بالصور.." اليوم السابع" يرصد مسار العائلة المقدسة "الحلقة الثالثة"..خطى العذراء تفتح كنز الرهبنة..العذراء تبارك وادى النطرون فتهديها الكنيسة ديرين باسمها.. والمعلم إبراهيم شيد كنائس تمتد طوال مسار العائلة

الأحد، 22 أكتوبر 2017 11:30 ص
بالصور.." اليوم السابع" يرصد مسار العائلة المقدسة "الحلقة الثالثة"..خطى العذراء تفتح كنز الرهبنة..العذراء تبارك وادى النطرون فتهديها الكنيسة ديرين باسمها.. والمعلم إبراهيم شيد كنائس تمتد طوال مسار العائلة  مسار العائلة المقدسة
رحلة تتبعها: سارة علام - ويوثقها بالفيديو إبراهيم سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعدما ترك السيد المسيح أثر قدمه على صخرة كنيسة سخا، قرر يوسف النجار، قائد الرحلة ومرشدها، العودة للإبحار فى النيل مرة أخرى، وعبرت العائلة المقدسة النهر إلى غرب الدلتا، ثم تحركت جنوبًا إلى وادى مملح كان يسمى «وادى النطرون» وصار يسمى اسقيط مكاريوس. فى طريق العودة من الدلتا، عليك أن تجد منفذًا نحو طريق مصر الإسكندرية الصحراوى لكى تصل إلى مجمع أديرة وادى النطرون، الذى يقع على يسار الطريق إن كنت قادمًا من القاهرة، وعلى يمينه إن كنت عائدًا من الإسكندرية، سترى «حلوانى» شهيرا فى كشك خشبى، وتعرف أن اليمين التالى هو مدخل بلدة النطرون.

 

الكنيسة الأثرية بدير العذراء بارموس
الكنيسة الأثرية بدير العذراء بارموس

 

قصدنا فى البداية، دير السيدة العذراء بارموس، وعبرنا طريقًا حجريًا مكسرًا، كنا نسمع فوقه أزيز عجلات السيارة التى تتأنى وتمشى ببطء، بينما التراب يغمر عيوننا من النوافذ المحيطة، ثم ظهرت منارة الدير وصلبانه الكبيرة فى الهواء، فأخذنا طريقًا أسفلتيًا نحو اليسار، تركنا السيارة، وانحنينا لنعبر البوابة الأثرية الصغيرة للدير عبر السور، حيث كانت رحلة مسيحية تدخل وتخرج، نساء وأطفال ورجال أتوا من محافظات الدلتا للتبرك بقديسى الدير.

 

 
 
الراهب القس كيرلس البراموسى كان فى انتظارنا، بملابسه الرهبانية السوداء البسيطة، وذقنه الخفيف، وابتسامته الودودة، رحب بنا وهو يمسك صليبه فيضعه على يد من يسلم عليه وهو يباركه.
وقبل الدخول إلى عالم الدير، وقف الراهب القس كيرلس، وقال: «أهلًا بكم فى ديرنا وبيتنا دير السيدة العذراء بارموس، وكلمة بارموس تعنى الذى للروم، وهو دير تأسس فى القرن الرابع الميلادى ويعود اسمه للأخوين مكسيموس ودوماديوس ابنى ملك الروم اللذين ترهبنا فى الدير، حيث أسسه القديس مكاريوس الكبير المعروف باسم الأنبا مقار، ضمن حركة رهبانية بدأت فى مصر فى القرن الرابع الميلادى على يد القديس الأنبا أنطونيوس أول راهب فى التاريخ.
 
يشير الراهب القس كيرلس الباراموسى، إلى بداية حركة الرهبنة القبطية التى انتشرت من مصر إلى العالم كله، فى تلك الفترة كان هناك منطقتان للأديرة البرية الشرقية بين جبال البحر الأحمر، وتضم ديرى الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا حاليًا، والبرية الغربية التى تضم أربعة أديرة وهم السيدة العذراء براموس والأنبا بيشوى والأنبا مقار، ودير العذراء مريم السريان، ودير البرموس هو الأقدم بينهم.
عند دخول القبطى الرهبنة، يترك اسمه الذى ولد به إلى اسم جديد، فالرهبنة موت عن العالم، وميلاد لحياة جديدة مع الله، لذلك فإن الراهب الذى استقبلنا باسم كيرلس الباراموسى، كان له اسم آخر ولدته به أمه، ثم أسماه رئيس الدير كيرلس لينتسب للقديس الشهير، وكلمة «الباراموسى» تعود لاسم الدير الذى يهب حياته له.
 
 
74165-مسار-العائلة-المقدسة-(2)
 
أمام السور الأثرى للدير الذى يعود للقرن العاشر الميلادى، وقف الراهب كيرلس، حيث اكتسى السور بمشغولات خشبية من إنتاج رهبان الدير، صلبان ولوحات للقديسين تحمل آيات من الكتاب المقدس، السور الذى بناه البابا كيرلس الأول عمود الدين، كان حائطًا لصد هجمات البربر، فالقبائل البربرية كانت تغير على الأديرة لتبحث عن الطعام والشراب، بغرض السرقة وليس لها أى أساس دينى، مثلما يقول الراهب القس.
 
كثرة الغارات، دفعت رهبان الأديرة إلى الحيطة والحذر، ففى كل دير حصن يختبئ فيه الرهبان ويمنعهم من الاتصال بالعالم الخارجى، ويغلق الدير عليهم عبر أنفاق فى مغارات الجبل، تمنع البربر من ارتكاب خطيئة القتل بحق الرهبان، فلا يحب الراهب أن يسفك دمه ولا أن ترتكب الخطيئة ضده.
 الراهب كيرلس الباراموسى المكلف باستقبال زوار الدير، هو دارس للآثار حتى إنه يشرف على أية أعمال ترميم لآثار الدير، يؤكد أن مدينة وادى النطرون كانت تسمى «سخطى حمام» فى العصر الفرعونى، أى وادى الملح، حيث كان الفراعنة يستخرجون منها الملح اللازم لعمليات التحنيط، غير أن الراهب يشير فى الوقت نفسه إلى عدم وجود أى أدلة على مرور العائلة المقدسة بتلك النقطة سوى المخطوط الذى تركه البابا ثاوفيلوس الأول وهو البابا رقم 23 للكنيسة القبطية، حيث جزم بمرور العائلة المقدسة بتلك المنطقة ولم يحدد مدة إقامتهم فيها، وذلك قبل إنشاء الأديرة، فالأديرة نشأت فى هذا المكان تبركًا بهم.
 
 
مزار البابا شنودة بدير الأنبا بيشوى
مزار البابا شنودة بدير الأنبا بيشوى

 

«فى القرن الرابع الميلادى، جاء القديس الأنبا مقار إلى هنا ليعيش حياة الرهبان المتوحدين، صلاة بلا انقطاع وتأمل وحياة كاملة مع الله، ثم تبعه مجموعة أخرى من الرهبان وعاشوا معه، وحين ازدحم المكان بالرهبان، غادر الدير وذهب لمنطقة أخرى فى برية شيهيت، وهى المغارة التى تحولت إلى دير الأنبا مقار الحالى»، يقول الراهب كيرلس الباراموسى.

 

 
«الحياة الرهبانية القديمة اختلفت عن حياتنا الحالية، يقول الراهب كيرلس، فالأديرة قديمًا كانت مغلقة على رهبانها، لا زيارات ولا اتصال بالعالم الخارجى، أما الآن فنستقبل مئات الزوار يوميًا يصلون ويطلبون بركة قديسى الدير، ومع ذلك فإن جوهر الرهبنة ثابت لا يتغير» وفقا لما يقوله الراهب كيرلس.
 
صورة خارجية لدير العذراء براموس
صورة خارجية لدير العذراء براموس
 
 
«كانت الرهبنة قديمًا تسمى رهبنة توحدية، فكل راهب يسكن مغارة فى الجبل تسمى «قلاية»، ثم عاشت كل جماعة رهبانية فى تجمع يسمى «منشوبية» وغالبًا ما كان سكان المنشوبية الواحدة من نفس المنطقة الجغرافية، فقد كانت أقاليم مصر وقتها تتحدث لغات مختلفة، فلا يمكن للرهبان العيش مع من لا يعرفون لغتهم، يوضح الراهب الباراموسى، ويضيف: فى كل منشوبية عاش شيخ للرهبان يعلم تلاميذه الرهبنة وطقوسها.
 
«الرهبنة حاليًا وبنسبة كبيرة ليست توحدية، كما كانت، فالرهبان يعيشون «حياة الشركة»، وهو المفهوم الذى أسسه القديس باخوميوس الراهب الذى نشأ فى دندرة فنعيش معًا بشكل جماعى، ونتبادل العمل والطعام والخدمة»، يوضح الراهب كيرلس، ويشير إلى أن الرهبنة تتضمن أيضًا عمل اليد، فهناك رهبان يشرفون على الزراعة وآخرون على الأعمال الخشبية وباقى الأعمال اليدوية.
 
يأخذنا الراهب كيرلس فى جولة بين كنائس الدير، فيبدأ بالجزء الحديث، الذى يعود إلى عام 1876، كنيسة «ماريوحنا»، التى بناها البابا كيرلس الخامس، أحد باباوات الكنيسة القبطية، وهو من رهبان الدير، حيث كان يحمل اسم يوحنا الناسك أثناء رهبنته، فبنى كنيسة باسمه على أطلال كنيسة قديمة تهدمت، كانت تسمى كنيسة الأنبا أبوللو والأنبا أبيب، بناها المعلم إبراهيم الجوهرى الذى يظهر اسمه للمرة الأولى فى هذا الدير، وهو الاسم الذى سيلازمنا طوال الرحلة، فهو الرجل الذى عاش فى زمن الحملة الفرنسية، وكان يعمل كاتبًا لدى أحد أمراء المماليك حتى تولى منصب رئيس الديوان، وكان سخيًا كريمًا يجزل العطاء ويبنى الكنائس والأديرة هنا وهناك.
 
وجوار الكنيسة قصر يعود للعام 1911 وهو المقر الباباوى فى الدير، حيث يسكن فيه البابا إذا حل ضيفًا على الدير، وعلى حائط القصر لوحة خشبية حفرها راهب بيديه كتب عليها الآية «مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا»، ويقصد السيد المسيح.
 
 
الراهب القس كيرلس البراموسى بالكنيسة الأثرية بالدير
الراهب القس كيرلس البراموسى بالكنيسة الأثرية بالدير
 
من الكنيسة، يأخذنا الراهب إلى المنطقة الأثرية بالدير، وعبر طريق رملى، ننتقل من عصر إلى عصر، فيرفع الراهب أصابعه وهو يشير لأعلى حيث المطعمة، وهى غرفة يجلس فيها راهب يسمى «البواب»، وهى حجرة كان الرهبان يدلون منها حبلًا مربوطًا بسلة طعام لأى عابر سبيل جائع، وعلى اليمين منها وإلى جوار السلم المؤدى للمطعمة تجويف فى الجبل فيه دائرة كبيرة وفوقها آلة أخرى، يقول الراهب، إنها فرن لحرق الجبس على شكل بئر، حيث كان الرهبان يحرقون الجبس لاستخدامه فى البناء.
 
نواصل السير فى التاريخ، فيرشدنا الراهب إلى الحصن، وهو المبنى الذى سيتكرر فى كل أديرة وادى النطرون إضافة لمائدة أثرية، والحصن مبنى تصعد إليه عبر سلالم خارجية وتصله عبر قنطرة ويرجع للقرن السابع الميلادى، حيث كان الرهبان يختبئون فيه من هجمات البربر، ومن الحصن نسير نحو المائدة الأثرية، صالة صغيرة نحنى رؤوسنا لكى ندخلها عبر ممر فى الكنيسة الأثرية، كان الرهبان يجلسون فيها لتناول الطعام وعلى رأس المائدة شيخهم الكبير، وأحدهم يقرأ لهم سيرة من كتاب بستان الرهبان المرجع الأول للرهبنة المسيحية، ويقول الراهب كيرلس، إن المائدة تعود للقرن التاسع الميلادى، وكانت حوائطها مزينة بفريسكات أثرية ثم اختفت.
 
ندخل الكنيسة الأثرية فى الدير، وأمام الباب نخلع الأحذية، ونحن فى حضرة القديسيين، تنقسم الكنيسة إلى ثلاثة أقسام، يسمى كل منها «خورس» الأول والأقرب للهيكل هو خورس الإكليروس أى رجال الدين المسيحى، مع المسيحيين الذين يستعدون للتناول من الأسرار المقدسة، أما الثانى فهو خورس للذين دخلوا المسيحية حديثًا، يجلسون يستمعون للوعظ والإرشاد، أما الثالث فلغير المسيحيين من الوثنيين الراغبين فى الانضمام لتلك الديانة، فى الكنيسة جزء من رفات الأنبا موسى الأسود، يروى الراهب كيرلس سيرته، فقد كان من قاطعى الطرق، ولكنه بحث عن الله فحين وجده ترك حياته السابقة بكل ما فيها من آثام، واستشهد فى الدير مدافعًا عنه ضد أحد هجمات البربر، فاستحق التمجيد الذى تتلوه رحلة قبطية أمام جسده الآن «السلام لك يا أنبا موسى».
 
أمام هيكل الكنيسة ستارة بها صورة العذراء مريم وطفلها المسيح، يزيحها القس كيرلس وكأنه يفتح باب التاريخ بيديه، فيظهر باب الهيكل الأثرى الذى يعود للعصر الفاطمى باب خشبى به صلبان ونقوش وزخارف مسيحية، ولكنها تنتمى لتلك الفترة من الفن الإسلامى، وعلى الحوائط تظهر فريسكات ورسوم أثرية، يقول القس، إنها ثلاث طبقات فكلما أزيحت لوحة ظهر ما خلفها فقد كان الفنانون يتوافدون على الدير لتسجيل تلك الرسومات عبر عصور مختلفة، واللوحات الحائطية الملونة تصور لنا رحلة العائلة المقدسة ولحظات من حياة السيد المسيح، وأخرى للقديسين.
 
تنتهى رحلتنا فى دير البراموس، ويرفض القس كيرلس أن يتركنا دون غداء فيصطحبنا إلى دار الضيافة، ويقدم لنا طعامًا صنعه الرهبان للزوار، الفول والخبز الذى يخبز فى الدير والبيض واللحم، وقبل أن نمضى يهدينا كتابًا عن الدير وقطعة خشبية تحمل لفظ «الله» من صنع الرهبان، ويودعنا.
نترك دير البراموس، ونتجه إلى دير الأنبا بيشوى القريب، وهو الدير الذى يوجد به المقر البابوى، حيث يقيم به البابا تواضروس ثلاثة أيام أسبوعيًا، له بوابة منفصلة عن الدير المهيب، أما الدير الأثرى القديم، فيمكنك أن تدخله عبر بوابته الصغيرة، وتبدأ جولتك بين كنائسه الأثرية، التى تشبه معالمها إلى حد كبير كنائس دير براموس، فالدير يشترك مع جاره فى وجود الحصن الأثرى والمائدة والفرن، كذلك الأسوار الشاسعة وقد تعرض الدير لخمس هجمات بربرية لم تبقِه على حالته الأولى، وفقا لما يقوله القمص صرابامون الأنبا بيشوى الراهب بالدير.
 
الدير الكبير، يشتهر فى العصر الحديث بكونه بيت الباباوات، فالدير يضم مزارًا للبابا شنودة مدفون فيه، حوله الرهبان إلى متحف مقتنيات لآخر باباوات العصر الحديث، فى مزار البابا تتدلى ملابسه الرهبانية السوداء، من سقف متحف صغير يضم مقتنياته، ولا يخلو من طلبات كتبها له الأحبة رغبة فى نيل شفاعته وبركته، وفى الخلفية صوت البابا يعظ فى محبيه، حيث يذيع الدير تسجيلات صوتية لأشهر عظاته التى ملأ بها الدنيا فكسب قلوب المسلمين والأقباط، وفى الواجهة وضعت كتبه وأعماله القيمة.
 
تغادر المزار، فترى كنيسة الأنبا بيشوى الأثرية التى اعتادت الغزوات، سواء غزوات الطبيعة أو الغزاة البشر فهى أكبر كنائس وادى النطرون على الإطلاق، وسبق وتضررت من غزو البربر لها فى القرن الخامس الميلادى، وأعيد بناؤها مرة أخرى بعد أن غزاها النمل الأبيض وتسبب فى إتلاف أجزاء كبيرة منها، وذلك فى عصر البابا بينيامين.
 
فى صحن الدير، تشاهد سوره الأثرى الذى يعود للقرن الرابع الميلادى، وعلى يسارك ترى سيارة قديمة وضعت فى قفص حديدى فتعرف أنها سيارة البابا شنودة يحتفظ بها الدير للتاريخ.
نغادر دير الأنبا بيشوى مهرولين، نحاول اللحاق بموعدنا فى دير العذراء السريان المجاور قبل أن تغيب الشمس، فتظلم عدسات المصورين.
 
 
 
مقصورة الأنبا موسى الأسود
مقصورة الأنبا موسى الأسود

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة