فى عيد ميلاد صباح الـ 90.. ثقافة الفرح اللبنانى لا تموت أبدا

السبت، 11 نوفمبر 2017 12:04 م
فى عيد ميلاد صباح الـ 90.. ثقافة الفرح اللبنانى لا تموت أبدا صباح
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى وقت يخيم فيه الضباب السياسى الكثيف على لبنان.. جاء الاحتفال هذا العام بالذكرى التسعين لمولد الفنانة الراحلة صباح مشحونا برسائل ثقافية تومئ لأهمية الدفاع عن الثقافة اللبنانية المحتفلة بالحياة والباحثة عن السعادة والتى كانت هذه الفنانة الكبيرة تجسدها.
وتشكل الفنانة الراحلة صباح التى حلت الذكرى التسعين لمولدها أمس الجمعة حالة إبداعية خاصة، وهناك من يؤكد أنها صاحبة تأثير لن يمحى فى مسار التاريخ الفنى والثقافى للبنان، بقدر ما تؤشر بوضوح للتفاعل الفنى والثقافى بين بلاد الأرز وأرض الكنانة وحقيقة الدور المصرى الحاضن تاريخيا لكل المبدعين العرب.
وشهر نوفمبر هو الشهر الذى ولدت فيه "شحرورة العرب"، كما أنه الشهر الذى ودعت فيه الحياة الدنيا لتغيب بالجسد وإن بقى فنها فى الذاكرة والوجدان العربي.
من هنا احتفل محرك البحث الشهير "جوجل" بالذكرى التسعين لمولد الفنانة صباح التى ولدت يوم العاشر من نوفمبر عام 1927 ببلدة "بدادون" بوادى شحرور اللبنانى وقضت يوم السادس والعشرين من نوفمبر عام 2014 فى بيروت.
وبدلا من شعاره المعروف وضع جوجل صورة للفنانة صباح ومن خلفها أعمدة بعلبك الرومانية وفرقة بزى فلكلورى تؤدى رقصة دبكة لبنانية لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعى فى الفضاء الإلكترونى لشبكة الانترنت بتعليقات حول الفنانة الغائبة الحاضرة بابتسامتها المستدامة وأزيائها ولفتاتها الأنيقة.
إنها صباح (صاحبة الحنجرة الفرحة)، والمبتسمة دوما، والتى تعانق الحياة بحلوها ومرها والباحثة عن السعادة والمثيرة للجدل، وهى أيضا تجسد قيمة العمل فيما تركت تاريخا باقيا عبر 83 فيلما سينمائيا و27 مسرحية، ناهيك عن أكثر من ثلاثة آلاف أغنية.
وهكذا كان من الطبيعى أن توصى صباح محبيها ألا يحزنوا عند إعلان وفاتها وأن يرقصوا "الدبكة" بدلا من البكاء والدموع، حسبما قالت ابنة شقيقتها كلودا عقل، بينما قال الوزير اللبنانى السابق والسياسى الشهير وليد جنبلاط فى تغريدة على موقع التدوينات الإلكترونية القصيرة: "مع رحيل صباح يرحل ماض جميل للبنان لن يعود".
وإذا كانت قد وصفت بإمبراطورة الأغنية العربية، فإن شمس الشحرورة كفنانة أشرقت من القاهرة لتدوى شهرتها حتى أنها كانت ثانى فنانة عربية بعد كوكب الشرق (أم كلثوم) تغنى على مسرح الأولمبيا فى باريس وتدخل موسوعة جينيس كواحدة من أكبر أصحاب الإرث الفنى فى التاريخ الإنساني.
وحتى الآن تحظى صباح بتعليقات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يتبدى اهتمام المصريين بصباح فى الأحاديث العفوية بينهم على المقاهى وفى وسائل النقل العام، فيما كان الملحن المصرى الراحل رياض السنباطى أول من وضع ألحان أغانيها فى السينما المصرية.
ولعل هذه الحوارات والأحاديث العفوية فى الشارع المصرى تتفق على أن الفنانة صباح كانت نموذجا مضيئا للاحتفال بالحياة والبحث عن السعادة رغم كل المنغصات وأسباب الكدر، ناهيك عن احترامها الأصيل لقيمة العمل التى تميز كل فنان كبير.
ومن نافلة القول انها تمثل أحد أهم رموز الفن اللبناني، حتى حق وصفها ب"صوت لبنان"، وهى التى جسدت الشخصية اللبنانية بجمالها وروحها وبساطتها التى كانت بلا حدود، وهى شاركت فى أغلب المهرجانات الفنية على الأرض اللبنانية ما بين بعلبك وبيت الدين وجبيل.
وفى إشارة لأهمية اعتزال الفنان فى الوقت المناسب، كما فعلت جريتا جاربو صاحبة أجمل عينين فى هوليوود أيام السينما الصامتة، وبريجيت باردو نجمة الشاشة الفرنسية وليلى مراد، كان بعض المعلقين قد ذهبوا إلى أن صباح لم تعرف كيف تبتعد عن الأضواء التى أخذت تحرق رموشها وراحت حرارتها تذيب مساحيقها.
ومن هؤلاء المعلقين الكاتب اللبنانى سمير عطا الله الذى اعتبر أن صباح "لم تقرأ قول المتنبى فى جمال الوجوه وكيف يحول"، مشيرا إلى أنها فى سنواتها الأخيرة كانت "امرأة فقيرة معوزة شبه مقعدة تشكو وحدتها وآلامها وانفضاض الخلان"، كاشفا عن ان الفنانة صباح غضبت منه قبل أعوام لأنه قارنها بهيفاء وهبى فى الأغانى الخفيفة.
ورغم تأكيد سمير عطا الله على أهمية اعتزال الفنان فى الوقت المناسب، فإن أى قاريء لكتاب "أنا فيلليني"، وهو بمثابة سيرة ذاتية للمخرج الايطالى الشهير فديركو فيلليني، سيخرج بانطباع أكيد فى المقابل حول الصعوبة البالغة لاتخاذ أى فنان قراره باعتزال الفن إن لم يكن استحالة هذا القرار عند بعض المبدعين الكبار مثل فيلليني.
فهذا المخرج الراحل كان يتمنى دوما العمل وصناعة أفلام جديدة وكان توقفه عن العمل يعنى توقفه عن الحياة، فيما قال صديقه الحميم الممثل الراحل مارشيلو ماسترويانى أثناء تأبينه إن كل ما كان يبتغيه هو العمل، مؤكدا أن السنوات الأخيرة التى قضاها فيللينى بلا عمل حطمت قلبه وعجلت لنهايته.
ويكاد يكون هناك إجماع بين كل من عرفوا الفنانة صباح على أنها كانت تجزل العطاء للآخرين وتساعد الغير، فيما لن يكون من قبيل المبالغة التأكيد على أهمية إصدار كتاب على مستوى رفيع عن هذه الفنانة الكبيرة ليثرى الحياة الثقافية والفنية العربية.
تماما كما يحدث فى الغرب حيث تتوالى الكتب عن كبار الفنانين هناك ومن بينها كتاب عن الفنانة الإيطالية صوفيا لورين التى يناهز عمرها ال 83 سنة غير انه صدر بقلمها وعنوانه "أمس واليوم وغدا: حياتي"، وهو بمثابة مذكرات لها وحظى باهتمام واضح فى الصحافة الثقافية الغربية، وهو ما ينبغى أن يحدث فى عالم الكتب والثقافة العربية مع فنانة فى حجم وعطاء صباح.
وصباح كانت تشكل إلى جانب المطرب الراحل وديع الصافى والمطربة فيروز أطال الله فى عمرها؛ "ثلاثى مجد لبنان الفنى وقلادته الذهبية"، وهذا الثلاثى نهض بدور كبير فى مسار التاريخ الفنى والثقافى اللبناني.
وشحرورة العرب كانت تهوى الغناء منذ صغرها ولفتت موهبتها المنتجة المصرية واللبنانية الأصل آسيا داغر، فاتفقت معها على تمثيل ثلاثة أفلام شكلت بداية انطلاقتها فى عالم الفن.
وهكذا فالفنانة الراحلة صباح تعبر عن علاقة التلاقح الثقافى والابداعى بين اللبنانيين والمصريين فى مجالات شتى من بينها الصحافة والسينما والمسرح، وهى أيضا على نحو ما منجز فنى مصرى وتعبير عن أهمية الدور الثقافى والفنى للقاهرة التى توصف بهوليود الشرق وحاضنة كل المبدعين العرب.
إن مصر التى احتضنت "الصبوحة" قادرة على احتضان كل المواهب الابداعية العربية وهى بذائقة شعبها العاشق للإبداع والفن ستغنى أبدا مع شحرورة العرب التى عانقت الحياة وانتصرت لقيمة العمل ومعنى العطاء.
وستبقى صباح أغنية للأمل وسيرة تحمل دوما عبير الحب وطقوس العشق وملكوت الإبداع والانتصار لثقافة الحياة فى مواجهة القوى الظلامية والمشاريع الطائفية وثقافة الموت، ولعل ذلك مغزى الاحتفال الكبير بذكرى مولدها التسعين هذا العام..إنها صباح روح لبنان بجبله وسهله وأشجار أرزه وبحره ونشيده وجسوره المكسوة بالحنين لزمن الشحرورة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة