د.أيمن رفعت المحجوب

خطاب الرئيس والمجلس الموقر

الإثنين، 15 فبراير 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن استمعت إلى خطاب السيد رئيس الجمهورية فى افتتاح مجلس النواب الجديد يوم السبت الماضى، أود أن أرسل إلى السادة أعضاء المجلس الموقر طلب إحاطة كما طالبهم الرئيس السيسى بالعمل من أجل مصلحة الوطن ولا شىء غير الوطن، وخاصة الفقراء من شعب مصر. أوضح للمجلس الموقر أن أغلب دول العالم قد حاولت وهى تواجه مشكلاتها أن تجد نظاماً سياسياً واقتصادياً يلائم الظروف والمقتضيات الواجبة التطبيق فى حالاتها المختلفة، وكانت على مدار التاريخ عندما تجد هذه الحلول ثم لا تلبث أن يتأكد لها أن بعض المشكلات قد نشأت من جديد، فتقوم بتبديل نظاماً بنظام آخر. وهذه هى قصة تطور النظم الاقتصادية والسياسية التى عايشناها طوال سنوات التاريخ الحديث.

واليوم ونحن ندخل مرحلة جديدة من الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية من خلال مجلسكم الموقر والتى أتى بعد ثورتين، يجب أن يكون لنا رؤية واضحة تستوحى من تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المضمار، لكى لا نضيع وقتاً أكثر من ذلك فى تحقيق أهداف التنمية والتقدم التى طال انتظار شعبنا العظيم لها. ومن هذا المنطلق أعرض فلسفة القسمين الذى نجدهما فى عالمنا المعاصر، وهما قسم الفلسفة الفردية (النظام الرأسمالى) وقسم الفلسفة الجماعية (النظام المختلط). ونرى هنا فى الفلسفة الفردية أولاً، كما يتضح من اسمها أنها تتخذ من الفرد نقطة بدء كوسيلة لتحقيق الاغراض (الاقتصادية والسياسة)، فالفرد هو محور النظام، يسعى إلى تحقيق مصالحه الفردية، ويعتمد فى ذلك على الفرد نفسه، وعلى الحرية الممنوحة له، وذلك لأن طبيعة هذا النظام تعطى الحرية الكاملة للفرد لأنه هو الأقدر من غيره على تحقيق مصالحه، والغرض النهائى للنظام هو أن "نحقق مصالح الأفراد". ولكن هذا المذهب الفردى لا يعنى إطلاقاً أنه يهدر حق المجتمع ككل ومصالحه، حيث إنها تتحقق عن طريق تحقيق حقوق الأفراد ومصالحهم، فالنظرة الفردية للمصلحة العامة تنصرف ببساطة، عند المذهب الفردى، إلا أن المصلحة العامة ليست إلا تجميعاً للمصالح الفردية، وهنا يتضح الخلاف الجوهرى بين المذهب الفردى والمذهب الجماعى والذى سوف نعرضه لاحقًا.

ولمزيد من التوضيح، نجد أن "المذهب الفردى" سابق الذكر يؤمن بالمصلحة الفردية وبالمصلحة الجماعية، وأنه يرى أن مصلحة المجتمع إنما تتحقق عن طريق تحقيق مصلحة الأفراد مجمعة. بينما يؤمن "المذهب الجماعى" أيضًا بالمصلحة الجماعية وبالمصلحة الفردية، ولكن يرى أن مصلحة الأفراد إنما تتحقق عن طريق مصلحة المجتمع ككل. فنقطة الخلاف الكبيرة هنا بين المذهبين هى فى كيفية الوصول إلى تحقيق "المصلحة العامة"، فالفرديون يرون أننا نستطيع أن نحقق المصلحة العامة عن طريق تحقيق مصلحة الأفراد (مجمعة)، أما الذين يؤمنون بالمذهب الجماعى فيرون استحالة تحقيق المصلحة العامة عن طريق جمع مصالح الأفراد. وذلك لأن المصلحة الفردية، عندهم تختلف كثيراً ولا تتلاءم ولا تتناسق ولا تنسجم مع مصلحة الجماعة، كما يعتقد أصحاب المذهب الفردى.
والسؤال المتبقى هنا؛ هل هذا المذهب الفردى، على مدار التاريخ الحديث، عبر أو يعبر (وحتى يومنا هذا) فى الحقيقة عن واقع مجتمع الملايين (خاصة فى الدول الأخذة فى النمو كمصر)؟ وهل استطاع فى بلادنا قبل ثورة 1952 وخلال فترة الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات من القرن الماضى، أن تحقق البواعث الفردية وحدها من خلال حرصها على تحقيق مصالحها الخاصة - أى مصالح للمجتمع ككل؟
الرد بسيط للغاية: من المؤكد أن هذا المذهب الفردى لا يقيم وزناً إلا لمصالح الأقوياء وحدهم الذين يستطيعون أن يدافعوا عن مصالحهم الخاصة، أما الضعفاء (وهم الأكثرية فى وطننا) فلا يستطيعون من خلال هذا المذهب أن يدافعوا عن مصالحهم. ولذلك انتهى إلى أنه رغم وجاهة منطق "المذهب الفردى" من الناحية النظرية، إلا أنه ليس هناك ما يضمن، عند تطبيقه فى مصر، تحقيق مصلحة المجتمع ككل ولا تحقيق التقدم الاقتصادى والعدالة الاجتماعية منفرداً.

لذا أطلب من مجلس النواب الجديد ولجانه النوعية المتخصصة أن يخرجوا علينا بنموذج اقتصادى واضح المعالم قادر على تحقيق التنمية، يستوعب فى طياته كل القوى الاقتصادية الوطنية المنتجة من بواعث فردية وجماعية، على ألا يترك أحد خارج المشهد، لأن مصر تحتاج إلى كل أبنائها فى مرحلة النمو والتقدم.

•أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة