د. مغازى البدراوى

ماذا تريد روسيا فى سوريا؟

الجمعة، 11 نوفمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يسيطر على عقول الكثيرين فكرة روج لها الإعلام الغربى بشكل كبير، مفادها أن روسيا التى احتلت "القرم" وتستعد لغزو جمهوريات البلطيق الثلاثة المجاورة لها، ذهبت إلى سوريا، مستغلة ظروف نظام بشار الأسد، لتفرض نفوذها وتنشر قواعدها وتضع أقدامها فى الشرق الأوسط، وذهبوا فى هذا الاتجاه إلى مدى القول أن روسيا تحافظ على نظام بشار لكى يحكم لحسابها فى سوريا، مثلما تفعل أمريكا فى أفغانستان والعراق، وهناك كثيرون يصدقون هذه المقولات.
 
يجب العلم أنه لم يكن سهلا أبدا على الرئيس الروسى بوتين أن يتخذ القرار بالعملية العسكرية فى سوريا، وروسيا ليست مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، حيث الأنظمة هناك لديها مساحة كبيرة من الحرية فى توجيه قواتها المسلحة خارج أراضيها، اعتماداً منها على العقيدة الاستعمارية الراسخة فى ثقافات شعوبها تجاه دول العالم الثالث، بأن جيوشها وجدت لتغزو وتفرض نفوذها على هذه الدول، لا لتدافع وترد الاعتداءات عن أراضيها، ولهذا نرى هذه الدول الغربية تحرك قواتها العسكرية فى أى اتجاه ووقتما تشاء، وتقصف وتدمر وتقتل فى الشعوب الأخرى، ولا يتحرك ساكناً على أراضيها اعتراضاً على سلوكها، لكن روسيا الآن، فى ظل حكم بوتين تختلف كثيراً عن هذه الدول، ورغم الدعاية القوية التى تظهر بوتين بأنه الأقوى والأكثر حزماً وشعبية فى العالم، إلا أن بوتين بخلاف البريطانيين والأمريكان والفرنسيين، يخشى كثيراً الساحة الداخلية فى روسيا، والممتلئة بالكثيرين من المعارضين لنظامه الذين ينتظرون له الأخطاء، ورغم شعبيته الكبيرة إلا أنه يخشى كثيرا تراجع هذه الشعبية، ونتذكر أنه عندما فاز فى انتخابات الرئاسة الأخيرة عام 2012 بكى ونزلت دموعه من الفرحة أمام الجماهير، رغم أنه كان واثق من الفوز، لكنه كان يخشى أن يحصل على نسبة أصوات لا تناسب شعبيته، وكانت فرحته كبيرة بحصوله على نحو 64% من الأصوات فى انتخابات شهد العالم كله بنزاهتها، الوضع فى روسيا الآن يختلف كثيرا عن ذى قبل، ومستوى حرية الرأى والديمقراطية والمعارضة فى روسيا أكبر بكثير منه فى دول غربية كبيرة، والرأى العام فى روسيا له تأثيره القوى ويخشاه الكرملين كثيراً، ولهذا نجد الرئيس بوتين يتوخى الحذر الشديد فى استخدام القوة العسكرية خارج أراضى روسيا، ولا يستخدمها إلا بموافقة البرلمان، وإذا استخدمها فإنه يحاول ألا يتمادى أو يطيل وجودها فى الخارج، وهذا ما فعله فى جورجيا فى أغسطس عام 2008، عندما وصلت القوات الروسية إلى حدود العاصمة تبليسى وكادت تسحق الطائرات الروسية الرئيس الجورجى ساكشفيلى الذى شاهده العالم كله على شاشات التلفاز وهو يختبئ تحت أجساد حرسه الخاص من الطائرات الروسية التى تحلق فوقه على ارتفاع منخفض جداً، وارتعد العالم كله مما أسماه الغرب آنذاك "الغزو الروسى لجورجيا"، لكن روسيا لم تتمادى فى استخدام القوة، ولم تقتل مواطناً جورجياً واحداً، وسحبت قواتها من جورجيا قبل نهاية الأسبوع، وفى أوكرانيا كان يمكن لبوتين أن يحسم الأمور بالقوة العسكرية، ولم يكن هناك من يجرؤ على اعتراضه من الغربيين، وكان سيجد قبولا وترحيباً من الشعب الروسى وأيضا من الشعب الأوكرانى الذى تحلم غالبيته بالانضمام لروسيا، لكن بوتين لم يفعلها، وكل هذا ليس خوفاً من أحد، بل هى عقيدة عسكرية روسية تختلف تماماً عن قرينتها لدى الولايات المتحدة وبريطانيا، ومن ينكر هذا الأمر أو لا يستوعبه جيدا لن يستطيع أن يفهم توجهات الاستراتيجية العسكرية الروسية على الساحة الدولية، هذه الاستراتيجية التى تخدم، أولا وأخيراً، مصالح روسيا، لكنها ليست استعمارية ولا تؤمن إطلاقاً بفرض النفوذ والهيمنة ومصادرة إرادة الشعوب وثرواتها وعدم احترام سيادة الدول الأخرى.
 
روسيا ذهبت إلى سوريا لسبب واحد فقط لا ثانى له، وهو محاربة الإرهاب والقضاء عليه هناك، لأنه إذا استفحل ونما فإنه قادم إلى روسيا لا محالة، وهناك ما يقرب من ثلاثة آلاف روسى فى صفوف التنظيمات الإرهابية مسجلين بالاسم لدى الأمن الروسى، وروسيا التى يعتبرونها فى واشنطن ولندن عدوهم الأول، تعلم جيداً أنه لا الولايات المتحدة ولا الناتو ولا بريطانيا يستطيعون الدخول فى مواجهة عسكرية معها فرادى أو مجتمعين، لأن هذا سيعنى نهاية العالم، وأن سلاحهم الوحيد فى الحرب معها هو التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والتى كانت تجربتها الأولى مع الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان، ومع روسيا فى الشيشان.
 
دفاع روسيا عن الأسد ونظامه سببه الرئيسى أن البديل هو الإرهاب، وأن الأسد هو الشرعية التى بات الكثيرون الآن يعترفون بها، ومنهم واشنطن التى قدمت اعتذارها لنظام بشار الأسد عن حادث قصف العسكريين السوريين فى دير الزور، مما يعنى اعترافها الرسمى به.
 
روسيا حققت نجاحات كبيرة جدا فى مكافحة الإرهاب فى سوريا، وقضت على القوة الضربة لتنظيم "داعش" هناك، وعملية حلب ستكون آخر عمليات التطهير الرئيسية، وما بعدها ستكون شبه مطاردات، ولهذا نجد الهستيريا الأمريكية والبريطانية ضد ما تفعله روسيا فى حلب، واتهاماتهم المتكررة لها بضرب المدنيين، وهو الاتهام الذى تتحدى روسيا، منذ بداية عملياتها العسكرية فى سوريا، أن يأتوا بدليل واحد على قصفها لمدنيين.
 
الحرب فى سوريا ستغير موازين القوى العالمية فى الشرق الأوسط وفى العالم أيضاً، والخيار فيها بين اثنين، إما انتصار القطب الأوحد الأميركى وعصاباته من المرتزقة الإرهابيين، وإما الانتصار على الإرهاب ودحره وخلق نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب، وهذا ما تسعى إليه روسيا من حربها فى سوريا.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة