محمد الدسوقى رشدى

رقصة التعرى الأخيرة تحت قبة جامعة القاهرة

الإثنين، 13 نوفمبر 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هى معادلة رقمية بسيطة، ولكنها تخبرك بالكثير، التواريخ والأرقام دوما هى أقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة، والحقيقة أن ما حدث داخل جامعة القاهرة وأسفل قبتها التاريخية وفوقها مسرحها التراثى يعبر بشكل أو بآخر عن عدة أوجه فاسدة تطل على شوارعنا وحياتنا وعقولنا، فساد فى الذوق العام، وفساد فى المعايير، وفسادة فى إدارة الأزمة بالتعامل معها على طريقة «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح»، وتلك طريقة الباحثين عن الفشل، والمتمسكين بالكراسى لا الحالمين بغد أفضل.
 
تخيل يا مؤمن، تخيل يا مواطن، تخيل يا أى حد، أن المسرح الذى شرف فى سنة 1957 بغناء السيد أم كلثوم رائعتها «اذكروه» خلدوه احتفالا بذكرى رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب، ثم شهد أم كلثوم مرة أخرى سنة 1967 تغنى «كلمونى تانى عنك.. فكرونى.. صحوا نار الشوق فى قلبى»، وكان قبلة أهل مصر المحروسة من الصعيد وبحرى للاستمتاع بفن أم كلثوم، وهى تغنى «هجرتك» عام 1961، و«يا سلام على الأمة» فى مارس 1965، و«أراك عصى الدمع» و«أنت الحب»، ثم شهد لقاء السحاب بين بين عبدالوهاب وأم كلثوم فى ملحمة «أنت عمرى»، تخيل يا سيدى أن قبعة جامعة القاهرة التى أظلت رأس عبدالناصر فى أكثر من مرة وهو يخطب فى الجماهير، وشرفت أكثر من مرة بأغانى عبدالحليم حافظ، تحول بعد كل هذه السنوات من رمز للعلم ووسيلة لجمع شتات الدولة سياسيا وفنيا إلى قاعة أفراح يؤجرها لمن يدفع أكثر، فوصلنا إلى تلك المقارنة الرقمية الفاضحة.
 
فى 1964 كان لقاء السحاب، اجتمع الموسيقار عبدالوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم وقدموا للعالم الأغنية الرائعة «أنت عمرى» لأول مرة من فوق مسرح جامعة القاهرة، فى 2017 فتح الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، أبواب القاعة التاريخية لمطربة «ربع مغمورة» ترتدى ما يليق براقصات التعرى، لكى تقف فوق مسرح جامعة القاهرة، ويتم تكريمها على أغنيتها المبتذلة «ياسونة عشان عاجبنى بتلاعبنى»، ليسأل الطلبة عن هوية إدارة الجامعة التى تحاسبهم صباحا بسبب «بنطلون الجينز المقطع»، بينما هى نفس ذات الإدارة التى تسمح بدخول راقصات تعرٍ بفساتين تشبه بدل الرقص فى المساء من أبواب الجامعة الرئيسية.
 
هكذا بمنتهى البساطة والإجرام وقفت صاحبة ياسونة بتلاعبنى لكى يتم تكريمها من فوق خشبة المسرح التى شهدت تكريم، ومنح الدكتوراة الفخرية للملك فاروق فى 1939، ونكروما رئيس جمهورية غانا فى 1957، والملك محمد الخامس ملك المغرب فى 1960، والأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ فى 1989، والمناضل الأفريقى نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا فى 1990.
 
وعلى قدر بشاعة الجريمة، كنا ننتظر العقاب، ولكن أركان الجريمة اكتملت بفساد إدارة أزمتها، حينما سعى رئيس الجامعة لتبرئة نفسه قبل أن يبرئ مسرح الجامعة التاريخيى من دنس الابتذال الذى طاله، فتعلل بأنه لم يكن يعرف طبيعة الاحتفالية، ثم تقمص دور باسم مرسى لاعب الزمالك، حينما أخبر وسائل الإعلام بأنه «مش متابع» بسبب مشاركته فى مؤتمر، ثم أعلن عن استيائه مما حدث، وكأنه مشاهد عادى وليس صاحب قرار، ثم اتخذ قرارا بمنع تأجير مسرح جامعة القاهرة والاكتفاء بنشاط الجامعة، ليثبت للجميع أنه يعالج أزمته على طريقة «ريح دماغك» بغض النظر عن النتائج.
 
قرار رئيس الجامعة فى ظاهره حسم وحزم، ولكن فى باطنه هروب واستسهال، ونتائجه ستكون عودة مسرح الجامعة لحالة السكون بعد الانتعاشة التى شهدتها فى فترة رئاسة جابر نصار للجامعة، وعودته كمركز إشعاع ثقافى وفنى وحضارى.
 
الأزمة هنا فى «المؤجر» وليست فى «المستأجر»، الأزمة هنا فى من يدير قبة تاريخية ومسرح تراثى دون أن يدرى أثرها ومعناها فى نفوس المصريين والتاريخ المصرى عموما، الخطأ هنا ليس فيمن دفع المال لاستئجار مسرح جامعة القاهرة، فهذا حلم أى جهة تسعى لمضاعفة أهمية احتفالها، الخطأ هنا جريمة من إدارة جامعة القاهرة ورئيسها الذى لم يدرك أن كيانا بحجم جامعة القاهرة وقبتها التاريخية لابد من وجود إدارة واعية لكل حجر داخل الحرم الجامعى، لابد من وجود معايير واضحة لمن تتعامل معهم الجامعة، الأزمة هنا أن الدكتور الخشت رئيس الجامعة التى تعلم الطلبة المناهج العلمية فى التفكير، ونظم الإدارة وفنون إدارة الأزمات، ضرب بكل ما يتم تدريسه داخل أروقة كليات الجامعة المختلفة واختار الحل الأسهل للأزمة، واتبع إرشادات أهل المقاهى والشوارع، وأغلق الباب الذى ظن أن الريح التى تزعجه تمر من خلاله، بينما رياح الفشل وغياب التنظيم تدوى فى مكتبه.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة