأية القرأنية " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ، وهو نفس المنطق الذى يؤكده علماء الدين الإسلامى ، والذين يفندون مزاعم قتل المرتد التى يرددها المتطرفون مؤكدين  أن الكفر فى حد ذاته  ليس مبيحا للدم، إلا إذا اقترن بجرائم أخرى كالعدوان على المسلمين أو محاربتهم ، وأن نصوص القرآن الكريم فى كثير من الآيات تأبى الإكراه فى الدين " لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى".

فضلا عن مخالفة هذا القانون للدستور المصرى والمواثيق الدولية التى تقر حرية الاعتقاد ، وما يمثله هذا القانون من ردة فكرية وتفتيش فى النوايا ، حيث يشبه محاكم التفتيش الأوربية فى القرون الوسطى ، والتى تسببت فى الثورة ضد الكنيسة فى أوربا ، ويحرض  وجود مثل هذا القانون على الكذب والنفاق خوفا من العقاب.

فهل انتهت مشكلاتنا ولا يجد نواب الشعب ما يناقشونه سوى تجريم العقائد بقانون لا يوجد مثله فى أى دولة أخرى .

مواجهة الإلحاد مثلها مثل مواجهة التطرف ، لا تحتاج قانون بل تحتاج مواجهة فكر بفكر ، وتحصين شبابنا بالثقافة والعلم والتدين الصحيح ضد اكتساح الفكر الشاذ الذى يحاصرهم من كل اتجاه.   

هذا القانون ياسادة  يسلم الشباب الذين وقعوا فريسة الإلحاد للشباب الذين وقعوا فريسة التطرف ، لنشهد بحور دماء بين شبابنا الذين تركناهم بين شقى رحى ، بينما جلسنا نفصل القوانين.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة