أحمد إبراهيم الشريف

حكايات يوسف تادرس.رواية عن المصرى التائه

الجمعة، 19 فبراير 2016 04:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول يوسف تادرس: «أخوك يوسف إنسان أيضا، من لحم ودم، له متطلبات»، هذه هى الجملة الأساسية التى من خلالها يمكن فهم أحداث ورؤية رواية «حكايات يوسف تادرس»، للروائى عادل عصمت، الصادرة عن دار الكتب خان، فالرواية حكاية إنسان مصرى بتقواه وفجوره بإيجابيته وسلبيته، بفهمه للحياة، وخوفه من الواقع، إنسان كل ذنبه أنه أحب الضوء.

ستعرف بعد قراءتك للصفحات الأولى للرواية أن يوسف تادرس شخص رأيته كثيرا فى حياتك، مدرس يكرر كلمات متشابهة فى مدرسة خربة، أو شاهدته منكفئا على وجهه يعيد نسخ رسومات فرعونية لطلبة المدارس، وربما مررت به جالسا على مقهى فى زقاق ضيق، يشرب شايا وعيونه تائهة شاردة أو معلقة بشىء بعيد، يبحث عن جوهره، ستنتبه إلى ملامحه الجميلة التى يراها هو «قناعا»، ستنظر إليه لكنك لن تسأله عن شىء، سيتطوع شخص آخر يجلس بالقرب منك، ويقول لك: اسمه يوسف تادرس وهو «نصرانى».

ويوسف تادرس لم يعرف كون مسيحيته مشكلة إلا فى أواخر السبعينيات، عندما أصبح اسمه يدل عليه، وعندما علم الجميع حبه لـ«سناء» المسلمة، اعتبروا ذلك تعديا على كل القيم فى العالم.

والقارئ ينتبه لمسيحية يوسف تادرس فقط، بسبب استخدامه طريقة الاعترافات فى سرد سيرته، فما زال رغم كونه ليس متدينا بالشكل الظاهرى، فإن داخله يؤمن بكون «الاعترافات» وحدها كافية للتطهر من ذنوبه الصغيرة والكبيرة، لكنه ليس «يوسف» الذى يعترف، بل الإنسان المصرى بوجه عام، فالوجع واحد والألم سلسلة تربط الجميع الذين وجدوا أنفسهم وسط مجتمع مشوه نفسيا، مطالبين وحدهم بالحلم وبالبحث عن أسطورتهم الذاتية، وأن يتبعوا جنونهم كى يستطيعوا أن يواصلوا الحياة.

فى الرواية يحكى يوسف تادرس عن الأحلام المكسورة، وعن الخوف الذى سكنه منذ أن حكت له أمه المتدينة عن خلاصها بالألم، وتقربها للرب حبا وعن ألم مجيئه، ومنذ رأى أباه ساقطا تحت سيطرة الخوف من الفقد، وشاهد أخته الكبرى تسرق حقه فى وضح النهار، هذا الخوف سيطر على يوسف، ولم يترك له سبيلا للخلاص سوى الرسم، حتى إنه عندما لم يحب ملامحه رسم وجهه 99 مرة، وفى كل واحدة كان مختلفا.

وفى النهاية يتصالح يوسف مع نفسه، ليس بتحقيق أحلامه، لكن بعدم تخليه عنها وبمعرفة قانون الحياة ومنطقها، سيعتاد الفقد ويحلم بالبعث، ويعرف أن الحياة تسير وأن القدرة على الاستمرار فيها بحثا عن الضوء يتطلب مراقبة جيدة للروح، وأن الإنسان ليس له وجه واحد، لكن ملامحه تكون حسب فيض الروح، وأن رؤيته للجمادات تتحرك من حوله ليس جنونا، وأن «جانيت» هى الوحيدة القادرة على تحمله.

كتب عادل عصمت روايته، ليس ليدين أحدا أو يبرئه، لكن لنكتشف جميعا مواطن النور فى أرواحنا المأزومة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة