فى ذكرى رحيله العاشرة..«اليوم السابع» تنشر تمرينات «نجيب محفوظ» على الكتابة بعد محاولة اغتياله.. «أديب نوبل» يكتب اسمى ابنتيه ويتذكر «روبسبير» و«مارى أنطوانيت» وصلاح الدين الأيوبى

الأربعاء، 31 أغسطس 2016 01:38 م
فى ذكرى رحيله العاشرة..«اليوم السابع» تنشر تمرينات «نجيب محفوظ» على الكتابة بعد محاولة اغتياله.. «أديب نوبل» يكتب اسمى ابنتيه ويتذكر «روبسبير» و«مارى أنطوانيت» وصلاح الدين الأيوبى نجيب محفوظ
كتب : وجدى الكومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نقلا عن العدد اليومى...

«وحدث أن أخذ بعض الشبان من حارتنا يختفون تباعا، وقيل فى تفسير اختفائهم إنهم اهتدوا إلى مكان «حنش» فانضموا إليه، وأنه يعلمهم السحر استعدادا ليوم الخلاص الموعود، واستحوذ الخوف على الناظر ورجاله، فبثوا العيون فى الأركان، وفتشوا المساكن والدكاكين، وفرضوا أقسى العقوبات على أتفه الهفوات، وانهالوا بالعصى للنظرة أو النكتة أو الضحكة، حتى باتت الحارة فى جو قاتم من الخوف والحقد والإرهاب، لكن الناس تحملوا البغى فى جلد، ولاذوا بالصبر، واستمسكوا بالأمل، وكانوا كلما أضر بهم العسف قالوا: لابد للظلم من آخر، ولليل من نهار، ولنرين فى حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب».
 
 
بهذه الكلمات اختتم نجيب محفوظ جوهرته الروائية «أولاد حارتنا».. هذه الأيام تكون قد مرت عشرة أعوام على رحيل أديبنا الكبير نجيب محفوظ، فى 30 ديسمبر 2006، عشرة أعوام على رحيل كاتبنا الكبير، وعلى الرغم من الرحيل، فإن أدبه لم يزل باقيا متحديا مؤكدا عصريته، وصلاحيته لتحدى الزمن، وفى ذلك سر قوته، وجدارة استحقاقه الكبير بجائزة نوبل فى الأدب.
 
وفى ذكرى الرحيل العاشرة، تنشر «اليوم السابع» صفحات جديدة لم تنشر من قبل للتمرينات التى أداها أديبنا الكبير على إعادة الكتابة، مع طبيبه الدكتور يحيى الرخاوى، وذلك بعدما فقد القدرة على الكتابة بصورة طبيعية إثر محاولة الاغتيال الأثيمة التى تعرض لها كاتبنا الكبير فى 14 أكتوبر 1994، وهى المحاولة التى تمت على يد موتور متطرف سار فى طريق الجهالة والتطرف. 
 
 
وكانت سطور هذا الموضوع قد بدأت بالبحث أولا عن أى مخطوطات باقية لنجيب محفوظ، من أعماله التى سطرها طيلة حياته، وهو ما لم نتمكن من العثور عليه، إذ كشف الدكتور زكى سالم أنه لا توجد مخطوطات باقية للكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ فى مصر، سوى مخطوطة ثلاثيته، حيث قال سالم إن مخطوطة الثلاثية كاملة توجد لدى أسرة ثروت أباظة التى كان قد طلبها من الأديب الكبير الراحل.
 
فيما قال الدكتور يحيى الرخاوى، إنه لا توجد مخطوطة لأى عمل من أعمال نجيب محفوظ فى مصر، باستثناء مخطوطة الأحلام الأولى التى نشرها فى نصف الدنيا، وكانت المجلة تنشر صورتها مع كل حلقة فى العدد، أما مخطوطة الأحلام الأخيرة التى نشرتها دار الشروق مؤخرا، فهى ليست مخطوطة بالمعنى العلمى التاريخى لكل الأحلام، لأنها كانت بخط الحاج صبرى وإملاء أستاذنا محفوظ.
 
 
وتابع الرخاوى: «بالنسبة لتدريباته للعودة إلى الكتابة فهى مخطوطات تلقائية وتداعيات مباشرة، وبخط يده كلها طبعًا، وقد كنت حريصا على صيانة كل تدريباته، كراسة بعد كراسة خوفا من تشتتها أو ضياعها، وقد احتفظت بها حتى سلمتها رسميا إلى لجنة الحفاظ على تراثه».
 
وعما إذا كانت ابنتا نجيب محفوظ تحتفظان بمخطوطات من أعمال الراحل، قال الرخاوى: لا أعتقد أن كريمتيه لديهما مخطوطات تحتفظان بها، وهما حريصتان كل الحرص على ما ترك والدهما العظيم بكل صدق وأمانة لا مثيل لهما، ويمكن الرجوع إليهما ولن تخفيا شيئا، وما وجدتاه بخط الحاج صبرى سلمتاه بأمانة وحب إلى الأستاذ «المعلم» فى دار الشروق.
 
 
كان أستاذنا الكبير الراحل نجيب محفوظ قد بدأ التدريب على إعادة الكتابة بعد واقعة الاعتداء الأثيمة فى 25 يناير 1995، أى بعد تعرضه للاغتيال بثلاثة أشهر، وظل يكتبها حتى الثامن من أكتوبر 1998، وبلغت 250 صفحة من الكراسات، وكتب عليها الدكتور يحيى الرخاوى ما يقرب من 1340 صفحة من التعقيب.
 
فى الصورة الأولى التى تنشرها «اليوم السابع» لتدريبات محفوظ على الكتابة، رقم 111 من كراسة تدريباته التى احتفظ بها الطبيب يحيى الرخاوى، كتب محفوظ عبارات «محمد‏ ‏عبد‏الله‏، ‏عمر‏ ‏بن‏ ‏الخطاب‏، ‏كمال‏ ‏أتاتورك‏، ‏روزفلت‏، ‏تشرشل‏، شارلى شابلن‏، ‏محمد‏ ‏على، ‏ ‏إسماعيل، ‏سعد‏ ‏زغلول‏، ‏مصطفى ‏النحاس‏، ‏ستالين‏، ‏لينين‏، ‏هتلر‏، موسولينى، ‏معاوية‏، ‏خالد‏ ‏بن‏ ‏الوليد‏، ‏سعد ‏بن‏ ‏وقاص‏، ‏ ‏يلتسن‏، ‏ هود، عيسى، ‏موسى‏، إبراهيم‏ باشا، ‏جمال عبد‏‏الناصر‏، ‏أنور‏ ‏السادات‏، ‏شكسبير‏، ‏هيجو‏، ‏شوقى، نجيب‏ ‏محفوظ، أم‏ ‏كلثوم‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ، فاطمة‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ.
 
 
ويقول الرخاوى تعليقا على هذه السطور فى هذه الصفحة: كتب محفوظ سبعا وعشرين اسما تاريخيا شاملة الأنبياء «عليهم السلام» والزعماء والقادة المبدعين معا، ما الذى جمع كل هؤلاء هكذا مرة واحدة، وكيف فى صفحة واحدة يجمع شيخنا بين عمر بن الخطاب وموسولينى مثلا، وكيف يحشر شارلى شابلن بين محمد على وإسماعيل؟ ولماذا قفز إلى إبراهيم ولم يذكره بين محمد على وإسماعيل، لم يذكره إلا بعد عيسى وموسى، بعد إضافة باشا لنعرف أنه إبراهيم باشا وكنت قد حتى حسبت أنه كان يقصد سيدنا إبراهيم ثم لعله قد قفز إليه أنه نسى إبراهيم محمد على فأضاف باشا «وكأنه يداعب نفسه» وإذا بجمال عبدالناصر يقفز إليه ليتبعه أنور السادات، لكن لماذا لحق بهما مباشرة شكسبير، ثم هيجو «فيكتور هيجو غالبا»، ثم شوقى، ما الحكاية بالضبط؟
 
وتابع الرخاوى فى تعقيبه الذى أرسله لـ«اليوم السابع»: كتب نجيب محفوظ محمد عبدالله، ولم يكتب صلى الله عليه وسلم، وبدايته برسولنا الكريم، عليه السلام، ربما تذكرنا بما بدأ به مايكل هارت كتابه «الخالدون مائة» إلا أنه قد وصلنى من شيخى ذلك الحب الرائق، والعشم البسيط الطيب: محمد عبدالله، فذكرنى بشجاعة مولانا النفرى وهو يكتب وقال لى «دون سبحانه وتعالى»، هذه قوة وحب وعشم لا جدال فيها، لا شك أنه يشير إلى رسولنا الكريم، إذ يعقبه عمر بن الخطاب، ولكن لماذا يعقب هذا وذاك كمال أتاتورك وهو، كما شاع عنه، يقف الناحية الأخرى من محمد بن عبدالله وعمر بن الخطاب.
 
 
وفى صفحة 200 من كراسة التدريب كتب محفوظ أول الصفحة بسم الله الرحمن الرحيم، ثم كتب عبارات: نجيب محفوظ، أم كلثوم نجيب محفوظ، فاطمة نجيب محفوظ، فجر جديد، وعى المفكرين، مارى أنطوانيت ملكة فرنسا، روبسبير رئيس الانقلاب الدموى، صلاح الدين الأيوبى مجد «أو محرر» العرب، المعز لدين الله الفاطمى، المماليك البحرية والبرجية، محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثة، الخديو إسماعيل يباشر الحضارة الحديثة، أحمد عرابى رئيس الثورة العرابية، ثم فترة حديثة من التاريخ، وأخيرًا ذيلها بإمضائه: نجيب محفوظ 29/8/1995
 
ويقول الرخاوى: فى ختام هذه الصحفة «200» يدعونا شيخنا إلى مأدبة من التاريخ حافلة بمن ينبغى تذكرهم والتعلم منهم: من أمجادهم كما من أخطائهم، من إخلاصهم وأمانتهم كما من إجرامهم وجبروتهم، العجيب أن هذه المأدبة بدأت بمشهيات ليست لها علاقة مباشرة بالتاريخ وإن كانت قد انتهت بفتح الباب لتاريخ قادم حديث، من يعرف محفوظ يعرف تفاؤله وطموحه دائما فى أن يكون «القادم أفضل».
 
ويضيف الرخاوى: المشهيات كانت بعد ذكر الديباجة المعتادة البسملة واسمه واسم كريمتيه، ثم يكتب الافتتاح: «فجر جديد، وعى المفكرين»، أما مسك الختام ففى السطر الأخير أنه «ثم فترة حديثه من التاريخ».
 
ويقول: هل يمكن أن يكون هناك أشمل من هذا الدرس مع أنه ليس إلا جزءًا من التداعى الحر لمجرد التدريب على الكتابة؟ حين نربط هذه البداية الآمِلة بمسك الختام: يمكن أن نتصور أو نستنتج موقف شيخنا الطيب ورأيه فى دور المفكرين «وليس فقط المثقفين أو العلماء أو الفقهاء أو الساسة».،وأن يكون وعيهم الإبداعى «وليس مجرد حذقهم العقلانى» هو الفجر الجديد الذى سوف يصنع «فترة حديثه من التاريخ».
 
 
ويحلل الرخاوى أسباب كتابة محفوظ لاسم «روبسبير» (1758 – 1792)، وهو محام فرنسى وزعيم سياسى عاصر مارى أنطوانيت، وأصبح أحد أهم الشخصيات المؤثرة فى الثورة الفرنسية، وسجل محفوظ اسم روبسبير بصفته رئيس الانقلاب الدموى وليس بصفته ثوريا، كما أثبت أن مارى أنطونيت هى ملكة فرنسا ويبدو أنه اختار لكل منهما الصفة التى قفزت إلى وعيه كأقرب ما يميز كلا منهما، والملاحظ أن نهايتهما كانت واحدة برغم أن كلا منهما كان يقف على الجانب المضاد للآخر.
 
وعن أسباب تذكر محفوظ لاسم صلاح الدين الأيوبى، يقول الرخاوى: الأسماء التى وردت بعد «روبسبير» بالترتيب هى صلاح الدين الأيوبى مجدد «أو محرر» العرب، ثم المعز لدين الله الفاطمى، فالمماليك البحرية والبرجية، ثم محمد على الكبير، ثم الخديو إسماعيل، ثم أحمد عرابى، مضيفا: «أرجح أن محفوظ كان يحب صلاح الدين الأيوبى مثل كل المصريين والمسلمين والعرب، والفرق، فى تصورى، أنه كان يحبه وهو يعرف نقط ضعفه التى حضرتنى فى تداعياتى على تداعيات شيخى اليوم، فى حين أن كل من أَحبه، من عامة المتحمسين، عادة ما يقع فى خطئنا الأشهر وهو: «تقديس الأفراد، لصالح الاعتمادية المطلقة»، بما لم يعد يليق بشعوب لها تاريخنا القوى الصعب مثلنا!!
 
 
أما الورقة الثالثة رقم 10 من كراسة التدريبات، التى تنشرها «اليوم السابع»، فكان تاريخها الرابع من فبراير1995، كتب فيها محفوظ اسمه ثلاث مرات، ثم كتب: تبارك الذى بيده الملك، والعصر إن الانسان لفى خسر، وبيت شعر أبى نواس «ودار ندامى ‏ ‏عطلوها‏ ‏وأدلجوا».
 
ويشير يحيى الرخاوى فى تعقيبه على هذه الصفحة، إلى أن محفوظ لم يكتب اسمى كريمتيه، وأن ذلك لا يعنى أنه نسيهما، فهو لا ينساهما أبدا، وفى نفس الوقت لا يذكرهما كثيرا فى أحاديثه.
 
وعن أسباب كتابته «تبارك الذى بيده الملك» يقول الرخاوى: ما قمت به وأنا أستعمل المنهج الذى أتبعه، هو أننى رجعت إلى الآية الكريمة فوجدت أن لها وضعا خاصا حتى فى الأحاديث النبوية الشريفة، قدّرت أن سورة «تبارك» قد حضرت فى وعى نجيب محفوظ كلها أو على الأقل بدايتها، وأن هذه القمة التى ظهرت لنا فى تدريبه ذلك اليوم، إنما تعبر عن كل ما تلى هذه الآية الكريمة، من أن الموت هو أصل الحياة وهو باعثها، وأن الرحلة بين الموت والحياة هى ليبلونا أينا أحسن عملا.
 
 
ويشير الرخاوى إلى أن محفوظ كتب الآية الثانية «والعصر إن الإنسان لفى خسر» بداية سورة العصر، فى نفس السياق من أنه لا ينجو من الصفقة الخاسرة فى هذه الحياة «إن الإنسان لفى خسر» إلا من يؤمن، ويعمل، مضيفًا: أن تتلاحق بداية سورة تبارك، بما وصل إلينا الآن مع بداية سورة العصر، ربما لا يحتاج إلى بيان التكامل فيما بينهما أكثر من ذلك، ويلى ذلك شطر بيت أبى نواس فى إيوان كسرى: «ودار ندامى عطلوها وأدلجوا»، وهو البيت الذى سبق لمحفوظ أن كتبه، وأخطأ فيه، ثم عاد وصححه، ويشير الرخاوى إلى أن ذلك متسق مع موقف نجيب محفوظ، الواعى بربط الحال الذى نحن فيه، بأن له نهاية، كما أن لهذه الدار نفسها نهاية، وأن من يتعلق بها، يندم عليها، فلا أفضل من الصبر، وللصبر مرارة، وللصبر جمال، وأنا لم أشاهد مرارة الصبر معه أبدا، حتى فى أزمات مرضه قبل الأخير «إذ لم تتح لى فرصة معايشة مرضه الأخير»، والذى يجعل الصبر جميلا، هو ما أنهى به يوميته هذه: «إن الله مع الصابرين».
 
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة