د. محمد على يوسف

عن توالد المشاعر وتكاثرها ذاتيا

الخميس، 19 مايو 2016 06:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحياناً لا تستطيع أن تفهم كيف تظهر على بعض الناس خصال معينة ابتداءً، وتطل من معاملاتهم أخلاق فى أول الأمر، ثم تجد كل ذلك، وقد اختفى فجأة، أو انقلب إلى الضد تماما!

الحقيقة أن الأمر لا يحدث فجأة كما يُهيأ للبعض، إن ترك المرء لبذرة مشاعر ما تنمو بداخله وإصراره على المكث فى بيئة تحفز نمو تلك المشاعر وتكاثرها أو توالدها، يطمس الخصال المضادة لها رويداً رويداً ويحولها تدريجياً إلى النقيض، وتعلو أركان نفسه مع مرور الوقت، تلك السجايا التى استنشقها، وتخللت طباعه، وتكاثرت فيها ذاتيا، وتوالدت واستدعت المزيد من أخواتها، فجعلته على تلك الحال التى قد تدهشك، وإذا بك بعد حين تفاجأ بهم، وبأنك لا تكاد تتعرف عليهم وتعرفهم، أو أنك فى الحقيقة لم تكن يوماً تعرفهم، ولا تعرف بوجود تلك المشاعر التى طفحت على سطح شخصياتهم بعد أن تكاثرت وتوالدت، نعم.. تلك هى الحقيقة التى لا يدركها البعض.

المشاعر والخصال تتكاثر وتتزايد بمجرد وجودها، وترك العنان لها وأيضا بالوجود فى بيئات تنتشر فيها تلك المشاعر «الولَّادة»، قديما قالوا ذلك عن الطاعة والمعصية، وكيف أن كلا منهما يتوالد ويجلب المزيد من رفاقه، والحقيقة التى أعتقدها أن أصل ذلك هو توالد المشاعر المؤدية لتلك الطاعة أو المعصية، مثلاً مشاعر الحقد والكراهية، إذا نبتت بذرتها فى قلبك وتركتها برهةً دون مراجعة وضبط ومحاسبة للنفس، وتساؤل عن كُنه تلك المشاعر، وهل هى لله أم أن الهوى والأسباب الدنيوية قد تسربت إليها، فإن هذه المشاعر لا محالة ستتوالد، وربما تنقسم ذاتياً وتتكاثر بشكل مريع، يجعلك بعد حين تكاد تنكر قلبك ولا تعرفه، وقد علاه سواد الحقد، واستشرت فيه ظلمات الغل والكراهية.

نفس الأمر بالنسبة لمشاعر العشق والهيام، إن لم يتم توجيهها، وتتأمل طبيعتها وضبطها، فستجد ذلك الانغماس المفرط فى هيام الرومانسية لأجل الرومانسية نفسها، وعندئذ لا تعجب حين تلحظ ذلك الهروب الواضح من الواقع، لأجل التحليق الحالم بين سحائب الأوهام بأجنحة الخيال عبر علاقة عابرة أو حتى رواية سطحية أو فيلم تافه، طمعاً فى الوصول للمزيد من تلك المشاعر الناعمة المتكاثرة فهى ببساطة مشاعر متكاثرة ولاَّدة.

الجرأة والإقدام أيضا يتكاثران ذاتياً كلما ارتقى المرء سلمهما رخصت الدنيا فى عينيه، وبات أكثر استعداداً لتحمل كلفة الحق.

كذا الجبن والخور كلما هبط المرء إلى دركهما تدنى أكثر فأكثر، وتشابكت أشواك الخوف، لتصنع المزيد من الحواجز الكثيفة التى تحول بين الإنسان وبين الإقبال على كثير، مما ينبغى أن يقبل عليه، وهنا يتمكن الشيطان من ممارسة وظيفة مفضلة لديه، وهى وظيفة التخويف «إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه»، لكن البداية تكون بتلك النبتة التى سمح لها المرء أن تتكاثر وتتوالد فهى كغيرها من المشاعر.. ولّادة.
من هنا تستطيع أن تفهم طبيعة تلك التغيرات التى تطرأ على بعض الخلق، وتذهب بهم من جهة إلى أخرى، وترحل بهم من الشىء إلى ضده ونقيضه، وكل ذلك مرتبط بالتوجه العام الذى توفره البيئة المحيطة وتشجعه.

ومن هنا أيضا تدرك أن هناك دائما ثمة أمل فى التغيير للأفضل، وأنه مهما قحلت تربة نفسك فإن هناك إمكانية لاستصلاحها، وإعادة غرس النبت الطيب فيها، بشرط رعايته وتوفير البيئة المناسبة لتكاثره وتوالده، فكما قالوا قديما: «الحسنات ولَّادة»، وكذلك السيئات.. والسوءات!








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة