د. محمد على يوسف

«و ما أنا من المتكلفين»

السبت، 08 أكتوبر 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا داعى لأن تشعر دوماً بأنك مختلف وغريب وأنك شىء آخر غير أولئك الذين لا يشبهونك
 
«حال رجل فى ألف رجل خير من قول ألف رجل فى رجل».. هذه المقولة المنسوبة لسيدنا على بن أبى طالب، تتكرر دوما على لسان الدعاة والمصلحين، لتحث أهل التدين على التحلى بالأخلاق الحسنة والخصال الحميدة والانتباه للمعاملات، وألا يكتفى المتدين بالكلام ولكن يجتهد بأفعاله وتصرفاته فى أن يكون واجهة مشرفة تأخذ بقلوب الناس إلى الدين، مثلها المقولة المنسوبة للكثيرين: «رأيت فى الغرب إسلاما بلا مسلمين» يُقصد بها الإشارة إلى وجود أخلاق حميدة دعا إليها الإسلام هناك، بينما افتقد كثير منها فى بلاد المسلمين، هذا الخطاب على حسن مبدئه وصحة كثير مما فيه يعتبر فى رأيى سلاحا ذا حدين. أقر بأنها دعوة مهمة، دعوة الحال أعنى، لكن من يسرف كثيرا فى هذا الخطاب ينسى أمرين فى غاية الأهمية:
 
الأمر الأول، أن الشخص المتدين هو النهاية بشر عادى لن يتحمل طويلا هذا الشعور الثقيل بأنه مراقب، وهذا للأسف جزء مهم مما يبثه هذا الخطاب.. الناس كلها باصة عليك.. الخلق يراقبونك.. أنت محط أنظار الجميع، هذه خلاصة جزء لا يستهان به من المشاعر النابعة عن هذا النوع من التوجيه، وبخلاف ما قد يعترى إخلاصه ونيته جراء ذلك الشعور وما قد يطرأ عليه من الإعجاب بالنفس والشعور بالعلو على الناس والانفصال عنهم، وعن حياتهم لمجرد تسميته بالملتزم أو هيئة التدين التى التزم بها، فإنه لن يتحمل طويلا أن يعيش فى هذا التكلف وأن يحيا كممثل فى مسرحية طويلة جمهورها هم كل من لا يشبهونه! وكأن لسان حاله كلما فعل فعلا أو قال قولا أو تخلق بخلق: انظروا إلىّ.. تأملوا روعتى.. تعلموا من أخلاقى.. هل لاحظتم تلك الحركة الإيمانية أو هذه الفعلة الأخلاقية.. هيا اقتدوا وسيروا على خطاى تفلحوا. تمثيلية طويلة ثق أنه لن يتحمل العيش فى ظلالها طويلا. ينبغى أن يكون حال المرء نابعا من تغيير حقيقى فى أخلاقه وسلوكياته وليس فقط من منطلق متصنع يدور حول نظر الناس والشعور بأنه قدوة ورأس تُتابع وتُتَّبع. ببساطة جامعة مانعة يتلخص هذا المعنى فى قوله تعالى: «وما أنا من المتكلفين».
 
الأمر الثانى، يتعلق بالناس الذين يعتنى بنظرتهم وبإعطائهم النموذج الطيب الذى يقتدون به، هؤلاء بحاجة إلى رؤية نماذج بالفعل، لكنها ليست نماذج خارقة، بل من أهم ما ينبغى بثه فى أذهانهم ووعيهم الجمعى أن الأمر طبيعى، المتدين شخص طبيعى مثلهم، الأمر ليس مستحيلا.. أحيانا تكون تلك الطبيعية بل أحيانا تكون الأخطاء البشرية والزلات غير المقصودة سببا فى طمأنتهم وإشعارهم أن المطلوب منهم ليس أن يكونوا معصومين، أن تدينهم وتسننهم لن يجعل منهم روبوتات جامدة المشاعر آلية الحركات مبرمجة على عدم الخطأ، رسالة ضمنية تصل إليهم من خلال عدم التكلف، مفادها: الأمر ممكن ويسير والخطأ وارد ويمكن إصلاحه.
 
ما أود قوله للمتدين باختصار وتبسيط، أولا أنت شخص عادى وتدينك ليس معناه إن حضرتك نجم النجوم ووحيد زمانك، وإن الخلق وقفوا جميعا ينظرون كيف تبنى قواعد المجد وحدك، فبلاش تعيش فى الدور أوى، ثانيا: كن على طبيعتك واجعل الأخلاق الحسنة والسلوك الطيب جزءا من هذه الطبيعة قد تحتاج أن تتكلف الأخلاق الحسنة فى البداية لكن أن يكون هدفك أن تتحول فى النهاية إلى سجية وطبيعة، وليس أن تكون دوما جزءا من فيلم أو تمثيلية أنت تلعب دور البطولة فيها، ببساطة لأن الأفلام والتمثيليات مسيرها تخلص والتتر ينزل والحقيقة تظهر.
 
ثالثا: لا داعى لأن تشعر دوما أنك مختلف وغريب وأنك شىء آخر غير أولئك الذين لا يشبهونك، وأن أغلبهم مساكين ضلال، وأنت بحركاتك وسكناتك من ستهديهم لأن- صدقنى- هذا الشعور سيجعل بداخلك صنما يتعاظم يوما بعد يوم اسمه صنم الإعجاب بالنفس، وصدقنى أيضا هذا الشعور يصل للناس، وينفرهم منك بدلا من هدايتهم التى تبتغى.. أخيرا اجعل تلك الجملة القرآنية الجامعة التى أشرت إليها منذ قليل شعارا فى حياتك واجعلها حقيقة حالك.. جملة: «وما أنا من المتكلفين».

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة