حسن زايد يكتب: كـوارث أطاحت بعــرش مـرسى

السبت، 06 فبراير 2016 08:04 م
حسن زايد يكتب: كـوارث أطاحت بعــرش مـرسى اشتباكات - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدَّرت جماعة الإخوان وتوابعها، لتابعيها والشعب المصرى، أن ما حدث تجاه حكمها فى يونيه هو انقلاب، وأن هذا الانقلاب لم يكن يستهدف جماعة الإخوان، وإنما استهدف الدين الإسلامى فى الأساس، وجرى تعميم هذا الزعم على عموم معارضى نظام الحكم الإخوانى. وللأسف إن هذا الكذب البواح قد انطلى على بعض بسطاء الشعب المصرى، وقد ترك ـ على أقل تقديرـ انطباعات سلبية ـ إن لم تكن معادية ـ تجاه النظام الحالى فى مصر، بل وتجاه قطاعات عريضة من الشعب.

وقد كانت جناية الجماعة على الإسلام أنها اختزلته فى نفسها، فأصبحت معارضتها ـ من وجهة نظر البعض ـ معارضة للإسلام، وأى موقف سلبى حيالها هو موقف سلبى من الإسلام. وهنا يعن لى تساؤل: هل يعنى ذلك أن سقوط حكم الإخوان هو سقوط للإسلام ؟. والإجابة: بالقطع لا. وهل الانقلاب الشعبى على الإخوان هو انقلاب على الإسلام ؟. والإجابة أيضاً: بالقطع لا. إذ لم يكن الإسلام طرفاً فى الخصومة، ولا موضوعاً لها. فإذا لم يكن ذلك كذلك، فما هى الأسباب وراء سقوط حكم الإخوان فى مصر ؟. الواقع ـ عند الحديث عن الأسباب ـ لابد أن ندرك أن جماعات التيار الاسلامى السياسى، وفى القلب منها جماعة الإخوان، قد عجزوا عن تفهم أن هناك قطاعات عريضة من الشعب المصرى، لديها تخوفات مشروعة، من حالة التغول والهيمنة، التى قدموا بها إلى المشهد السياسى، خاصة مع تلاشى حالة الخصومة التكتيكية فيما بين هذه الأجنحة المتعددة لهذا التيار، الذى توحد فجأة وتلاشت خلافاته. والعلة وراء مشروعية التخوفات ترجع إلى تاريخ هذه الجماعات فى المجتمع المصرى، وهو تاريخ دامى بلا ريب، طوال عقود القرن الفائت.

وقد دعم هذه التخوفات وعمقها، تلك التصريحات التى كان يدلى بها قادة هذه الجماعات وأعضائها، والتى تخلو من الرشادة السياسية. وبدلاً من التحلل من أخطاء وخطايا هذا التاريخ، والتقدم للمجتمع المصرى باعتبارهم جزء من كيانه القومى، والعمل على اكتساب ثقة الجماهير والأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، ونزع الموقف السلبى لهذه القطاعات بتذويب تلك الحساسية، التى قد تبدو مفرطة حيالهم ـ من وجهة نظرهم ـ وجدناهم يعمقون الهوة بينهم وبين هذه القطاعات، بخلق حالة الإستقطاب الحاد على أساس دينى بين أفراد المجتمع المصرى، مما زاد من ضراوة التخوفات وحدتها ومشروعيتها. وفى المقابل كانت قياداتهم تصب الزيت على النار، وتقوم مقام نافخ الكير، غير مدركة أن مفاصل الدولة ـ الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية ـ وقوتها ليست معهم، على الأقل بحكم الإرث التاريخى، الذى لا يعرفه عوام المتعاطفين. وقد بدأ التلبيس على الشعب باستفتاء مارس على الدستور، وجيشوا له الجيوش كأنهم فى معركة، إلى حد وصف أحدهم ما حدث بأنه غزوة الصناديق. ثم جاء مجلس الشعب بأغلبية ساحقة لحساب التيار الإسلامى ـ سواء لأسباب تعاطفية أو تمويلية أو دعائية أو استقطابية أو تنظيمية ـ ليرى الشعب صورة هزلية هزيلة مهترئة لآداء برلمانى بلا ملامح. وهذا العجز والفشل لا مرد له سوى لأبناء هذا التيار وقياداته، الذين يعانون من طفولة ومراهقة سياسية غير رشيدة. دعك من مقولة مشاركة لا مغالبة، التى رفعوها خداعاً، فقد أكثروا من الوعود، وأفاضوا فى لحسها. إنهم لم يجيدوا قراءة المشهد السياسى، ولم يجيدوا التعامل معه. فإعلان نتيجة الإنتخابات قبيل مطلع الفجر، يعنى أن المخاطب بهذا الإعلان هم الأمريكيين وليس المصريين، بالإضافة إلى ما يمثله ذلك من استباق ـ غير مبرر من جانب المصريين ـ للإعلان الرسمى للنتيجة. ثم جرى الإعلان عن فوز مرسى بمنصب الرئاسة، وقد جاء مصحوباً بمأساة حلف اليمين الدستورية، الذى جرى أدائه فى ميدان التحرير، والمحكمة الدستورية، وجامعة القاهرة، وهو تصرف هزلى يفقد اليمين هيبته ووقاره، ويمثل صورة من صور عدم احترام الدستور والقانون من جانب رئيس الدولة. وقد أساء هو وجماعته وتابعيها قراءة نتيجة الإنتخابات والتصرف استناداً إليها.

فقد صوت له
13,235,131 صوت صحيح من إجمالى 50,958,794 صوتاً، وهذا يعنى أن هناك 37,723,661 شخص لم يصوتوا له. وأن نصف من صوت له ـ على الأقل ـ ليسوا من الإخوان أو تابعيهم، وإنما صوتوا له دعماً للديمقراطية، والمسار الثورى، وكان من بينهم عاصرو الليمون. وهذا النصف سيكون أول من يهتف بسقوطه إذا لم يتحقق له ما أراد. وبدلاً من العمل الجاد لنزع فتيل الإستقطاب، وكسب ثقة ودعم باقى قطاعات الشعب المصرى، وتشكيل حكومة من القامات الوطنية المعروفة، والقفز فوق الحواجز النفسية، والقضاء على المخاوف والهواجس لدى قطاعات الشعب المصرى، وجدنا مرسى وأتباعه يتنكبون الطريق بتصرفاتهم الخرقاء. ففى 5 أغسطس 2012 م جرى قتل وجرح الجنود أثناء تناول الإفطار فى شهر رمضان، فى رفح. وبدلاً من القبض على الجناة، عُزل قادة الجيش، فيما اعتبره اتباعه، انجاز يصل إلى حد الإعجاز. وفى 19 نوفمبر 2012م وقعت مجزرة محمد محمود الثانية دون أن يحركوا ساكناً. وفى 21 نوفمبر 2012م أصدر إعلانا دستوريا نصب به نفسه إلهاً لا يرد له قول، وعزل بمقتضاه النائب العام، وعطل القضاء عن نظر الدعاوى، ودعا إلى تخفيض سن معاش القضاة إلى 65 عاماً، بدلا من 70 عاماً، بما مثل تصادماً خشناً وعنيفاً مع السلطة القضائية، على غير مقتضى. أعقب ذلك، سقوط قتلى، لأول مرة فى تاريخ مصر المعاصر، أمام القصر الجمهورى، نتيجة اشتباكات بين أنصار مرسى من جماعته وتابعيها، وبين أفراد الشعب احتجاجاً على الإعلان الدستورى البغيض. ثم جاءت ضربة الدستور، والخلل الفادح فى تشكيل الجمعية التأسيسية، والإفتقار إلى التوافق اللازم، والذى تبدى واضحاً فى انسحاب 30 عضوا من إجمالى مائة عضو، ومع ذلك استمر العمل فى وضع الدستور، رغم العهود والوعود بالتوافق. والتشكيك من جانب القوى السياسية فى نتائج الإستفتاء عليه. ثم جاءت مذبحة رفح الثانية لتحصد أرواح 19 جندياً آخرين، ثم اختطاف سبعة من الجنود. ثم جاءت مشكلة الإعلان عن تحويل مجرى النيل الأزرق، والبدء فى أعمال بناء سد النهضة بعد عودته من أثيوبيا مباشرة، ثم إجتماع سد النهضة الفضيحة الذى جرى بثه على الهواء مباشرة. ناهيك عن مشاريع هيكلة الداخلية، والأجهزة الأمنية.

إذن فإسقاط مرسى لم يتأت على خلفية دينية، وإنما على خلفية العجز والفشل وسوء التقدير، والرعونة والطفولية فى الممارسة السياسية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة