لا للمخاوف الثلاثة القاتلة

من الأخطاء الشائعة التى يقع فيها الشباب دون أن يدركوا أنها تقتل روح الإبداع بداخلهم، اختيارهم الطريق الأسهل وهو اللجوء إلى التقليد، دون أن يعملوا على أن تكون لديهم شخصية مستقلة ومميزة عن الآخرين، فيصبحون نسخًا كربونية منهم، حتى على صعيد الأفكار البسيطة التى لا تحتاج إلى إمكانات ضخمة، لا لشىء إلا لأنهم وضعوا القيود على أحلامهم وأفكارهم، والتى نسميها باللاءات الثلاثة: لا للحلم .. لا للتجربة.. لا للمبادرة.

يتجاهل المقلّد حقيقة أن الإنسان المبادر هو الذى دائمًا ما يكون فى المقدمة، وأنه مهما فعل سيكون تابعًا له، ودائمًا ما يعزو ذلك إلى ندرة الإمكانيات، دون أن يبادر من جهته إلى محاولة التغلب على الظروف التى يعيشها، وهناك أمامنا العديد من النماذج التى استطاعت أن تحفر اسمها بأحرف من نور فى تاريخ الإنسانية، لأنها لم تستسلم للظروف، ولم تجلس تندب حظها، لأنها تعيش فى بيئة فقيرة لا تساعدها على تحقيق أهدافها.

أحد هؤلاء «صابر بانتا»، وهو مسلم هندى بدأ تعليمه فى الهند، وانتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على شهادة الجامعة فى الهندسة الكهربية، وبعد التخرج عمل فى شركة «Apple»، لكنه تركها إيمانًا منه بمشروعه الخاص وتعرف على «جاك سميث»، وبدآ البحث عن التمويل لمشروعهما، الذى هو إنشاء قاعدة بيانات على الإنترنت، لكنهما لم يجدا تفاعلاً من أى مستثمر، لأن فى ذلك الوقت لم يكن هناك جمهور للإنترنت، جمهور مثل الآن، ووجدا صعوبة فى التواصل وإرسال رسائل شخصية عن طريق البريد دون الدخول فى تفاصيل كثيرة أو رقابة، فبدأت الفكرة تظهر، وهى إنشاء أول بريد مجانى لمستخدمى الإنترنت، واقتنع مسؤولو شركة «داربر فيشر» بالفكرة وقاموا بتمويل المشروع بمبلغ 300 ألف دولار.

كانت هذه بداية ظهور فكرة موقع «الهوت ميل» hotmail.com إلى النور فى يوليو 1996، وحين تجاوز عدد المشتركين فى أول عام العشرة ملايين بدأ يثير غيرة «بيل جيتس» رئيس شركة «ميكروسوفت» وأغنى رجل فى العالم، وقرر شراء البريد الساخن، وفى 1997، عرضت «ميكروسوفت» على صابر مبلغ 50 مليون دولار، إلا أنه رفض المبلغ، وبعد مفاوضات مرهقة استمرت حتى 1998 وافق على بيع البرنامج بـ400 مليون دولار على شرط أن يتم تعيينه كخبير فى الشركة، واليوم وصل مستخدمو البريد الساخن إلى 90 مليون شخص، وينتسب إليه يوميًا ما يقارب 3000 مستخدم حول العالم، وما يزيد من الإعجاب بشخصية صابر أنه ما إن استلم ثروته حتى بنى العديد من المعاهد فى بلاده وساعد كثيرا من الطلاب المحرومين على إكمال تعليمهم، حتى إنه يقال إن ثروته انخفضت بسرعة إلى 100 مليون دولار.

الإسلام والمبادرة

نجاحات الأمم هى وليدة مبادرات لأفرادها.. أول من دعا لفكرة المبادرة ليس «ستيفن كوفى» وليس مبدعى الغرب، بل هو القرآن، وتحديدًا فى سورة الواقعة «والسابقون السابقون»، والسبق هنا يعنى المبادرة، ولا تقتصر على الدين فقط، بل هى فى كل خير للأرض «أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون»، «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم»، «وسابقوا إلى مغفرة من ربكم»، «فاستبقوا الخيرات»، «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة»، «وفى ذلك فليتنافس المتنافسون». ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غنى مُطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مُفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال؛ فشر غائب ينتظرُ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟!» رواه الترمذى. والسؤال: هل أنت مستعد لتكون من الأوائل؟، إذًا بادر ليكون لك السبق فى شىء فى حياتك.

لا تخف من الناس

من الأشياء التى تعوقنا عن النجاح، الابتعاد عن الأهداف التى نسعى إليها خوفًا من نظرة الناس، بينما الإسلام يدعونا إلى أن نمضى فى طريقنا ولا نلتفت بعيدًا عن الهدف الذى نعمل لتحقيقه، وهناك العديد من الأمثلة التى أوردها القرآن: «نوح» - «وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ. قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ». «لوط» - «وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ». النبى «صلى الله عليه وسلم» - «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين». كفانا تقليدا بسبب الخوف أو عدم تشغيل العقل امضِ ولا تلتفت فنجاحك فى إبداعك.