بين أصابع هانى مهنا يسكن سر هذه النغمات وسحرها التى تنبعث من آلة "الأورج" فى حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد وغيرهم، وما إن تسمع نغمه وعزفه حتى تتبرأ من الواقع وتذهب معه فى رحلة نحو الخيال حيث حنين الذكريات.
هانى مهنا لا يحتاج تعريفا فهو اسم موسيقى كبير، ملحن ذكى، تعلم من أستاذه عبد الوهاب كيف يتطور مع الزمن فتطور، تعلم من عبد الحليم الطموح فصار أشهر عازف فى فرقة أحمد فؤاد حسن، بل كّون فرقة خاصة به وظل ينافسه سنوات طويلة.. تاريخ طويل مع نجوم كل المراحل من أم كلثوم مرورا بفايزة أحمد وصباح وسميرة سعيد وذكرى وحتى الأجيال الجديدة.
هانى مهنا
"اليوم السابع
" التقى هانى مهنا للحديث عن شكل الأغنية المصرية وكيف كانت وماذا أصبحت؟.. فقال: "لو استعرضنا التاريخ من الثلاثينيات والأربعينيات نجد أنه كان لدينا كثيرون يحتلون القمة فى الفن والأدب، كان يوجد سيد درويش وسلامة حجازى ومحمد القصبجى والشيخ أبو العلا محمد، ثم أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفريد الأطرش، وفى المقابل نجد فى الأدب طه حسين وعباس العقاد ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، والشعراء حافظ إبراهيم والبارودى وأحمد شوقى، كل ذلك انصهر فى بوتقة الفن عموما، لأن الفن خط متوازى مع المتلقى، ولا نستطيع أرسال فن جيد لمتذوق غير جيد مينفعش، يجب أن يكونوا على مستوى واحد فالفن روحانيات ترسل يستقبلها المتلقى ويحسها ويعيش بها، وفى ذلك الوقت كان كل فرد عامل حسابه ماذا سيقد فى مجاله فن أو سينما أو غناء عشان يتوازى مع الفن الآخر، والدولة كانت تراعى كل هذا، وأيضا الفيلم المصرى كان مترعرع وبيتعرض بباريس وعقب اغلاق مؤسسة الفيلم أصبح مفيش اهتمام بالفيلم المصرى وتقلص وخد مكانه الفن الهندى".
.JPG "هانى مهنى فى حواره مع العباس السكرى (1)")
هانى مهنى فى حواره مع العباس السكرى
وأين ذهب كل هذا التاريخ الذى تتحدث عنه ومن السبب فى انحدارنا؟
السبب أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك للأسف أعطى ظهره للفن، وكان هناك تار بينه وبين الفنانين، عكس الرئيس السادات، الذى كان يقدر الفن والفنان وعندما يكون قائد الدولة فنان "عايز إيه تانى"؟.. وآخر عيد فن أقمناه فى عهد الرئيس السادات اتعمل "اتنين" واحد فى وزارة الإعلام والآخر فى وزارة الثقافة، والسادات ذهب الى الاثنين وكرم مجموعة من الفنانين هنا وهناك ووقتها "مكنتش تقدر تبعت للرئيس اسم أى فنان عشان يكرمه.
متى بدأ الصدام بين الفنانين وحسنى مبارك؟
عندما كان نائبا للرئيس السادات وأوفده لحضور عيد الفن، وتكريم عدد من الفنانين، وقتها غضب سعد الدين وهبة وأصر على وجود الرئيس السادات نفسه، وألغى عيد الفن، وذهب لقصر عابدين ومعه عدد آخر من الفنانين ليعبروا عن اعتراضهم من عدم حضور الرئيس السادات، وغضب مبارك وقتها ولم يتسامح طوال الـ30 عاما، واهتم بالرياضة، وللحق كنت ضد هذا الفكر وقلت لسعد الدين وهبة "بلاش نصطدم كدة هنزعل السادات"، وبعد تولى مبارك الحكم ألغى عيد الفن والمطبلاتية كانوا كتير، حتى أغانى أكتوبر كانت بتتعمل لشخصه مثل "اخترناك"، كانت تبجيل للقائد وده شىء مش مرضى لأنها احتفالية لنصر مصر وأكتوبر، وعندما كنت فى السجن تقابلت مع ابنيه علاء وجمال وقلت لهم هذا الكلام، فقالوا إن الوالد متذوق جدا للفن و"الكاسيت" فى غرفة نومه ودائما يستمع لأم كلثوم وعبد الوهاب، وللحق جمال وعلاء مؤدبين أدب غير طبيعى، وأول ما دخلت علاء جاب لى تليفزيون من عنده، وجمال كان يجيب فلاشات عليها أفلام عشان نشوفها، وطوال الـ6 شهور ينادياننى بـ"حضرتك" أو يا "فنان"، وبيتقبلوا النقد.
.JPG "هانى مهنى (1)")
هانى مهنى
هانى مهنى
وهل التقيت حبيب العادلى؟
نعم، كان يؤم بنا الصلاة كل يوم ما عدا ظهر الجمعة، والراجل مؤمن ومحترم، ووقت أن كان وزيرا للداخلية "مكنش فى حد يقدر يمشى عكس الطريق" مثلما يحدث الآن.
هل أثرت التكنولوجيا على المزيكا؟
"بوظتها"، فالملحن أصبح ليس مبدعًا، بل يقوم بتلقيح الأغنية من كل فكر، والعمل الملّقح ليس له أبًا مثل "الست" التى أنجبت ابنا من 50 رجلا، الأغنية الآن ملقحة ليست لها هاوية وفقدت الهوية المصرية والعربية، بسبب استحضار سلبية التكنولوجيا الحديثة.
.JPG "هانى مهنى (3)")
هانى مهنى
ومن السبب؟
الجمهور سبب أول فى "بوظان" الأغنية، ولو عدنا إلى زمن أم كلثوم كنت ترى ذوق "السميعة" وهتافاتهم "الله" و"عظمة يا ست".
وهل الدولة تتحمل سبب انحطاط المستوى؟
طبعا، عدم الاهتمام بالفنون ورثتنا جيل مستقطب من قبل الإخوان لأنه ببساطة "مفيش بناء إنسانى"، والأغرب أن الفئات المستقطبة من قبل الجماعات الإرهابية أغلبهم خريجى جامعات وبعضهم مهندسين وأطباء، للأسف احنا فقدنا جيل لنا الله فيه، ولا بد أن تنتبه الحكومة لبناء الإنسان.
.JPG "هانى مهنى (5)")
هانى مهنى
ترى هناك أمل فى إصلاح حال الأغنية؟
"الجيل اللى جاى لو اتبنى صح هو اللى هيطرد وهيرفض، وممكن يرجعوا الفن الصادق لمصر مرة أخرى، ويعمل الصح"، لكن هذا يحدث إذا كانت هناك خطة إصلاح.
من هو رقم 1 فى مصر الآن؟
احنا بنتعكز على هانى شاكر، مفيش غيره، هو الحالة الوحيدة اللى فيها طرب، ومش بيجرى وراء الفلوس لدرجة يغنى فى الكباريهات، وفى المرتبة التانية مدحت صالح ومحمد الحلو وعلى الحجار.
وأين محمد منير؟
ليس طربيا.. "جمهور محمد منير مينفعش يقعد على كراسى، نوعية أغانيه لا يتماشى مع الجمهور الطربى ومينفعش أسمع منير أقول الله لأنه غير طربى، رغم أن هو صاحبى وحبيبى".
.JPG "هانى مهنى (4)")
هانى مهنى
متى بدأت ظاهرة التعرى فى الأغنية؟
ظاهرة التعرى من زمان تقريبا بعد النكسة، عندما انتقلت الفنون إلى لبنان، حتى محمد عبد الوهاب سجل أغنيته "طول ما أملى معايا وفى ايديا سلاح" فى بيروت ووقتها كان خائفا، وأيضا فى الأفلام بدأ يظهر الميكروجيب والفستان القصير، "بس المتلقى مكنش لسة اتحول"، لكن الآن فقدنا المتذوق الجيد، باستثناء الكام واحد اللى بيروحوا الأوبرا.
عبد الوهاب
لماذا؟
سألت الأستاذ عبد الوهاب من 30 سنة، قلت له "الفن بدأ يتقلص ليه"؟.. قال لى الجمهور بدأ يموت، كان حاسس إن "الكرف فى النازل"، كان عنده نظرة مستقبلية كبيرة.
ما السر فى "كاريزما" عبد حليم حافظ؟
حليم معندوش الإمكانيات الطربية الضخمة، بخلاف أم كلثوم، وكان بيحفظ الموال من الملحن "معندوش ملكة الارتجال"، عكس الست وحورية حسن وعبد الوهاب كانوا فتوات غنا، بس حليم كان ربنا عطيله كاريزما لو "نشز" الجمهور هيقوله الله، وبصراحة هو الوحيد الذى يظل خارج مستوى المنافسة.
عبد الحليم
هل دبرتا فايزة ووردة ما حدث فى حفل قارئة الفنجان؟
وردة وفايزة لم تدبرا ما حدث، عبد الحليم كانت أعصابه تلفانة فى الوقت ده، والدكتور قال له ماتغنيش هو أصر قاله "مينفعش الإعلانات نزلت" وعمل أول حفلة فى نادى الترسانة، ومقدرش يستحمل هزار الجمهور فحدث ما حدث.
من الذين أحبهم عبد الوهاب؟
كان بيحب بليغ حمدى جدا، ولما يغار منه كان بيعلن غيرته فى الأستوديو، يقولنا "الواحد لما تجيله أغنية يقعد 3 شهور يلحنها، وابن الكلب بليغ بيجى له الوحى كل يوم، ده بيهر مزيكا لدرجة أنه بيخلص الأغنية فى ساعتين"، وأيضا كان بيحب وردة وكان متمسكا بميادة، وكمال حسنى وعادل مأمون رغم انه كان بيقلده ومكنش يكره اللى بيقلدوه.
وهل أحب فريد الأطرش؟
لا أداءه مكنش بيعجبه.
ام كلثوم
من الذين أحبتهم أم كلثوم؟
ذات مرة كنا نتناول الغداء معها، وسألتها قائلا: "أنت بتتأثرى بمين يا ستنا؟.. قالت: "فايزة أحمد وشادية".. قلت لها ليه؟ ردت فايزة مش "بتنشز" أصولجية بمعنى أنها تغنى حسب الأصول، أما شادية بتخلينى ابتسم لما بسمعها، وبتدخل علىّ البهجة، وكانت بتحب حليم كنجم ومقدرتش تنكره.
شادية
ما هى مميزات الست؟
"الساعتين اللى كنا بنوقفهم وراها بيعدوا فى 5 دقايق"، كانت تقدر المبدع، وزعلت جدا على رحيل محمد القصبجى.
متى وقعت فى غرام الملحن محمود الشريف؟
أحبت محمود الشريف عندما كانت تلتقيه فى نقابة الموسقيين، وأعجبت به وتزوجته عرفى، ومش أى حد كان يؤثر فى أم كلثوم.
ما الشىء الذى جذبها فيه؟
كان يحترم الست جدا، وشيك، وأنيق، وأيضا ملحن شاطر.
لماذا لم يلمع جيل سميرة وأنغام مثل الجيل الذى سبقهن؟
هذا الجيل لم يكن مثل سابقيه، لكنهم لحقوا النفس الأخير من الجمهور، لما عدوا عليه كان لسة فيه سميعة، ومع الزمن سميرة اتحولت بالاستحضرات الأجنبية لكن تظل قادرة على منح روح البهجة والخفة والصداقة بيننا مازالت قائمة.
سميرة سعيد
من هى المطربة الأولى؟
المطربات الأوائل أنغام وآمال ماهر وشيرين.
عدد الردود 0
بواسطة:
ALI
كلام مضبوط
أوافقك الرأي أستاذ هاني ان الذوق العام أصبح ردئ، وهذا بسبب ما يسمى بثقافة التيك أواي، يعني المعلومة تأخدها من شريط الأخبار أو من النت، وكذلك الأغنية إذا تعدت ال5 دقائق لا أحد يسمعها. لكن مازالت هناك أغاني جيدة مسموعة مثل أغاني شيرين، ولما غنت آمال ماهر مع محمد عبده (شبيه الريح) كانت مذهلة. ولكي يستعيد الجمهور ذوقه العام لابد من تغيير ثقافته ورجوعه للقراءة يعني قراءة (كتاب وقصص وشعر ونثر) وتشجيع ذلك في المدارس واستعادت مادة المطالعة بالمدارس. فالمفروض أن نعود الطالب على القراءة، ومن ثم يصبح مبدعا. فإنك لو طلبت من ابنك يقرأ خبر في التلفزيون الآن تجده يتلعثم، وفي الأخير لايفهم المعاني، والسبب عدم الثقافة
عدد الردود 0
بواسطة:
مجدى
لا يليق عليك غير هذة العبارة ( أستاذ و فنان و أمتعت الكثير بعزفك )
فوق