"أبو الكلام آزاد وتَشكّل الأمّة الهندية" إصدار جديد عن مؤسّسة الفكر العربى

الجمعة، 30 سبتمبر 2016 10:19 م
"أبو الكلام آزاد وتَشكّل الأمّة الهندية" إصدار جديد عن مؤسّسة الفكر العربى غلاف كتاب أبو الكلام آزاد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر حديثاً عن مؤسّسة الفكر العربى كتاب جديد بعنوان "أبو الكلام آزاد وتَشكّل الأمّة الهنديّة.. فى مناهضة الاستعمار والسياسات الطائفيّة" للباحث والأكاديمى الهندى أ. د. رضوان قيصر، أستاذ التاريخ فى الجامعة المليّة الإسلامية فى نيودلهي. وقد قام بترجمته من الأرديّة إلى العربية د. صهيب عالم، أستاذ مساعد فى قسم اللّغة العربيّة وآدابها فى الجامعة المليّة الإسلاميّة فى نيودلهي، وراجع الترجمة أ. د. مجيب الرحمن، أستاذ فى مركز الدراسات العربية والأفريقية فى جامعة جواهر لال نهرو فى نيودلهي.

يأتى الكتاب ضمن سلسلة "حضارة واحدة" التى تُصدرها مؤسّسة الفكر العربيّ، وتُعنى بترجمة أمّهات الكتب من الحضارات والثقافات الأخرى إلى اللّغة العربية. ويبحث الكتاب فى أدوار ونضالات واحد من أبرز الشخصيّات الكاريزمية الوطنية، الفاعلة والمتفاعلة فى شبه القارّة الهندية: أبو الكلام آزاد ( 1888م. – 1958م.) واسمه الحقيقى محى الدين أحمد بن خيرالدين، الذى أُعيد له الاعتبار فى بلاده السنة الماضية على أكثر من صعيد سياسى وفكرى وإعلامى وأكاديمى رفيع. أمّا لقبه "أبو الكلام" فقد أُطلق عليه كونه خطيباً بارعاً ومشوّقاً. وكلمة "آزاد" تعنى باللغة الأردية "الإنسان الحرّ". ويشكّل أبو الكلام مع المهاتما غاندي، الزعيم الروحى لعموم الهند، وجواهر لال نهرو، أوّل رئيس وزراء للهند المستقلّة عن الاحتلال  البريطانى فى العام 1947، الثالوث الذهبى الذى قامت على أساسه دولة الهند الحالية المستقلّة.

يتميّز مولانا آزاد عن غيره من قادة الهند الحديثة الكبار، بأنّه كان فى مقدّمة الزعماء المسلمين الهنود الذين دعوا بقوّة وصلابة إلى وحدة الهندوس والمسلمين، على أساس قومى هندى جامع، رافِعته دولة القانون والمؤسّسات والدَمقرطة المُستدامة، التى وحدها تحمى الدين من العبث به واستغلاله فى بازار السياسات  الفتنوية على اختلافها، والتى لجأ إليها الاستعمار البريطانى لضمان هيمنته على البلاد، ونهب ثرواتها، والتحكّم بمقدّراتها، واستطراداً تحقيق مآربه فى تقسيم الهند إلى بلدين لدودين هما: الهند وباكستان.

 حظى أبو الكلام آزاد بثقة قطاعات عريضة من الشعب الهندي، بطوائفه الدينية واتّجاهاته الفكرية والإيديولوجية المختلفة، وخير دليلٍ على ذلك ترؤسه حزب المؤتمر الوطنى الهندى ذا الأغلبية الهندوسية فى العام 1923، وكذلك إعادة انتخابه رئيساً للحزب نفسه فى العام 1940 وحتى العام 1946.

يحكى الكتاب قصّة هذا الرجل النهضوى الكبير الذى ظلمه الإعلام العربى كثيراً، وهو الذى كان وُلد لأمّ عربية فى مكّة المكرّمة، وجال فى بغداد والقاهرة وإسطنبول، متأثّراً بالدعوة الإصلاحية للشيخَين جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده، ومعهما بُعيد ذلك، الشيخ رشيد رضا صاحب مجلّة "المنار"، حيث على غرارها كان آزاد قد أسّس لاحقاً فى كلكتا (1912) مجلّته الشهيرة "الهلال"،  التى لقيت قبولاً واسعاً فى أوساط المسلمين الهنود، وشكّلت تحوّلاً مهمّاً فى تاريخ الصحافة الهندية. كما كانت واحدة من مداميك  النهضة الوطنية والفكرية والروحية لعموم بلاد الهند.

يتألّف الكتاب من فصول ستّة وخاتمة، يعالج أولاها محاولات أبى الكلام آزاد الوصول إلى المراسى الإيديولوجية والسياسية المركزية  فى بلاده، ما دفعه إلى الانخراط فى اتّجاهات مختلفة. بدأ حياته متطرّفاً وانتقل إلى تبنّى الوحدة الإسلامية لاحقاً، ولكن بما يتّفق مع القومية الهندية فقط.

يناقش الفصل الثانى ارتباطات آزاد السياسية ومسألة بناء الجسور مع الوحدة الإسلامية، لجهة خارطة تحدّياتها السياسية والأمنية كافة، بعيداً من المسألة الدينية بالطبع، كون الرجل ابن الإسلام الحنيف الملتزم، وسليل عائلة دينية محافظة لجهة الأمّ والأب، واستطراداً المتحدّر من عمق التراث الدينى المنفتح والمتسامح كما تقتضى بذلك تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء.

 فى الفصل الثالث يتناول آزاد الجهود المبذولة لمحاربة المدّ المتزايد للطائفية فى العشرينيّات من القرن العشرين، وحضّ المسلمين على الانضمام إلى قضية السياسة التكامليّة، بغية تعزيز القومية الهندية الجامعة لكلّ الأديان والمذاهب والعقائد والملل والنحل، وما أكثرها فى الهند. وفى ذلك كان مولانا أبو الكلام آزاد ينمّ عن شخصية حاضنة للجميع دونما استثناء، ولا ترى إلّا بعيون المواطنة والهويّة المشتركة ووحدة البلاد والعباد.

يناقش الفصل الرابع من الكتاب جهود آزاد لإقناع قادة حزب المؤتمر تبنّى سياسة أوسع لضمّ المسلمين إلى هيكلية السلطة العليا، وكذلك، بالطبع، إلى بنيتها العامّة، فى حين كان حسّاساً تجاه هويتهم ومخاوفهم الثقافية إزاء الأكثرية الهندوسية، وكان حريصاً على أن يتفهّم الجميعُ الجميعَ لأجل الهند وتماسكها، خصوصاً أثناء احتدام المواجهة مع كل المتربّصين بالأمّة، وفى طليعتهم الاحتلال البريطانى وشبكاته المخرّبة الهدّامة.

أمّا الفصل الخامس فيناقش انتخاب آزاد رئيساً لحزب المؤتمر فى العام 1940 وسلسلة المفاوضات التى أجراها مع بعثة كريبس البريطانية فى العام 1942، وبعثة مجلس الوزراء فى العام 1946، بهدف انتزاع الهند استقلالها وحرّيتها، من دون الخضوع لمطالب "العصبة الإسلامية" بتقسيم البلاد، والمدعومة، كما هو معروف من سلطات الاحتلال البريطانى عبر أجهزة استخباراتها النشطة.

يناقش الفصل السادس والأخير من الكتاب دور مولانا آزاد، بصفته وزيراً للتربية والتعليم خلال الأعوام 1947–1958، وهى الفترة الزاخرة بالإمكانيات والتحدّيات المصيريّة التى واجهها الرجل الكبير بالرويّة والحكمة والاستيعاب المرن العميق، واستطاع أن يمخر بسفينة الأمّة إلى ساحل النجاة.

لكن، وعلى الرغم من كلّ محاولاته الدؤوبة والقوية والمُكلفة (طبعاً مع غيره من قادة الفريق الوطنى العريض المناوئ للاستعمار البريطانى ومشاريعه فى الهند) فى التصدّى لمشروع تقسيم البلاد، والذى كان الإنكليز قد بدأوا بترجمة محطّاته الزمنية المعدّة سلفاً منذ وقت مبكّر، إلّا أن جائحة الكارثة قد وقعت، وتقسّمت شبه القارة الهندية بتاريخ 14 آب / أغسطس من العام 1947، وغدا هذا التاريخ بالنسبة إلى آزاد يوماً حزيناً أسود؛ وقد ظلّ غير مصدّق أن التقسيم قد صار أمراً واقعاً، ممنّياً النفس أن العودة عنه لا بدّ آتية، على الأقل بفعل الضغط الشعبى المناوئ للتقسيم، وإصرار القادة الحريصين على وحدة التراب الهندى وعدم التسليم بما جرى.

وكان آزاد يبدى تخوّفه من أن مثل هذا التطوّر الكارثى سيؤثّر على أولئك المسلمين الذين سيرفضون الانتقال (حتى القسرى منه) إلى باكستان، وسيتشبّثون بالبقاء فى مدنهم وقراهم، ولأجل ذلك سيُعتبرون، فى رأيه، غرباء فى وطنهم، وقد يتعرّضون للأذى المادّى والاضطهاد المتواصل، وخصوصاً من الجهات المتعصّبة والكارهة للعيش التعدّدى الهندى الواحد.

 اعتبر بعض المؤرّخين أنّ تقسيم الهند كان بمثابة هزيمة لأبى الكلام آزاد، والحقيقة أنّ هذه الهزيمة لا يتحمّلها الرجل وحده، بل هى مشتركة مع كلّ الذين يؤمنون بوحدة الهند أرضاً وشعباً، وبينهم الماهتما غاندي، صديقه، والذى لم تسلم العلاقات بينهما من خلافات كبيرة أحياناً، من مثل دعوة غاندى إلى اللّاعنف فى كل شيء، وحتى حدود عدم إنشاء جيش وطنى يحمى البلاد. صحيح أنّ مولانا أبا الكلام آزاد كان يكره العنف، وكان مؤمناً وإلى حدٍ كبير، بالدعوة إلى العصيان المدني، بل وشارك فى فاعلياته مرّات عدّة، واعتقل وسُجن، غير أنّ الوصول إلى فكرة عدم بناء جيش وطنى هندي، فذلك دونه خرط القتاد بالنسبة إلى مولانا أبى الكلام آزاد.

إنّ الدور الذى لعبه مولانا خلال السنوات التى سبقت التقسيم، كان بمثابة معادلة "جيش مواجِه فى رجل واحد".  فقد كان يتصدّى من جهة لعزلة المسلمين وانكماشهم المريب فى حزب المؤتمر؛ ومن جهة أخرى لم يتوانَ عن نقد عدم اكتراث القادة الهندوس فى الحزب بالقضايا الحسّاسة، مثل الهويّة الثقافية للآخرين (أى المسلمين)، والرغبة اليقينيّة فى تقاسم السلطة معهم فى البلاد. وخلال نضاله، وجد آزاد نفسه وحيداً فى أغلب الأحيان، لولا جواهر لال نهرو، زميله الوحيد، الذى كان يقدّم له الدعم المتاح، وبلا حدود على المستوى الشخصي.

والأهمّ بعد فى أبى الكلام آزاد، أنّه بقى صامداً على فكرته من أنّ الأوطان تُبنى على المواطنة، وليس على الفكر الديني، وأنّ الذين يُظهرون غيرة كاذبة أو جاهلة على الدين لا فرق، هم أكثر الناس إساءة إلى الدين وإلى الأوطان معاً.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة