صالح المسعودى يكتب : تمد عن شايبها

الثلاثاء، 07 نوفمبر 2017 01:00 م
صالح المسعودى يكتب : تمد عن شايبها بلح تمر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل تستغرب عنوان المقال ؟ وهل تبحث عن تفسير لتلك الكلمات التى قد تمثل لك (لوغاريتم ) ؟ إذاً كل ما عليك فعله هو أن تقرأ هذا الحوار الذى أعتبره بارقة أمل فى عصر تناسى فيه الناس مقومات الإنسانية، فقد علمتنى تلك العجوز ( محور الحوار ) درساً من الصعب أن ينسى من ذاكرتى ما أبقانى الله حياً بحوله وقوته .

 

وتبدأ قصة اللقاء بزيارة لى لشمال سيناء، وما أدراك ما شمال سيناء ! ! حيث الأصالة التى تتجسد فى الكبير والصغير والنساء والرجال حيث أوجب النظام القبلى والعائلاتى على الجميع نظاماً صارماً لا يتعداه أحد إلا عرض نفسه لعقاب رادع يفوق ما يحكم به قانون العقوبات، ولكنى أعود لذاك الموقف الذى تعلمت منه الكثير بل يكاد يكون ألجمنى عن الحديث عندما أحسست بتقصيرى .

 

ففى أثناء سفرى باتجاه مدينة العريش الباسلة وتحديداً فى قرية ( السادات ) وهى إحدى قرى مركز ( بئر العبد ) لفت انتباهى إحدى السيدات التى تقوم ببيع ( الرطب) الطازج من النخيل مباشرة حيث أن الطريق الدولى يمر فى وسط واحة النخيل بتلك القرية فقررت أن احمل معى هدية من هذا الرطب لمن هم فى انتظارى فقد خالطتنى الأفكار بأنها هدية جميلة تارة وأن أقوم بشراء الرطب حتى ( انفع ) تلك السيدة المثابرة على ( لقمة العيش ) تارة أخرى .

 

ولكن وأثناء شرائى ( للرطب ) لفت انتباهى خروج ( عجوز ) فى العقد التاسع من العمر أن لم تكن قد تجاوزت المائة من كوخ مجاور تتوكأ على عصا تزيد عن طولها بعد انحناء ظهرها واقترابها من الأرض وتحمل فى اليد الأخرى ( كيس صغير ) به بعض الرطب والقليل من التمر العامرى المعروف واتجهت به نحو مقدمة سيارتى، فساورنى شك بأن هذه العجوز من الممكن أن تذهب باتجاه الطريق السريع فأسرعت لأقابلها من الجهة الأخرى فإذا بها تتجه إلى زجاج سيارتى الأمامى وطرقت عليه فاقتربت منها بترحاب وود وقلت لها ( مرحب ياحاجة تأمرى ) فإذا بها تعطينى ( كيس التمر والرطب ) الذى تحمله .

فجال فى خاطرى أنها تبحث عن حسنة مثل الكثير فهى فى مكان ناء وتستحق من الجميع المساعدة، فأسرعت بجلب النقود من جيبى لأعطيها لها فلاحظت تصرفى وإذا بها تقول لى ( حد الله بينى وبين الفلوس ) فتجمدت فى مكانى ابحث عن رد أو تصرف أرد على تلك العجوز وبدأت أسأل نفسى لماذا صنعت معى هذا المعروف ؟

فكانت الإجابة من السيدة التى تبيع ( الرطب ) ، حيث قالت لى ( هى لا تأخذ فلوس من أحد هى تمد عن شايبها ) ومعنى أنها تمد عن شايبها بلهجة أهل المكان أى أنها تتصدق عن روح زوجها عليه رحمة الله .

لا أنكر عليك عزيزى القارئ أننى كدت أن ابكى فقد وقفت للحظات صامتا كأن تلك العجوز أعطتنى درسا عمليا فى وقت تناسينا جميعا ( إلا من رحم ربى ) من رحلوا عن دنيانا فقليل من يتذكر من فارقونا وقليل هم من يتصدقوا على أمواتهم بل وقليل أيضاً من يدعوا لمن لهم حق عليهم حيث يوصينا رب العزة بقوله ( وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) بخلاف أحاديث رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) التى يحضنا فيها على الصدقة والدعاء للأموات .

 

عزيزى القارئ كم نحن فى حاجة أن نتمثل ( بأم مسعد ) كما عرفت اسمها فقد أعادتنى تلك العجوز لعصور مضت كان فيها التراحم والمودة هى السمة السائدة فى مجتمعاتنا، عصور كنا نتزاور على الطبيعة وليس عن طريق صفحات الفيس بوك عصور كنا فيها لا نقيم الأفراح وجيراننا عندهم حالة وفاة إلا بعد عام كامل ونستأذنهم بعد العام، عصور صنعت المحبة بين الناس بسبب احترام الكبير والعطف على الصغير . جزاك الله خيراً يا ( أم مسعد ).










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة