أكرم القصاص

صلاح عيسى.. الكاهن والفرعون ونبوءات لها العجب

الجمعة، 29 ديسمبر 2017 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تكتمل أسطورة صلاح عيسى، الكاتب والمؤرخ، بعد رحيله، ومن مفارقات الزمان أن صلاح عيسى كان دائما فى كتاباته ومؤلفاته يسعى لتحليل الحركة السياسية بطبقاتها وعصورها وأزمنتها، كأنه يحاول أن يفك طلاسم التاريخ، من أجل أن يفك ألغاز الحاضر. وفى كتاباته سوف تعثر على كل أنواع الشخصيات فى الواقع، فى اليسار واليمين رصد صلاح عيسى مآسى أبطال التاريخ، فى «حكايات من دفتر الوطن، وتباريح جريح، وحكايات المقريزى». سوف تلتقى بالسياسى المزايد، والنصاب، والمناضل الحقيقى والمزيف، والطفيلى وصاحب المبادئ. وحتى هؤلاء الذين ظهر مثلهم فى زمان صلاح عيسى ممن يتركون القضايا الرئيسية لينخرطوا فى معارك فرعية تستهلك وقتهم وجهدهم. بل إن أحد العبارات التى كانت أثيرة لديه وصفا أخذه من الكتاب المقدس عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم، هؤلاء التافهون الذين ليست لهم وظائف سوى تعكير صفو غيرهم، وإفساد الكروم لا يأكلونه ولا يتركونه لغيرهم.
 
بين عناوين تفصل بينها عقود، يظل صلاح عيسى أحد أهم مؤرخى ونقاد الزمان المعاصر، باحثا دوما عن نقاط التحول، ولحظات التقلب فى التاريخ، وفى كتابه «البرجوازية المصرية وأسلوب المفاوضة» كان يرصد نضال الطبقة الوسطى المصرية لنيل الاستقلال، وكيف كان منطق المحامين» ورجال القانون يحكم هذه الفترة من المواجهة مع الاحتلال والاستبداد. وفى حديث معه كان يقول إن حركة الكفاح الطويلة من نهايات القرن التاسع عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين، اتسمت بسمات القانون، بل كانت دراسة الحقوق هى الأكثر جذبا للطبقة الوسطى، وكانت تحركات ومساعى زعماء الكفاح والتنوير هى تقديم الدفوع والتفاوض والبحث عن مكاسب خطوة بخطوة، من مصطفى كامل ومحمد فريد فى الحزب الوطنى، مرورا بسعد زغلول وعدلى والوفد، ومن بعدهم ومصطفى النحاس ومكرم عبيد، كانت تحركات المحامين، بحثا عن كسب للقضية.
 
وفى كتبه السابقة والتالية، يحاول صلاح عيسى العثور على مفاتيح الطبقة الوسطى، فى تحولاتها مع عبد الناصر والسادات. صعودا وهبوطا، حيث يرصد صلاح عيسى التاريخ الاجتماعى بجانب السياسى، وانعكاسات ذلك على الثقافة والفكر، والمثقفين وعلاقاتهم بالسلطة فى « مثقفون وعسكر». الذى يتضمن تأريخا اجتماعيا وسياسيا للثقافة والمثقفين. وكان مقال «الكاهن والفرعون» لصلاح عيسى، أحد أهم التحليلات للعلاقة التى ربطت بين الزعيم جمال عبد الناصر والكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل. حيث يؤصل للعلاقة التى تربط المثقف بالسلطة، من جذورها التاريخية فى دولة قديمة مثل مصر، وصولا إلى العصر الحديث.
 
ومن المفارقات أن كتاب «شخصيات لها العجب» الذى صدر فى عام 2010 يسجل صلاح عيسى فى مقدمته، ما يشبه المرثية أو النبوءة لزمن الصعود والتراجع العربى حيث يكتب» « يأتى على الزمان زمان، يغادر فيه بعض الأبطال، أو تغادر فيه بعض الشعارات، خشبة المسرح، ليحل محلهم أبطال آخرون، أو شعارات أخرى، تتناقض مع ما كانوا يقولون، وما كانت تقول، فيكف المحيط عن هديره، والخليج عن ثورانه، وتتحول إسرائيل من عدو، إلى خصم، وتحال شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة ـ بصرف النظر عن ترتيبها ـ إلى المعاش المبكر. ويتحطم حلم الأمة العربية الواحدة أمام الحروب الأهلية الطائفية.. وتلقى أحلام الأمة مصارعها على يد نفس الأبطال الذين رفعوا راياتها، وأشعلوا حماسنا لها لأسباب يعود بعضها إلى أخطاء فى تكوينهم، أو إلى عيوب فى زمنهم، أو لمجرد أن سوء البخت كان يترصدهم».
 
وكأن صلاح عيسى كان يتنبأ بالسنوات العجاف، التى تعيد صهر العالم العربى، وتشكله من جديد، وتظل أفكاره، نبوءات مثقف ومؤرخ مخلص لزمانه وأفكاره. وهى نبوءات من صدقها لها العجب.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة