د. محمد على يوسف

حيث الأخطاء الرائعة

السبت، 24 سبتمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الخطأ صار تدريجياً هو الأصل.. ويتبجح به مرتكبوه وكأنما أصبح حقاً مكتسباً

 
من أبشع الأمور التى يمكن أن تحدث لمجتمع؛ ذلك التحول الذى يطرأ تدريجيًا على الخطأ، حتى يصير هو الأصل، وتعم به البلوى، لينقلب فى النهاية إلى صواب، ويتبجح به مرتكبوه، وكأنما صار حقًا مكتسبًا لا يمكن لومهم عليه، بل يُصب جام الغضب والسخط على من تجرأ ولامهم أو انتقدهم، أو انتقص من روعتهم لارتكابهم ذلك الخطأ، الذى لم يعد خطأ بل صار شيئًا رائعًا، وصار مقترفوه رائعين، وصار كل شىء على درجة من الروعة، إلا ما كان يومًا صوابًا صحيحًا.. لعل أوضح الأمثلة على ذلك هو ما يحدث على طرقات بلادنا الرائعة.
 
على أحد الطرق السريعة الرائعة التى تتميز بها بلادنا العامرة، كنت أقود سيارتى مستمتعًا بالأمن والأمان والرفاهية والتنظيم المذهل الذى يعد خصيصة واضحة لطرق السفر المصرية الرائعة، حيث الالتزام المنضبط بقواعد المرور، والسرعات المقررة، وطبعًا اتجاهات السير «الصحيحة» أو التى كانت صحيحة، كانت قيادتى بسرعة متوسطة كما هى عادتى منذ قرر القائمون على الطرق أن حل كل مشكلات المرور يكمن فى صناعة المطبات الصناعية الرائعة، ومنذ قررت «التكاتك» و«التريسكلات» الرائعة أيضًا أن يكون لها نصيب الأسد من طرقنا السريعة، وغير السريعة، وقرر أصحابها أيضًا أن اتجاهات السير «الصحيحة» هى منذ وجود تلك الاختراعات الرائعة، كل الاتجاهات.. المهم.. كنت أسير لا بى ولا علىّ، ولأقرر فجأة وبسذاجة منقطعة النظير أنا والسيارة التى تسبقنى بأمتار أن نتجاوز أحد الجرارات الرائعة، والذى كان يسير ببطء شديد فى وسط الطريق كما هو حقه الطبيعى فى الحياة طبعًا.. بدأت السيارة التى أمامى فى تنفيذ التجاوز «الغرزة» من على اليسار، كما كانت قواعد المرور قديمًا، تلك القواعد غير الرائعة التى عفى عليها الدهر، ويصر كثير من الدول الساذجة التى يظنها البعض متقدمة على تنفيذها حتى الآن.. نجحت السيارة التى أمامى فى تجاوز الجرار بشكل كان فيما مضى سليمًا وقانونيًا، واتبعتها بسذاجة، لنفاجأ بسيارة ربع نقل فى وجوهنا وفى الحارة التى كنا نفترض أنها حارة التجاوز من على اليسار.. سيارة ربع نقل رائعة تسير بسرعة فائقة، وعكس الاتجاه فى طريق سريع، وفى حارة التجاوز! عادى.. حقه.. إيه المشكلة؟
 
المهم... ربنا ستر والسيارة التى أمامى نجحت بأعجوبة، ونجحت أنا أيضًا بعدها فى تفادى الاصطدام المروع بهذا السائق الذى يمارس حقه الطبيعى فى السير عكس الاتجاه.. المشكلة أن سائق السيارة التى أمامى لم يعجبه ما حدث وقرر أن يحرك ذراعه بشكل عصبى يبدو منه نوع من اللوم والعتاب الغاضب على سائق الربع نقل! هنا نفاجأ بثورة غضب عارمة من صاحبنا المخالف، أو من كنا نظنه مخالفًا، إذ كيف نجرؤ على مجرد التفكير فى لومه أو توبيخه ولو بحركة ذراع عصبية مثلًا؟ كيف نجرؤ على اتهامه بأنه كاد يتسبب بفعلته هذه فى مجزرة بشرية لا نعانى فقرًا منها فى بلادنا التى تحتل مركزًا متقدمًا رائعًا  فى حوادث الطرق؟ كيف نلومه ونعاتبه ليتذكر أنه مخطئ أو مخالف؟
 
الحقيقة أن العيب على سائق السيارة التى أمامى بلا شك، يبدو أنه لم يستذكر جيدًا قواعد المرور فى طرقات بلادنا الرائعة، بل يبدو أنه لم يستذكر جيدًا قواعد بلادنا أصلًا.. الغلط عليه طبعًا.. إن أهم قاعدة كان ينبغى عليه تذكرها فى تلك اللحظة، والتى تنطبق على جُل مسارات وخيارات بلادنا هى ببساطة ويسر، لا توجد قاعدة.. فكيف يجرؤ على لوم السائق المخالف إذًا، وهل هو حقًا مخالف أم هو رائع كما كل شىء فى بلادنا، حيث الأخطاء الرائعة؟!.. هذا هو السؤال.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة